من خلال التنوع الإعلامي الذي أتى بقنوات فضائية تقدم المواد بشكل مباشر أو غير مباشر، تحمل أجندتها الخاصة وفكرها وميولها وتوجهاتها، يُتابع المتلقي ذلك بناءً على ما يؤمن به، وبناءً على مستوى وعيه، وبناءً على مستوى قدرته على تحليل المعلومة وقراءة العمق في خلفياتها. وعلى الرغم من ذلك يبقى المتلقي يدور حول قنوات أصبحت تقدم كل شيء، وتعرض له مختلف الأخبار، تأتي بالمعلومة بحسب ما تضعها في قالبها الذي يخدم توجهاتها وتترك الخيار له، فإمّا أن يفهم بشكل جيد، أو يستمع إليها ويتأثر بها دون تفكير، وربما ذلك ما دفع إلى ظهور التصنيفات بين مختلف شرائح المجتمع، التي أصبح يُطلقها البعض على من يعلن متابعته لقناة ما دون غيرها، فظهرت المسميات التي أصبحت تحكم على توجه الفرد بناء على ما يشاهده، وما يحب أن يكون على صلة دائمة بكل ما يطرحه، فهل تصنيف الأشخاص وتحديد توجهاتهم وأفكارهم يعتمد بشكل كبير على اختيارهم للقناة التي يحبون مشاهدتها وينادون بأفكارها؟، هل حقاًّ التصنيف هنا عادل؟، أم أن تصنيف توجهات الأفراد بناء على ما يختارونه من قنوات سواء كانت فنية أو إخبارية أو دينية غير مجد في وقت أصبح كل شيء متاح، وأصبح المتلقي يختلف عن القديم الذي لم يكن لديه خيارات عديدة ليختار؟، في هذا التدافع الإعلامي الكبير والزخم المتنوع هل يمكن أن نصنف توجهاتنا بناء على مانشاهده؟. المرء بجليسه وقال "د.زامل أبو زنادة" -أستاذ مشارك في كلية الإعلام والاتصال بجامعة الملك عبدالعزيز-: إن المرء بجليسه، فإذا جالس الإنسان قنوات الذِّكر تأثر بها، وإذا جالس الإنسان قنوات السياسة تأثر بها، وإذا جالس الإنسان القنوات السلبية فإنه يتأثر بها، وإذا جالس قنوات السحر والشعوذة فإنه يتأثر بها، وتلك هي القاعدة العامة في التأثير الإعلامي، مضيفاً أنه ليس هناك ما يسمى أُشاهد ولا أتأثر، فبما أن المرء يشاهد ويسمع فإن التأثير سيحدث والمصيبة الكبيرة حينما نقرأ، فالقراءة لها تأثير كبير، مبيناً أن اختلاف التأثير يعتمد في المقام الأول على مدى وعي وتعليم المتلقي، فحينما يكون المتلقي مفكرا يختلف عن المتلقي الذي يكون سياسيا، أو حينما يكون متلقيا غير متعلم فكلما سمع شيئاً أثّر به، وتلك كارثة كبيرة، مؤكداً على أن خطورة تلك القنوات على الأفراد تعتمد على مدى وعيهم وتعلمهم، فالأخبار السياسية تظهر لديهم فيتأثرون بها، ويكنّون مواقف، ويشكِّلون رأياً عاماً، مشيراً إلى أن الأخبار تُشكِّل رأياً عاماً لا محالة من ذلك، فمن لديه قناعات كبيرة وراسخة بقناة معينة، سوف يتأثر بكل ما تطرحه والعكس صحيح. مصداقية القناة وأوضح "د.أبو زنادة" أنه حينما يكون المرء عاداته الاستهلاكية الإعلامية دينية، فإنه سيتأثر بما يطرح في القنوات الدينية، وحينما تكون عاداته الاستهلاكية الإعلامية سياسية، فإنه سيتأثر بها، وهنا يأتي دور مدى المصداقية لدى الشخص، فحينما يُصدّق المتلقي كل ما يبث في قناة ما، فإنه سيتأثر بها، مضيفاً أن مدى مصداقية القناة وشعور المتلقي بذلك هو المحك الذي يحدد ميول وتوجهات المتلقي لها، ومدى تأثيره بها؛ لأنه شعر بمدى مصداقيتها، مؤكداً على أن التأثير هنا لا يختلف بحسب جنس المتلقي، فهو على المرأة كما الرجل، إلاّ أنه في مراحل العمر المبكرة أعلى في التأثير من المتأخرة، حتى مع تقدم مستوى العمر، فالتجربة الحياتية تغطي التعليم، مشيراً إلى أنه كلما كبُر المرء كلما كانت خبرته فيما يطرح كبيرة، فلا يُصدق كل ما يقال، متأسفاً على أن الناس أصبحت تعتقد أن الإعلام يحمل كل الحلول وكل المشاكل، فأصبح الناس لا يقرأون، وأصبح هناك شك في المضامين، وذلك ليس فقط على مستوى إعلامنا فحسب، بل على مستوى وسائل الإعلام المختلفة، فكلما تورطت قناة في عدم المصداقية كلما نقص تقديرها في أعين الناس، وإذا نقص تقديرها في أعين الناس اضمحلت وماتت ولم تجد من يتابعها. معلومة مُشاعة وتحدث "د.