القارئ الذي رمز إلى اسمه بالدكتور حسن يسألني عن الفرق بين الأدب والثقافة ، فأجيبه بأن الأدب شكل والثقافة محتوى أو ما كان القدامى يسمونه بالمعاني تمييزا لها عن المباني ، وشيخ النقاد العرب الجاحظ يقول في كتابه الحيوان ( الجزء الثالث صفحة 131-132 طبعة دار الفكر المنحولة عن طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر ، تحقيق عبد السلام هارون " وذهب الشيخ -يعني الشيباني- إلى استحسان المعنى،والمعاني مطروحة على الطريق يعرفها العربي والعجمي والبدوي والقروي ، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء وفي صحة الطبع وجودة السبك فإنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير " ولهذا فرق النقاد مثلا بين الشعر والنظم ، فالنظم ليس شكلا وإنما مجموعة من المعاني والمعلومات كألفية ابن مالك ،والنظم تقريري بينما الشعر تصويري ، وحين نتحدث عن التصوير فإننا نعني الاستعارة والكناية والتمثيل وأبواب البلاغة الأخرى كالطباق أو التعارض ، ولك أن تتأمل هذا البيت للمتنبي : أزورهم وسواد الليل يشفع لي وأنثني وبياض الصبح يغري بي فهنا ثلاثة طباقات ، أزور مثلا ضد أنثني والسواد ضد البياض والشفاعة ضد الإغراء ، وحين نتحدث عن نقد عمل ما نجد أن النقد الأدبي يُعنى بالشكل بينما النقد الثقافي يعنى بالمضمون ، وهناك أعمال تنتمي إلى الثقافة ولا تنتمي إلى المضمون ، ومن ذلك كتاب البخلاء للجاحظ أما كتابه الحيوان فهو مزيج بين الأدب والثقافة وقد درسته في الكوليج دي فرانس على يد المستشرق اندري ميكيل ، وأنا مارست النقد الثقافي والنقد الأدبي ، وكتابي " معنى المعنى وحقيقة الحقيقة " مزيج بين هذين النقدين .