لا يخلو بلد من بلاد المسلمين من الأوقاف الخيرية؛ والوقف من السنن المستحبة والصدقات الجارية التي يحرص عليها المسلمون ابتغاء الأجر والمثوبة من الله عز وجل. وبين يدي كتاب وثائقي هام سعى مؤلفه إلى جمع وتوثيق ودراسة كل ما يتعلق بدواوين أوقاف بلدان الوشم عموماً وهذه الدواوين كما أكد المؤلف تعتبر بدون شك إرثاً عظيماً وتراثاً مهماً يتجسد فيها شيء من صور التكافل الاجتماعي بين الناس في ذلك الزمن وتسابقهم إلى فعل الخيرات والتقرب إلى الله بالأوقاف والأسبال. اسم الكتاب: (دواوين الأوقاف القديمة في إقليم الوشم: ديوان شقراء أنموذجاً)، تأليف: يوسف بن عبدالعزيز المهنا؛ والمراد بالدواوين هنا السجلات والدفاتر والوثائق التي ضبطت فيها هذه الأوقاف الخيرية بيد القضاة والنظار حفاظاً عليها وإثباتاً لمصارفها وضماناً لاستمرارها والتي تمتد إلى مئات السنين ولا تزال شاهداً على التاريخ الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي في بلادنا إلى اليوم. ويسمى ديوان الأوقاف القديم في شقراء (ديوان الصوام) و(دفتر الصوام) تغليباً وهو الأشهر وإلا فمصارف الأوقاف إضافة إلى الصوام كثيرة ومتنوعة فهي تصرف على المساجد وعمارتها، والأئمة والمؤذنين، ومعلمي القرآن ومعلماته، والمدارس والكتاتيب، والدلاء والآبار، والسرج والمصابيح، والمياه والسقيا، والمقابر والأكفان، والفقراء والمساكين وغير ذلك. ومن المؤسف أن جميع الأوقاف المثبتة في الديوان تعطلت اليوم ولم يعد يؤبه بها أو يلتفت إليها لأسباب كثيرة إلا أن أغلبها كما ذكر مؤلف الكتاب لا تزال معالمها قائمة وإن اختلطت بغيرها وتغيرت أو اختلفت بسبب استغناء الناس عنها وعدم الحاجة إليها وكثرة ملاكها وتشعبهم. وهذا الأمر مما يزيد أهمية هذا الكتاب الذي تضمن صورة ملونة كاملة لأصل الديوان. وسنعرض هنا نماذج من نصوص الأوقاف التي تتعلق بالصوام تدليلاً على حبهم للخير واستشعارهم فضل الزمان وحاجة الناس وعظم الأجر بمناسبة هذا الشهر الكريم: "أوصت لطيفة بنت محمد القويز بثلاث وزان تمر في نصيبها من العليا وزنتين للصوام ووزنة للسراج" "تصبر عبدالرحمن بن منيع الأرض التي تلي بيته من الجداول في الوارش وهي للصوام بربعين كل سنة، قلم بن فوزان" "أستأجر عثمان بن محمد بن ناصر من عبدالله بن عبدالرحمن بن عثمان وهو وكيل الصوام ثلث الكليبي المعروف في خبزة للصوام بثمانية أصواع حب عذي.." "المزارع للصوام الجداول في خبزة والشمالي في خبزة والسحية وفي الشمالي عشرين صاعاً بالصاع الأول للغيهب، قلم بن فوزان" "أوصى عبدالله بن إبراهيم بن زيد رحمه الله بخمس وزان تمر للصوام كل سنة" "هذه أوقاف محمد بن عبدالرحمن بن عيسى كريشان التي وقفها منجزة في أعمال البر يخرجها في حياته ومقدمها في ثلثه على غيرها بعد مماته ما يعارضها تنقيص ولا غيره أول ذلك وقف ريال في كل سنة إذا دخل شهر عاشوراء للبن المقبرة ووقف خمسة عشر وزنة في كل سنة وقت جذاذ النخل للصوام في شقراء ووقف لمسجد الجامع في كل سنة في رمضان ريال لإمامه وريال لمؤذنه وريال لسراجه ووقف على المسقات الشمالية والجنوبية ريال في سنة في رمضان ووقف على مسجد الحسيني نصف ريال لإمامه في رمضان في كل سنة ونصف ريال لمؤذنه في رمضان في كل سنة ونصف ريال لسراجه في كل سنة في رمضان ووقف على مسقات الحسيني نصف ريال في كل سنة في رمضان ووقف على المسجد الجنوبي في شقراء في كل سنة في رمضان نصف ريال لإمامه ونصف ريال لمؤذنه ونصف ريال لمسقاته..." ويشير المؤلف إلى أن هذه الأوقاف مع ضآلة حجمها وقلة غلتها فإن فيها خيراً كثيراً وبركة ظاهرة نفع الله بها فكم أشبعت من جائع وفطّرت من صائم وأروت عطش ظامئ على مدى مئات السنين.