والشاعر هو البحتري وهو يرثى إيوان كسرى ولكنه يتماهى مع الإيوان ويرثى نفسه، وهي واحدة من القصائد القليلة في الشعر العباسي وبالذات في شعر البحتري التي لا تستهدف المدح، كما أنها نسيج وحدها في وصفها لأثر دارس، وإذا كان الإيوان لم يقاوم عوادى الدهر فإنه يحق للشاعر وهو من لحم ودم ان يستسلم لها، ولكنه حين يفعل ذلك يعزى نفسه ويطمئنها إذ لم يدنسها وعاش مرفوع الرأس رغم أنه لم ينل من الدنيا إلاّ القليل الأقل. صنت نفسي عما يدنس نفسي وترفعت عن جدا كل جبس وتماسكت حين زعزعني الدهر م التماساً منه لتعسى ونكسي بلغ من صبابة العيش عندي طففتها الأيام تطفيف بخس وكأن الزمان أصبح محمولاً م هواه مع الأخس الأخسّ لا تزرني مزاولاً لاختباري عند هذي البلوى فتنكر مسّي وإذا ما جفيت كنت حرياً ان أُرى غير مصبح حيث أمسي حضّرت رحلي الهموم م فوجهت إلى أبيض المدائن عنسي أتسلى عن الخطوب وآسى لمحل من آل ساسان درس ذكرتنيهمُ الخطوب التوالي ولقد تُذكر الخطوب وتنسي وهو هنا ينعى آل ساسان (وهم كناية عن الإيوان) وينعى نفسه: نقل الدهر عهدهن عن الجدة م حتى غدون أنضاء لبس فكأن الجرماز من عدم الأنس م وإخلاقه بنية رمس لو تراه علمت ان الليالي جعلت فيه مأتماً بعد عرس والجرماز البهو، والإخلاق البلى، والرمس القبر عمرت للسرور دهراً فصارت للتعزى رباعهم والتأسّي فلها ان أعينها بدموع موقفات على الصبابة حبس وإذا كان هذا الشاعر العظيم يرثى نفسه فحق لكاتب هذه السطور ان يتأسى به ويفعل ذلك.