الطباق فن من فنون البلاغة لا يواتي إلا من برعوا في نظم الشعر، وهو أن تأتي لفظة ونقيضها في بيت واحد من الشعر، ومن أعظم الشعراء الذين برعوا فيه ابن زيدون، وكمثال لذلك هذه القصيدة: أضحى التنائي بديلا من تدانينا ... وناب عن طيب لقيانا تجافينا إنّ الزمان الذي ما زال يضحكنا.. أنسا بقربهم قد عاد يبكينا فانحلّ ما كان معقودا بأنفسنا... وانبتّ ما كان موصولا بأيدينا وقد نكون وما يخشى تفرقنا ... فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا في البيت الأول طباقان: تنائي وتداني ولقيانا وتجافينا، وفي البيت الثاني أيضا طباقان: زال وعاد ويضحكنا ويبكينا، وفي البيت الثالث طباق واحد: معقودا وموصولا، وفي البيت الرابع ثلاثة طباقات وهو ما لم يأت به قبله سوى شاعر واحد من شعراء العرب وهو المتنبي وسأذكر ذلك بعد قليل، ونعود للبيت فنكون نقيض اليوم ويخشى نقيض يرجى وتفرقنا نقيض تلاقينا، ومن قبيل ذلك عند ابن زيدون هذه القصيدة ما على ظنّي باس ... يجرح الدهر وياسو ولكم أجدى قعود ... ولكم أكدى التماس في البيت الأول طباقان في عجزه: يجرح وياسو، والبيت الثاني من الشوارد ففيه طباقان: قعود والتماس وأجدى وأكدى، وهاتان اللفظتان فيهما جناس غير تام، ولا يختلفان إلاّ في حرف واحد، وأكدى تعني أعطى شيئا وبخل بالباقي، وهو ما توضحه هذه الآية: "وأعطى قليلا وأكدى" ولاحظوا الاعجاز فلفظة أكدى تفسر جملة أعطى قليلا، أما بيت المتنبي فهو: أزورهم وسواد الليل يشفع لي.. وأنثني وبياض الصبح يغري بي أزورهم نقيض أنثني والسواد نقيض البياض ويشفع نقيض يغري، وأخيرا إليكم هذا البيت من نفس القصيدة الآنفة الذكر: واغتنم صفو الليالي ... إنما العمر اختلاس