يثير واقع الإعلام الثقافي المحلي في وسائل الإعلام المحلية صحافة وإذاعة وتلفزيونا، الكثير من التساؤلات حول واقع حضور هذا الإعلام، ومدى قدرته على صناعة المحتوى الثقافي الإعلامي، ومدى قدرته على تقديم محتوى إعلامي يعكس ما يقف خلفه من خطط واستراتيجيات إعلامية يتضح من خلال صفحاته وأثيره وبرامجه اهداف واضحة يعكسها الإقبال الجماهيري الذي يعد مرآة تجسد صورة حضور الإعلام الثقافي بوصفه إعلاما متخصصا. يقول الناقد الدكتور سحمي الهاجري، عندما أصف واقع إعلامنا الثقافي المحلي المقروء منه والمسموع والمرئي، فإنني امام مدخلين رئيسيين عن واقع الإعلام الثقافي الأول، يتمثل فيما يقدمه الإعلام الثقافي من متابعات للمناشط الثقافية محليا على مستوى الفنون الصحفية المختلفة خبرا وحوار وتحقيقا وتغطية، إذ نجد أن الإعلام الثقافي يقوم بدور جيد يعكس مستوى ما يتم من فعاليات بشكل تتكامل فيه الوسائل الإعلامية المحلية. أما الأمر الآخر فأشار د. الهاجري، بأنه يتمثل في دور الإعلام الثقافي تجاه صناعة الأفكار الإعلامية والقيام بدور الفعل الثقافي من خلال مضامينه الثقافية، والحضور الثقافي المواكب للأحداث العربية او العالمية، مسايرة ما يستجد من نظريات حديثة وتحولات ثقافية مختلفة ضمن السياقات الثقافية عالميا، حيث أكد الهاجري أن الإعلام الثقافي يعاني من قصور وصفه بالشديد تجاه هذه الأدوار. أما عن إشكالية حجر الزاوية المتمثل في الإعلامي المثقف أو المثقف الإعلامي، أو إعلامي لا يملك قدرا كافيا من الثقافة فقال د. الهاجري، هذه إشكالية نجدها في كل وسيلة وزمان ومكان، إلا أن المعول عليه في مدى تأثيرها مدى نسبة وجود هذه الإشكالية التي مردها مثقف ليس إعلاميا، أو إعلاميا تنقصه الثقافة، فمتى ما كانت هذه الظاهرة طاغية فهي مشكلة كبرى للإعلام الثقافي، لكون النسب القليلة مقبولة وغير مؤثرة بشكل عام.. مختتما حديثه بأننا عند نصف وصفا انطباعيا وجود هذه الإشكالية في إعلامنا الثقافي فإننا سنجدها هي السمة الغالبة عليه، بدليل الواقع الذي يجسده لنا الإعلام الثقافي المحلي. أما الإعلامية إيمان الرجب فوصفت الإعلام الثقافي عبر سنوات من العمل الإعلامي في برامج تلفزيونية مختلفة، أن الإعلام الثقافي يشكل مهمة شاقة أمام مختلف خطوط إنتاجه سواء كان صحفيا أو إذاعيا أو تلفزيونيا، لما تعنيه وظيفة التثقيف بوصفها وظيفة رئيسية في وسائل الإعلام الجماهيرية، الأمر الذي يجعل من المحتوى الإعلام الثقافي محل اهتمام ومحطة هامة من المحطات اليومية التي تقدمها وسائل الإعلام المختلفة لجماهيرها بمختلف شرائحهم، بدءاً بثقافة الطفل وانتهاء بثقافة الأسرة بمختلف أفرادها، بوصفها اللبنة الاجتماعية الأولى في جمهور الوسائل الإعلامية. وعن المحرك الرئيس وراء مستوى اللغة التي يجب على المحتوى الإعلامي المكتوب والمسموع والمشاهد الأخذ به قالت إيمان: أيا كانت اختلاف وجهات النظر حول مستوى اللغة التي يجب أن تستخدمها الوسيلة الإعلامية فيما يخص المحتوى الثقافي، إلا أن هناك محددا رئيسا لا أظن هناك اختلاف عليه، وهو تحديد الجمهور المستهدف بالمحتوى الثقافي بدقة، يقوم عليها فيما بعد إعداد الفكرة وصياغتها في وعاء لغوي يراعي المستوى المعرفي والثقافي لتلك الشريحة المقصودة بالمضمون الثقافي الذي تقدمه الوسيلة. كما اعتبرت الرجب، أن هناك برامج تثقيفية تتطلب أن تكون لغتها إعلامية بسيطة يتم من خلالها تبسيط الفكرة