عندما يقسو عليك الزمان، وتبقى مع نفسك تقلب عقب الذكريات، وتجد نفسك مرهونة لشخصية عظيمة أثرت في حياتك، وتجده رمزاً كبيراً في الشجاعة والكرم والوفاء. وتجد نفسك ملزماً بالإشادة بهذه الشخصية والواجب عليك شرعاً الوفاء لها وذكر محاسنها وبرّها. وأنها نعمة من الله وفضل يجب التحدث بها، لقوله تعالى (وأما بنعمة ربك فحدث) ليعرف المحبون لهذه الشخصية سر تميزها وبعض خفايا حياتها فيدعون له ويترحمون عليه ويستفيدون من تجاربه (رحمه الله) ويشكرون الله على هذه النعم.. التي نحن فيها.. فرحمك الله يا أبي علمتني التواضع ومحبة الناس والوفاء لولاة الأمر.. والعطف على الفقراء والضعفاء والمساكين وصلة الأرحام.. والكرم.. والشهامة.. فكنت لنا قدوة في ذلك كله. رحمك الله يا أبي عشت ولله الحمد عيشة الأغنياء والأتقياء والسعداء وكافحت في هذه الدنيا كفاح الشرفاء.. حج والدي في شبابه بأمه وأبيه فدعوا له فأغناه الله والتحق في صغره بالوظيفة وعمره ستة عشر عاماً في مبرقة مرات.. ووظف معه أخاه حمد (رحمه الله) ويشاء الله أن يطأ أخوه الصغير على يد كلب صيد لمدير المبرقة فيضربه المدير. فينتصر والدي لأخيه.. ويرد الصفعة لمدير المبرقة ويترك الوظيفة من لحظتها.. بعدها نصب خيمة صغيرة في السوق ليعرض فيها حطباً للبيع. كبر الوالد رحمه الله واشتغل ببيع قطع غيار السيارات.. وهي تجاره رابحة.. فرزقه الله المال.. ومعرفة الرجال والأولاد الصالحين.. فأشتهر في البادية والحاضرة.. وعرف بالكرم (رحمه الله) ثم صار رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمرات.. وإماماً لمسجد أم علي الخبيزي.. إلى أن تقاعد (رحمه الله رحمةٌ واسعة) وتوفى عن عمر يناهز التسعين عاماً.. وكان كريماً شهماً، بابه مفتوحاً للضيوف، وذو وجاهة في مجتمعه باراً بوالديه له علاقات طيبة مع المشائخ والوجهاء والأمراء.. رحمه الله وأسكنه في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين.. وقد قلت فيه هذه الأبيات (رحمه الله): الوالد الغالي خذته المقادير يا جعل سكناه الجنان العليات أبو محمد من رجال مناعير أهل الكرم وأهل الوفا والمروّات لا جو ضيوفه ماحسب للمخاسير وراحوا منه يدعون رب السماوات يفرح إلى جوه الرجال المسايير ويفتح لهم بابه ولا فيه منّات أمضى حياته كلها خير في خير وفي طاعة الرحمن عز وسعادات أبوي راعي الفضل والجود والخير ياالله عسى قبره رياض وجنّات أسأل الله له الفردوس الأعلى وسائر المسلمين.. آمين. محمد بن عبدالرحمن بن علي الدعيج