عبدالعزيز السويل" -عضو مجلس الشورى السابق- قائلاً: إننا نعيش في الوقت الحالي في عصر المعلومة، والمعلومة أصبحت مُشاعة، وليس بالإمكان السيطرة عليها أو صناعتها، مضيفاً أن الصناعة للأسف قد تبدأ من إشاعة، وبالتالي أصبحت القنوات نهرا جارفا لا يمكن التصدي له أو توجيهه، مبيناً أن الثقافة تكمن في الأخذ من كل شيء ولو قليل، ثم تأتي مرحلة انتقاء المرء ما يراه مناسبا لتوجهاته وتفكيره، فالقنوات الفضائية أصبحت جزءا من البحر المعلوماتي الهادر الذي لا يمكن السيطرة عليه أو توجيهه، مشيراً إلى أنه فيما يتعلق بالمتلقي الواعي فإنه ليس هناك إشكال عليه بأن يتلقى المعلومة ويأخذها على اختلاف توجهاتها من مختلف القنوات أو غيرها من مصادر أخرى، ثم يصل لقناعات معينة، وذلك بحسب ما يتيح له فكره وثقافته ومخزونة. تميّز ووعي وأكد "د.السويل" على أن هناك من الناس من لا يملك القدرة على التميّز أو الوعي، وهنا يأتي دور الرقيب، والرقيب لا يعني الجهات الحكومية، بل قد يكون الرقيب الوالد أو المدرسة أو المجتمع، وهنا يكون التوجيه ضروريا ومهما، مضيفاً أنه أهم من المنع؛ لأن المنع قد يغري بمشاهدة كل ما هو غير صحيح، مبيناً أن التوجيه هنا له دور كبير في مختلف شرائح المجتمع، أما الرقابة والمنع والحجب فهو أسلوب عفا عليه الزمن، ولم يعد يجدي في الوقت الحالي، لافتاً إلى أننا وقعنا في فخ التصنيف الفارغ للأشخاص بناء على ما يشاهدون من قنوات، وذلك غير صحيح، فالفرد يجب أن يشاهد ويرى كل شيء، فليس صحيحاً أن يوصم إنسان بفكر معين أو تيّار محدد لمجرد أنه شاهد قناة إخبارية محددة، فذلك غير صحيح، وهو تصنيف غير عادل، موضحاً أن هناك من الأشخاص من يشاهد قنوات لا تتفق مع توجهاته للاطلاع على وجهات النظر الأخرى. وأضاف أن الأخبار في الوقت الحالي لم تعد معلومة، بل أصبحت وجهات نظر، لذلك فحينما نشاهد قناة إخبارية ما تطرح فكراً محدداً ثم نشاهد قناة أخرى إخبارية مغايرة وهي تمثل وجهة النظر الأخرى، فإنه يمكننا أن نخرج بتصور ما يحكمه توجهنا وثقافتنا وخلفياتنا الشخصية، فليس هناك من يكتفي بمتابعة قناة واحدة؛ لأنه يؤمن بتوجهها إلاّ ما ندر، والنادر لاحكم له. لا يوجد دراسة ورفض "د.سعود صالح كاتب" -مختص في مهارات الاتصال وتكنولوجيا الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة- تصنيف الأشخاص بناء على اختيارهم لمشاهدة قنوات دون غيرها، فليس هناك دراسة وإحصائية تُثبت وجود تطابق بين قنوات وبين الأشخاص التي يشاهدونها، فما يحدث أن هناك بعض الأشخاص ينتقدون قناة إخبارية معينة، لكنهم يشاهدونها بشكل دائم والعكس صحيح، مضيفاً أنه ليس هناك ربط بين توجه الشخص وبين ما يشاهده، وإنما قد يكون التوجه مرتبطاً بنوع القنوات، مبيناً أن الشخص الذي يميل للأمور الدينية يشاهد القنوات الدينية، والشخص المهتم بالرياضة يشاهد القنوات الرياضية وهكذا، لكن من الصعب الحكم على توجهات شخص بناء على ما يشاهده، فهناك من الأشخاص من يضع في منزله قنوات دينية لكنه أبعد عن السلوكيات الدينية، فالمسألة لا يمكن تحديدها بمعيار محدد. مواقع تواصل وأشار "د.كاتب" إلى أن الانفتاح الإعلامي خاصة مواقع التواصل الاجتماعي دفعت الناس إلى أن يعبروا عن رأيهم، وبالتالي أصبح الجميع يتحدث عن السياسية وعن أمور كثيرة كانت حكراً على النخبة سابقاً، ففي الوقت الحالي جميع المواضيع يتم مناقشتها من قبل المختصين وغير المختصين في قنوات التواصل، حيث فتحت المجال أكثر لمناقشة قضايا كانت محصورة على وسائل الإعلام المعروفة، التي كانت متاحة للنخبة، أما اليوم فالجميع يعرف كل شيء، مضيفاً أن كل قناة فضائية لها توجهاتها وأجندتها الخاصة فيها وذلك أمر طبيعي في كل قناة تحاول الوصول إلى أجندتها حتى إن كانت غير معلنة، إلاّ أن اختيار المتلقي لقناة لا يدل على معرفته بأجندتها، مؤكداً على أن الكثير من القنوات تحاول أن تجتذب عامة الناس وهم الذين ليس لديهم خلفية عن كيفية عمل وسائل الإعلام واستخدامها لأسلوب نقل رسائلها، لافتاً إلى أن القليل من يدرك تلك الأجندة، فالمشاهدة إنما تكون هنا بشكل غير متعمد. التحول من قناة لأخرى يربك افكارك د.زامل أبو زنادة د.عبدالعزيز السويل د.سعود كاتب ميول المُتلقي تُحدد مصداقية أخبار القناة