إلى هامة الجمهور بوصف الوسيلة الإعلامية جماهيرية في منطلقها، إلا أن هناك برامج تثقيفية تتخذ أبسط أشكال اللغة وأيسر طرق عرض الأفكار وخاصة تلك البرامج التي تستهدف الطفل، أو عامة المشاهدين. أما عن الثقافة بالمفهوم الذي يتناول الجوانب الإبداعية الذي يتعامل مع المنتج الثقافي، تأليفا وإبداعا، ويقدم مضامين ثقافية بمعنى الثقافة المتخصصة في هذه الجوانب، كما هو الحال في الصفحات الثقافية، أو البرامج الثقافية الإذاعية أو التلفزيونية كما هو الحال في القنوات الثقافية فأكدت إيمان، أن عليها أن تكون أكثر عمقا، وأدق لغة تجمع بين اللغة الرصينة الفصحى وبين اللغة الإعلامية التي تجمع بين صناعتي الثقافة والإعلام، وإلا فإن مآل هذا النوع من المضامين الثقافية الفشل، نتيجة لعدم إقناعه الشريحة المستهدفة، التي تمتلك رصيدا ثقافيا يجعل لها خصوصية في صناعة المضامين الإعلامية الثقافية التي تحتاج إلى مضامين إعلامية ثقافية لا يمكن أن يقدمها غير المتخصصين في الإعلام الثقافي، الذين جمعوا بين الثقافة كتخصص وبين الإعلام كممارسة مهنية. من جانب آخر وصف صاحب برنامج "الصالون السردي " الكاتب والإعلامي محمد المزيني أن واقع الممارسة الإعلامية المحلية من خلال المضامين الثقافية التلفزيونية المشاهدة في مجال الإعلام الثقافي تعكس عن خلل كبير في بنية المنتج الإعلامي الثقافي الذي أشار المزيني أن مرده وجود من جاء إلى الوسيلة الإعلامية ليعمل في مجال الثقافي الإعلامي لكونه إعلاميا لا مثقفا، مما جعلهم يقعون في إشكالية المحتوى الثقافي، مما جعلهم بالتالي غير قادرين على تقديم محتوى إعلامي ثقافي مقنع، لكون فاقد الشيء لا يعطيه. وأضاف المزيني قائلا: لابد من أن نسأل أنفسنا، إلى من نتوجه بالمحتوى الثقافي الإعلامي هل نتوجه به إلى المثقفين أم نتوجه به إلى عامة الناس؟ فإذا كنا نتجه بالمحتوى الثقافي إلى المثقف فهناك قنوات عديدة للمثقف بعيدة عن الإعلام الثقافي التلفزيوني خاصة، ومن هن تظهر إشكالية غير محسوبة لدى معدي تلك البرامج ولدى القنوات الثقافية بوجه عام، لننتقل إلى إشكالية أخرى عندما يكون الجمهور المستهدف هو عامة الناس بوصف الوسائل الإعلامية جماهيرية، ومن هنا نجد أن المحتوى الإعلامي الثقافي بوجه عام يغلب عليه عدم التعامل مع عامة المتلقين بمهنية إعلامية تقدم ثقافة مصنوعة بعناية دقيقة لذلك الجمهور العريض، إذ غالبا ما تجد مادة إعلامية ثقافية تقليدية أبعد ما تكون عن حياة الجمهور واهتماماته التي تنعكس في حياته اليومية وحاجاته الثقافية التي يعيشها ويبحث عما يتقاطع معها، ومن ثم فإن المضامين الإعلامية في القنوات الثقافية التلفزيونية العربية بعيدة عن التعرف على حاجات جماهيرها. كما أكد المزيني أن المعادلة في الإعلام الثقافي ليست قضية تحقيق أحد طرفي المعادلة التي تتمثل في نزول الإعلام الثقافي إلى عامة جمهوره أو الارتقاء بعامة الجمهور إلى ما يطمح إليه الإعلام الثقافي من أهداف؟ وخاصة أنه على حد تعبير المزيني ما يزال الإعلام الثقافي المرئي يحبو نتيجة لغياب الخطط والاستراتيجيات التي تمكنه بعد ذلك من الصعود أو النزول، الأمر الذي يدل عليه مستوى المضامين الثقافية التلفزيونية، وخاصة التي تخصصت في الثقافة متسمية بها، مشيرا إلى أن خروج تلك القنوات من مأزق الثقافة أن تضع لها تسميات رقمية تجعلها في حل إعلامي من هذه التسمية المتخصصة. محمد المزيني د. سحمي الهاجري