ولدت أكثر من مرة... وعشت غربة مزدوجة، في الكويت وفي السعودية، والآن في قطر أعقد مصالحة بين الغربات الثلاث». سينتقل ليتحدث إليك كما هو خلف الشاشة المثيرة للجدل. رجل عجنته التجارب حتى لتظن أنه شاخ في ال 30. عميق كبئر ماء. في سحنته السمراء وجه الخليج. وفي صوته بقايا رائحة الملح على الساحل الشرقي. بقايا شجن. تماماً يشبهها، تلك المدينة الملقاة على قارعة الطريق تحتار في وجهتها بين بلدين: «حفر الباطن». الإعلامي علي الظفيري، الذي كان قبل عشر سنوات عاطلاً عن العمل يستقل حافلة النقل الجماعي لأنه لم يكن يملك قوت شاب ولا سيارة، هو اليوم واحد من أهم الوجوه الإعلامية الجماهيرية على شاشات التلفزيون الإخبارية. وجهه اقترن بتغطيات قناة «الجزيرة» لمصر، حتى سُمّي «مذيع الثورة». تحدث إلى «الحياة» عن بداياته، وعن برنامجه، وعن مطبخ «الجزيرة»، وعن رؤيته، وعن فيروس الثورات العربية الذي حمله عام 2011، وأشياء أخرى. فإلى تفاصيل الحوار: منذ الولادة ننطلق، مم تشكل الطفل فيك، وكيف لعبت الأقدار في عجن هذه الشخصية؟ - بداية، من الولادة. ولدت أكثر من مرة، الأولى منها كانت في الكويت في تشرين الأول (أكتوبر) عام 1975. المكان والزمان والظروف كلها أسهمت مجتمعة في تشكيلي، كما يحدث مع كل شخص في هذا الكون، لكن وفاة والدتي بعد أسابيع من ولادتي كانت الحادثة الأكبر تأثيراً في هويتي وملامحي واتجاهاتي في ما بعد، بغياب الأم يفقد الإنسان المركز أو نقطة الانطلاق والعودة، تبدأ مرحلة تيه طويلة ولا تنتهي. في كل مرحلة من مراحل حياتك تأخذ شكلاً مختلفاً، لكنها أصبحت سمة وجودك الرئيسية ولا فكاك منها. هذا باختصار فهمي لفكرة الأم، وفكرة فقدها، تعلمت في الكويت حتى أنهيت الدراسة الجامعية فيها. حصلت على إجازة في علم النفس التربوي من كلية التربية عام 1997. عدت إلى بلدي غريباً. وقد عشت غربة مزدوجة، في الكويت وفي السعودية. الآن في قطر أعقد قمة مصالحة بين الغربات الثلاث، يتشكل شيء جديد لا أستطيع الآن فهمه وتقديره على النحو الصحيح. هل كان هناك تخطيط سابق لدخولك مجال الإعلام، وما الذي ربطك به؟ - العاطلون عن العمل أكثر من يقتني الصحف، لتمضية الوقت، والبحث عن الوظيفة. وفي حافلة النقل الجماعي التي كانت تقلني من الدمام إلى حفر الباطن، وجدت إعلاناً من وزارة الإعلام منشوراً في صحيفة «الجزيرة» عن وظائف شاغرة لمذيعين جامعيين. توجهت مباشرة إلى الرياض وتقدمت للحصول على هذه الوظيفة، ليس من باب حب الإعلام أو الرغبة فيه، بل من باب الحصول على أية وظيفة بعد عامين من البطالة، كان المتقدمون كثراً، قُبِل منا أربعة أشخاص كنت أحدهم، والتحقنا بدورة تدريبية لمدة عام دراسي. اكتشفت أن مذيعاً يسكن بداخلي بحسب المشرفين على تدريبنا، صوت جيد، قراءة سليمة.. إلخ. وبعد التخرج من الدورة، عُيِّنت في تلفزيون الدمام، وعملت فيه ثلاثة أعوام. ولأني وجدت نفسي في معمعة الإعلام، تحفّزت للصفوف المتقدمة، ما اضطرني للانتقال إلى إذاعة وتلفزيون الرياض بصفتها المركز. هناك، عملت بشكل مكثف وكبير. حققت قفزات جيدة في تلفزيون وإذاعة الرياض لمدة سنة ونصف السنة أو سنتين. وكنا على وشك إطلاق قناة «الإخبارية»، إلا أنه حدثت أمور كثيرة جداً ربما ليس هنا مجال لذكرها وبعضها ذكر سابقاً. وجاء قرار الرحيل إلى «الجزيرة» في 2004، إذ قررت أن أطرق أبواب المؤسسة الأكبر والأضخم والأهم في العالم العربي. وقد كتب لي التوفيق. واكتشفت بعد 7 أو 8 أعوام بعد انضمامي لها أنها فعلاً الحلم الذي ينتظره العربي منذ زمن. كيف تقوّم هذا الانتقال؟ - أنا رجل أتمتع بدرجة عالية من الحرية الداخلية، حتى عندما كنت في التلفزيون السعودي. وبالتالي هامش الحرية في «الجزيرة» لم يكن غريباً عليّ. وفي البيئة الكويتية كان الإعلام جيداً والصحافة جيدة إلى حد ما. والانتقال إلى أكثر من بلد يرفع من سقف توقعاتك وسقف نظرتك إلى الأشياء، وبالتالي لم يكن صادماً لي. أما إذا أردت أن أقيس الاختلاف مقارنة بالتلفزيون الحكومي، فمن المؤكد أنه هناك فارقاً كبيراً جداً، ولكن بالنسبة إليّ أنه هو الخط الذي يجب أن تكون عليه الأمور، وهذا ما لم يفاجئني، ولم يشكل صدمة بالنسبة إليّ. كنت معتاداً في داخلي على الأقل كصحافي، هذا هو الجو الصحيح، يجب أن تكون المؤسسة الإعلامية مؤسسة نقدية وقادرة على التعاطي مع كل الأخبار المهنية والموضوعية، تغيّرت عليّ أدوات العمل صراحة. الآلية المستخدمة في مهنة الصحافة في قناة «الجزيرة» تختلف تماماً عما هو مستخدم في المحطات أو المؤسسات الحكومية. آليات العمل، تنظيم العمل، التخطيط للعمل، الرؤية، والإدراك، وتحديداً إدراك ما يدور حولك، كل هذا مختلف بشكل كبير جداً. لا نستطيع أن نعقد مقارنة بين المؤسسات الحكومية، والمؤسسات الإعلامية المتخصصة. كنت أقول دائماً وما زلت أردد دائماً أن الأجهزة الإعلامية الحكومية هي أجهزة خدمية، تقدّم خدمة مباشرة إلى المستفيدين، وهم في هذه الحالة الزبائن – المشاهدون – والملاك، والملاك عادة هم الدول الحكومات، وتقدمها بأسوأ طريقة، كما هي حال الأجهزة الأخرى. إنه ليس جهاز محترفين، وهذا هو المأزق والأزمة الكبيرة التي تواجه وسائل الإعلام. خصوصاً في ظل عدم إدراك الحكومات لهذا الأمر. ولو أدركت ورغبت في التطوير لأتاحت وأسهمت في نقلة كبيرة للمؤسسات الإعلامية الحكومية، ولما احتجنا ل «الجزيرة» أو غيرها في العالم العربي. لكن الحكومات فشلت في هذا الأمر وقمعت الإعلام، وحدث هذا الخلل الكبير واتجهنا إلى الصحافة المحترفة مثل «الجزيرة» وغيرها التي آمنت بالحرفية والمهنية وطبّقت كل المعايير والضوابط العامة ما تستطيع. لذا فقد حدثت هذه الهوة والفجوة الكبيرة بين الإعلامَين. الجزيرة ليست قطرية هل ترى «الجزيرة»، باعتبارها قناة تمثل دولة قطر، مؤدلجة مثلاً وتحمل أجندات سياسية خاصة؟ - أول شيء هي لا تمثل دولة قطر، بحسب فهمي أن «الجزيرة» مؤسسة عامة لا تمثل دولة قطر، هي موجودة في قطر وتموّل من الدولة القطرية لكنها لا تمثلها. «الجزيرة» لا تقول إنني أعبّر عن السياسة القطرية، ولا السياسة القطرية تقول ذلك.. هناك مسافة جيدة وكافية بين «الجزيرة» والسياسات الحكومية لقطر وللدول عموماً. الصحافي يحاول أن يبتعد قدر الإمكان عن السياسي، وأن يعمل بأكبر قدر من الاستقلال والحرية، لكن العلاقة بين الإعلام والسياسة قائمة وتحدث تأثيرات بين الطرفين. وبالتأكيد يؤثر السياسي في الصحافي، والأمر الجيد أن يؤثر الصحافي في السياسي أيضاً. وكيف يكون التأثير؟ - التأثير حين تراعي الاعتبارات الأشد حساسية لدى السياسي، وحين تكون هناك محظورات كبرى عند هذا السياسي، يؤدي هذا إلى نوع من الارتباك في كيفية التعاطي مع هذه الأمور الحساسة. كيف يستطيع الصحافي ملامسة هذه المواضيع، من ناحية عدم تجاهلها، ومن ناحية تناولها بشكل لا يؤدي إلى طلاق بائن بينه وبين السياسي. الجيد في حالة «الجزيرة» أن من اتخذ قرار إنشائها أدرك منذ اللحظة الأولى أهمية وجود مسافة فاصلة بين «الجزيرة» والسياسات القائمة، وذلك لأنه يريدها أن تنجح. فأوجد هذه المسافة، وتحمّل الكثير من الأعباء نتيجة هذا الأمر. وهذا ما أدى لنجاح «الجزيرة». لو كانت «الجزيرة» تتبع بشكل مباشر سياسة ما، لما استطاعت أن تنجح في العالم العربي، ولو كان السياسي يملك تأثيراً كبيراً على «الجزيرة»، لما حدث هذا الأمر. أن يكون للسياسي تأثير من حيث المبدأ أنا موافق وأعتقد أن له تأثيراً لكنه محدود جداً. لكن ألا يتأثر العمل الإعلامي بالتمويل والمرجعية؟ - ما نسعى له كإعلاميين ليس التغريد في فضاءات مفتوحة من دون حسيب أو رقيب، نحن واقعيون. العمل الإعلامي يتأثر بمظلة التمويل والسياسات المحيطة به، لكن السؤال المطروح: أي السياسات التي نقبل العمل بالتوافق معها؟ السياسات التي تمثلنا وتمثل قناعاتنا أم العكس؟ وهل هي سياسات تقبل بحرية الرأي وتؤمن بأهمية الإعلام وقيمته؟ هل تقبل بتأثيره الكبير وتستطيع أن تتحمل تبعاته؟ هذا هو المطلوب من قبلنا. وحين يحدث هذا الاتفاق بينك وبين السياسي بشكل عام تتحقق المصلحة المشتركة ويتحقق الأثر المطلوب، وهذا ما حدث مع «الجزيرة». أما موضوع الأجندة ووجودها، أقول نعم، لا توجد مؤسسة إعلامية تعمل من دون أهداف ومن دون رؤى. كلمة أجندة كلمة مثيرة ومخيفة، وتشير إلى شيء مريب في أذهان الناس، وقد قلتها في لقاء تلفزيوني وشعرت بالمفاجأة لدى من تلقّاها. الأجندة لا تعني وجود أناس يعملون تحت الأرض وفق مخططات مخفية، الأجندة تعني أولوياتك كمؤسسة وكصحافي في ظل ما هو محيط بك، ماذا يحتل الأولوية القصوى وأين وكيف تعمل، فقط ومن دون مبالغات تتردد هنا وهناك، المؤسسات ليست مسخاً، لا رأي لها أو هوية أو انتماء، ولا تعمل من دون طرح ومن دون تصوّر ومن دون افتراضات مسبقة. وميثاق الشرف الصحافي واضح ومحدد... تؤمن المؤسسة بالإنسان بشكل كبير جداً، وتؤمن بالحركات الجماهيرية بشكل عام، ولهذا تتهم بالشعبوية والتعبوية. ورأينا اليوم كيف أن الشعبوية هي من يقود العالم العربي. وهي من يحدث التغيير نحو الديموقراطية، «الجزيرة» تؤمن بحرية الشعوب ومطالبها العادلة، وقضاياها الأساسية. تؤمن بالأمة، والأمة العربية بشكل عام. وأن لها حق أن تعيش كما تختار وتحدد لا كما يُراد لها. تؤمن بأن دور الصحافي في كشف الحقائق التي تكشف الظلم. تؤمن بعدم التفرقة بين الجماعات المذهبية والدينية والطائفية بشكل عام. تؤمن بالمساواة بين الناس وعدم إثارة الفتن والنعرات والخلافات. تؤمن بكل هذه الأشياء، وهي منطلقات تعمل وفقها «الجزيرة». السلطات والقنوات لكن هل تعتقد أنه من الممكن أن تنتقد «الجزيرة» السلطة القطرية؟ - أولاً دعينا نتصور التالي، هل مهمتك الرئيسية والأولى أن تنتقد الدولة التي تنطلق منها؟ بعض الناس يطالب بهذا كإثبات للصدقية وهذا من حقه، وبعضهم يردده كمترصد، فهو منزعج من فكرة النقد أساساً ويعمل بشكل ممنهج ضدها، وأعتقد أن كلا القناتين تتناول المواضيع «المسكوت» عنها غالباً. في «الجزيرة» على سبيل المثال طرحت كل القضايا المثارة حول السياسة القطرية، مسؤولون قطريون بدرجة رئيس الوزراء شاركوا في برامج حوارية مباشرة تتحدث لماذا العلاقة مع إسرائيل؟ لماذا القاعدة الأميركية؟ إضافة إلى موضوع الإصلاح السياسي وغيره من المواضيع. وهل كان هناك تخطيط مسبق لهذا التناول؟ - دعيني أوضح أمراً، أنا أعمل في «الجزيرة»، ولست مسؤولاً عن وضع السياسات فيها، لديّ برنامجي «في العمق» وأنا مسؤول عما يتضمنه البرنامج فقط، ولا أحد يقول لي ما يجب أن تفعل وما لا يجب أن تفعل، أعمل بحسب فهمي الصحافي وإدراكي وما يتطلبه العمل الصحافي. أحاسب إذا أخطأت. الإدارة تتابع التزامنا بالقواعد المهنية اللازمة للعمل، وهي تلفت انتباهنا في حال الخطأ. أنا أؤكد من عملي الخاص أنه لا توجد ضغوط يتعرّض لها الصحافي في «الجزيرة» بشكل عام. حسناً، الأحداث التي بدأ بها عام 2011 وهو عام مثير جداً، تونس بعدها أحداث مصر وحالياً حركات متشعبة منها ليبيا واليمن والبحرين، هل غطت «الجزيرة» بتساوٍ وتناولت كل الجوانب؟ - لا توجد تغطية متساوية في حالات غير متساوية، تختلف كل واحدة عن الأخرى شكلاً ومضموناً. مصر تختلف عن البحرين، وما جرى في مصر جرى فقط في مصر ولم يتكرر كثيراً سوى في الحالة اليمنية أخيراً، مصر قلب الأمة العربية وشيء مهم للعالم كله، وما جرى عبّر عن مشروع وطني جامع وعام بين الناس تجاه السلطة. ماذا حدث بعد مصر؟ انطلقت احتجاجات عامة وعارمة بين الناس في ثلاثة بلدان عربية بشكل متزامن في البحرين في ليبيا في اليمن، فأين تتجه؟ هل تتجه إلى البحرين أو ليبيا أو اليمن؟ بالتالي «الجزيرة» تغطي الجميع بنسب متقاربة وتتابع الأحداث. وهناك معايير مهنية وإخبارية تحدد مستوى المتابعة لكل حدث، والكل كان عاتباً، لا تستطيع «الجزيرة» أن تغطي ثلاثة بلدان في الوقت نفسه وبالزخم نفسه، ولا تستطيع أن تغطي في مكان واحد وتهمل الآخرين، لذلك فتحت تغطية في البلدان كلها، إضافة إلى أحداث أخرى تجري في العالم بالغة الأهمية، ذلك إضافة إلى حدث مصر وتونس بعد الثورة، إذ استمرت المتابعة لخطورة وأهمية ما يجري في البلدين. قلت في بداية الحوار إن «الجزيرة» قناة تدعم الشعب بشكل عام، لو أن الشعب تغيّر رأيه، أي لو حدث أي توجّه مختلف مثلاً عن الثورة على الحكومات، هل ل «الجزيرة» رؤية خاصة أم هي تابعة لحركات الشعوب أو بعضها؟ - بالتأكيد أول ما يمثل رأي الشعوب بشكل عام هو ما ستتبعه «الجزيرة»، لأن «الجزيرة» تتبع الخبر وتتبع الحدث. وما يمثل معظم رأي الشعب ومعظم الناس في مجتمع ما. «الجزيرة» لا تبحث عن أمور تلائمها، هي تبحث عن الحدث والخبر ما يحدث ويؤثر في مجموعة كبيرة من البشر. بالنسبة إلى التغطيات التي حدثت للثورات كانت هناك تغطيات واستضافات بشكل غير حيادي، هل تعتقد أن الإعلام يجب أن يكون حيادياً؟ - لا، الإعلام ليس حيادياً. ومن ينادي بالحيادية فهو ينادي بشيء لا يمكن تطبيقه، لا يوجد إعلام عالمي حيادي. كل إعلام ينطلق من موقع، من رؤية، من انتماء، من هوية. حينما تقول أنا مسلم أنا إعلامي مسلم، أنت اتخذت موقعاً وزاوية لرؤية الأمور، ولو حاولت العكس. المهم أن تكون موضوعياً، ألا تكذب، لا تزوّر، لا تغيّر في الأحداث. تضع الأحداث في سياقها الصحيح. تضع كل شيء في مكانه الصحيح، وتعطي فرصة للجميع كي يعبّر عن رأيه، وهذا رأي الجميع، فهي تنطلق من موقف ما. وهذا الموقف تراه كمؤسسة إعلامية صحيحاً، ولكن يعطى الرأي الآخر. في مصر، أقفل مكتب «الجزيرة» ثلاثة أيام، وتم التشويش عليها، وامتنع المسؤولون عن الظهور فيها. ومع ذلك كنا ننقل في «الجزيرة» رأي السلطة بشكل دائم، وكلما صرّح أحدهم أصبح عنواناً في كل النشرات، أن يظهر معلّقون معك هذا ما تتمناه، إن لم يظهروا لن تتوقف في تغطيتك. إذاً ليس مطلوباً من الإعلام أن يكون حيادياً، المطلوب أن يكون موضوعياً ومهنياً، غير مزيّف للحقائق، صادقاً مستقلاً، يفرّق بين الخبر والتحليل، يضع الأمور في سياقاتها. لا يقول فضيلة ضربت علياً، بل يقول لأن علياً أخطأ في حق فضيلة أو أساء لها قامت هي بالرد عليه، هناك فرق كبير بين هاتين الحالتين، حينما نقول ضربت من دون مقدمات ونشير بأصابع الاتهام إليك، أو نقول إن فلاناً أساء أو اعتدى، فقامت برد فعل عليه، هنا يظهر كرد فعل منطقي ومقبول عند الجمهور. وكيف كان مطبخ «الجزيرة»؟ - كان يغلي، كانت غرفة الأخبار مطبخاً حقيقياً، وهناك حالة من العاطفة الجارفة، كانت هناك حالة من الخوف والقلق، كنا نتابع مثل ما يتابع الناس في منازلهم ومكاتبهم، ونظل موجودين في «الجزيرة» حتى خارج أوقات الدوام، انتهى شيء اسمه دوام. انتهى شيء اسمه مسؤول وموظف، انتهت كل الأشكال النمطية التقليدية. أصبحت غرفة مختلفة تماماً، الكل يحاول أن يعمل. الكل يحاول أن يؤدي دوره. وقد كنت أظهر في قناتين: قناة «الجزيرة» وقناة «الجزيرة المباشرة»، انتهت كل الأشياء الرسمية. أعتقد أننا كنا نغلي أكثر من أي مكان آخر، بحكم أننا كنا ننقل الأخبار، كنا نذهب إلى «الجزيرة» في الرابعة فجراً، حينما تشتد الأحداث نذهب في فترة مبكرة من الصباح أو فترة متأخرة من المساء، لشعورنا بأننا نريد أن نكون قريبين من الحدث، نريد أن نكون قريبين من ميدان التحرير، حدث أن تصوّر الناس أن ميدان التحرير وغرفة «الجزيرة» كانا توأمين في تلك الفترة، وأنا أعتقد أن ذلك تشبيه بليغ! مذيع الثورة أطلق عليك الناس «مذيع الثورة»، هل كان هناك تخطيط مسبق أن علي الظفيري سيقوم بتقديم أخبار الثورة المصرية؟ - لا أعتقد، ولكن ربما كان ذلك بسبب غيابي عن الأخبار في الفترة السابقة، وتفرغي لتقديم برنامجي «في العمق»، فشكّلت العودة أمراً لافتاً لدى بعضهم ربما، وبالتالي بدت العودة للأخبار كأنها نوع من حالات الطوارئ التي استلزمت وجودي، أنا لا أحب الألقاب ولا التصنيفات بشكل عام، مثل قوائم الأكثر شهرة أو انتشاراً أو تأثيراً. بشكل عام أنا مذيع وصحافي فقط، وإن كانت هذه التسمية تعبّر عن موقف إيجابي مني فهذا أمر أرحّب به وأسعد به. لكن ربما يقول الناس عنك كذا لأنك الأكثر تأثراً وقد يكون هذا غير مهني أو جيد في بعض الأحيان، لكن في هذه الحالة - أقصد الثورات - أراه مهنياً تماماً، كانت معركة الأمة، معركة ضد الظلم، ومعركة المظلومين والراغبين في الديموقراطية والحرية. وبالتالي كل شيء فيها كان استثناء، بشكل عام زملائي وأنا كنا مذيعي ثورات العرب في كل مكان، وكنا داعمين لها وكنا متأثرين بها. وهذا شرف لا أزعمه ولا أدعيه لنفسي. بصفتك أيقونة مثيرة في شبكات التواصل، مثل «فيسبوك» و «تويتر»، وآراؤك محط جدل، كيف تقوّم دور هذه الشبكات حالياً؟ - الشبكات الاجتماعية سلاح نووي. هي تضغط على النخبة، على صناع القرار، وليس كل الناس يتابعون الشبكات الاجتماعية أو ينشطون فيها، كونها تحوي النخبة المتعلمة من الطبقة الوسطى والشباب تحديداً. بالتالي تشكّل مطبخاً لصناعة رأي عام عربي ومحلي أيضاً قوياً جداً، أعتقد أنها سلاح نووي قادم أيضاً تم تطويره وتفعيله بشكل جيد، وأظهرت نجاعتها في ثورة مصر، وثورات تونس وليبيا واليمن والبحرين وسورية. وفي الثورات القادمة على الطريق، اعتقد أنها واحدة من وسائل الإعلام الحديثة والمهمة. هي وحدها بمعزل عن الآخر لن تؤثر بشكل كبير، فأن تكون في «فيسبوك» لا يؤدي ذلك لتغيير أي شيء في العالم من دون أمور أخرى تفعّل من دورها. إنها جزء من مجموعة أمور تدفع بالتغيير في العالم العربي اليوم. كنت أنشط فيها بشكل كبير جداً، وأعتقد أن هذا الأمر قد قربنا من الناس، وأصبحنا نفهم ماذا يريد الناس، كيف يعلّق الناس، ما هي أخطاؤنا من وجهة نظر الناس، وما هي الأمور الصائبة التي نقوم بها. كيف تقوّم حرية الإعلام أو فلنقل حرية التعبير بشكل عام في العالم العربي؟ - أنا أظن أنها ما زالت متراجعة. ولكن بعد ثورتي تونس ومصر ونجاحهما في إسقاط أعتى أنظمة القمع والمنع، انكسر حاجز الرعب والخوف. وبالتالي ستحدث قفزات كبيرة جداً في حرية التعبير. «الجزيرة» - وليس لأني أعمل فيها - قامت بعمل رائع وعظيم لهذه الأمة، وأسهمت بشكل كبير في تهيئة الناس لبلوغ هذه الحالة التي نشهدها الآن، من رفع مستوى الحرية بشكل عام، وتوسيع هوامش العمل الإعلامي، وتثقيف الناس في كيفية التعاطي مع حقوقهم ومع آرائهم ومطالبهم. ماذا عن حرية التعبير في الخليج تحديداً؟ - أظنها أدنى من غيرها. أعتقد على المستويات المحلية، حرية التعبير في الخليج أدنى من غيرها. أدنى من كل العالم العربي، باستثناء الكويت إلى حدٍّ ما بسبب تجربتها الصحافية الجيدة. أتمنى أن يرتفع سقف الحرية في دول الخليج، وأن تقوم الصحافة بدورها، وهذا واجبك وواجبي، وواجب كل الصحافيين أن نعمل تجاه رفع سقف الحريات وإتاحة الهوامش بشكل أكبر. كيف تستشرف المستقبل العربي إعلامياً؟ - إعلامياً نحن مقبلون على ازدهار، مصر ستزدهر، تونس ازدهرت وستزدهر أكثر. ليبيا التي كانت مغيّبة عن الإعلام تماماً ستشهد ازدهاراً إعلامياً فيها، سيتأثر الجميع بهذا الإعلام الحكومي والإعلام المتخصص والمحترف. هل لديك رؤية إعلامية تخفيها داخلك أو تتمنى أن تظهر يوماً ما؟ - لديّ الرغبة في إنجاز أعمال معينة تخصني على الصعيد المهني. أتمنى أن أنشط في الإنتاج الوثائقي الفكري والسياسي. وأخيراً، اكتسبنا أشياء كثيرة في هذه التجربة، وأتمنى أن تتاح الفرصة لاختبار وتفعيل هذه الخبرات بشكل عملي في عالم الإعلام. على رغم غيابك عن الوطن المملكة، بحكم عملك والمعيشة، كيف تشاهده من بُعد؟ - رغم كل ما يتعرض له الوطن العربي الكبير من تقلبات عاصفة، لا يزال المجتمع السعودي يحظي بتكوين خاص، لا يختلف كثيراً عن الآخرين. لكنه يحظى ببعض الامتيازات الاستثنائية. منها مثلاً، أنه وطن الشباب الطامح بامتياز، وأن العلاقات البينية ما زالت دافئة وتتمتع ببعض الحميمية الخاصة. ما نتمناه ونعمل له أن يتطور هذا الدفء ويعم الجميع، وألا تتوقف عجلة التنظيم والتطوير والتحديث والمؤسسات. أن نسعى لإزالة كل نقطة سوداء في صورته الجميلة. هذا وطن يستحق الأفضل والأجمل دائماً. المرأة الإعلامية، كيف تراها على الساحة؟ النساء يحظين اليوم بحضور كبير وطاغٍ في المشهد الإعلامي على صعيد التلفزيون والصحافة والإذاعة. وقد كان لكثير من الإعلاميات السعوديات إسهامات جيدة في العمل الإعلامي. والصحافة بشكل عام لا تفرق بين الرجل والمرأة، تفرق بين الصحافي الموهوب وغير الموهوب. وهذا يجد فرصته سواء كان رجلاً أو امرأة المهم في عمل الصحافية الإعلامية أن يكون يشبهها ولا يشبه أحداً غيرها، وألا تكون نسخة مقلدة وغير نافعة لنماذج أخرى. المهم أن تكون صحافية من أجل العمل الصحافي ولا شيء آخر، وهذا ينطبق على الرجل أيضاً. السيرة الذاتية إعلامي سعودي. متزوج وأب لثلاثة أطفال. المؤهلات العلمية - حاصل على بكالوريوس علم النفس من جامعة الكويت 1997. - حاصل على دبلوم في الإعلام من جامعة الملك سعود في الرياض. الخبرات العملية - عمل مذيعاً للأخبار ومقدماً للبرامج في إذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية من العام 1999 وحتى مطلع 2004. - كتب لصحيفة «الوطن» مقالات متنوعة في تلك الفترة. - في عام 2004 انتقل للعمل مقدماً للأخبار والبرامج في قناة الجزيرة الإخبارية. - شارك في تقديم باقة متنوعة من البرامج الإخبارية واللقاءات السياسية الخاصة. - شارك ميدانياً في تغطية حرب لبنان عام 2006 شارك في تغطيات إخبارية كبرى - حرب غزة - غزو العراق - الانتخابات الأميركية - الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن. - ساهم كمراسل ميداني في تغطيات إخبارية من الكويت والبحرين وعمان ومصر والسعودية. - أجرى مقابلات خاصة مع الزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والرئيس الجورجي ميخائيل سكاشفيلي. - يكتب منذ أعوام مقالاً أسبوعياً في صحيفة «العرب» القطرية يختص بالجوانب السياسية في المنطقة العربية. - يعمل إضافة إلى عمله مدرباً للتقديم الحواري والإخباري في مركز الجزيرة للتدريب والتطوير الإعلامي.