مرة أخرى أعتذر للقارئ عن الحديث في الشأن العام، لأنني غداً أمس - (22 سبتمبر) سأخضع لعملية جراحية في محاولة لتقوية القلب الواهن، أي أنّ النجاح فيها غير مضمون، ولهذا لم ترد على الخاطر سوى هذه القصيدة للبحتري التي يصف فيها ايوان كسرى ولكنه في الحقيقة ينعى نفسه وهي تنطبق عليّ صنتُ نفسي عمّا يدنس نفسي * وترفعت عن جدا كلّ جبس بُلغ من صبابة العيش عندي * طفّفتها الأيام تطفيف بخس وكأنّ الزمان أصبح محمو * لا هواه مع الأخسّ الأخسّ واشترائي العراق خطة غبن * بعد بيعى الشآم بيعة وكس وهو هنا قد صان نفسه، ولم يجعلها هوانا للناس وترفع عن عطاء كلّ لئيم، وترفعت فيها أداء نفسي، وهذا الأداء يجعل البيت صادرا من قرارة النفس بدلا من طرف اللسان، ولأنه ترفع عن عطاء اللؤماء فلم يحصل من العيش إلاّ صبابته، وصبابة العيش فيها استعارة من كأس الرحيق، وهو القليل الأقل الذي يتبقى في آخر الكاس، وهو في الغالب قذى، والشاعر يقول : « والعمر مثل الكأس يرسب في أواخرها القذى »، وهذا القذ طففته الأيام تطفيف بخس، والبخس هو الذي لا قيمة حقيقية له : « بثمن بخس دراهم معدودة »، وفضلا عن ذلك أكدّ ما قاله بالمفعول المطلق، وهو شبه الأيام بالمطففين الذين قال عنهم القرآن : « ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون » ثمّ نأتي إلى كأنّ وهي حرف مشبه بالفعل تأتي للتشبيه، ولكنها أتت هنا حسب السياق للتحقيق كما في هذا القبيل « كأنّا خلقنا للردى » فالموت حق ولا يمكن أن يكون محل شبهة، وقد تأتي كأنّ متراوحة بين الشك واليقين كما قيل لبلقيس « أهكذا عرشك قالت كأنّه هو »، فهي من جهة لا تصدق أنّ العرش نقل إلى سليمان بهذه السرعة، ومن جهة أخرى لا يمكن أن تنكر عرشها الذي جلست عليه سنين عددا، أما البيت الأخير فهو شامي ذهب إلى العراق التماسا للثراء ولم يصب منه شيئا، ثم يأتي هذا البيت الذي ينعى فيه ديوان كسرى ولكنه أيضا ينعى نفسه عكست حظه اليالي وبات ال ** مشتري فيه وهو كوكب نحس