رؤيتان متباينتان في الإعلام الثقافي، الأولى تسعى إلى الارتقاء بالمتلقي إلى مدارج الثقافة، عطفا على عدم إمكانية تبسيط ما هو نخبوي أصلاً، ولكون الارتقاء بالجمهور ثقافيا وظيفة إعلامية جوهرية.. أما الثانية فترى تعميم الثقافة وتبسيطها ممكنا وهدفا على الإعلام الثقافي تحقيقه لمختلف شرائح المجتمع فأيا كان شكل التبسيط لغة أو إثارة فالغاية تبرر الوسيلة.. لتتحول الرؤيتان إلى طرفي نقيض فيما يرصد في الإعلام الثقافي، صحافة وإذاعة وتلفازا.. الدكتور محمد بن عبدالله العوين، ذكر بأن هناك فرقا كبيرا بين الدرس الأدبي في مقاعد الجامعة المتسم بالرصانة والعمق، وبين البرنامج الإذاعي أو التلفزيوني الذي يقدم لطبقات متعددة من الجماهير.. وكذلك الشأن للكتابة الصحافية الثقافية..مشيرا إلى جملة من أسباب العزوف عن متابعة القضايا الثقافية في وسائل الإعلام المختلفة، كإسنادها لغير المختصين، ولعدم الإلمام بقواعد وأساليب التقديم ، ليتداخل هنا في هذا البعد شيء لا يخفى من تلاقي المصالح والمنافع وتأثير العلاقات الشخصية .. إلى جانب انعدام وسائل التشويق ، وضعف الأبعاد الفنية الإخراجية ، وشح العطاء المادي لمعدي ومقدمي هذه البرامج، وضعف صلتهم وتواصلهم مع الخبرات القديمة ،إلى جانب الضعف الثقافي والأدبي واللغوي المشين. د. عبدالله الرشيد وقال العوين: إن تبسيط المادة العلمية أو الثقافية أو الأدبية أمر لابد منه لتحقيق الغاية من وجودها في المطبوعة أو وسيلة البث ، ولذا فالشرط الفني في من يتصدى لهذه المهمة عال جدا وعسير، والإنفاق على برامج مقنعة أمر لابد من الإيمان به لتحقق رسالتها ، لا أن نعبئ فراغا في الخارطة الإعلامية فحسب، فلكل وسيلة طابع خاص وأجواء محددة، تستلزم توافر شروطها الفنية لتحقق التميز والنجاح ؛ فالمقال في الصحيفة غير الحوار الأدبي في الإذاعة أو التلفزيون ، وإن كان يجمعهما فضاء الأدب الرحيب . من جانب آخر، وصف الدكتور جبريل عريشي، بأن المقصود بتبسيط الثقافة هو تبسيط المحتوى، الذي يتطلب من الإعلامي جهدا مضاعفا من الثقافة والإلمام باللغة وفنونها، ليستطيع بعد ذلك أن يجعل مما يقدم مادة تلامس أكبر شريحة ممكنة من المتلقين لذلك المحتوى الثقافي..مشيرا إلى أن الثقافة ليست حكرا على شريحة النخبويين دون غيرهم. ودلل العريشي على الحضور في مناشط الأندية الأدبية، الذي يعكس مدى الإقبال والتفاعل عندما يقوم نادٍ بتقديم أنشطة متنوعة ودورات تدريبية في فنون مختلفة، مقارنة ببعض الأنشطة التي لا تخاطب إلا نخبويا، ولا يحضرها إلا صاحب اختصاص منهم، مؤكدا على أن تبسيط المحتوى الثقافي، يتطلب مقومات لا بد من توفرها في الإعلامي، الذي يأتي في مقدمتها سلامة اللغة، لكونها وعاء وثقافة وتعليما وتعويدا. د. جبريل عريشي أما الدكتور عبدالله بن سليم الرشيد، فذكر بأن من أهم ما تقدمه وسائل الإعلام هو تثقيف المجتمع والرقي بمستويات المتلقين ثقافيا وفكريا..وعليه يكون تبسيط الثقافة مطلبا إن كان المراد بالتبسيط انتشال الإعلام للجمهور من الأمية والتسطح، للارتقاء به تدريجيا حتى يكون مجتمعا مثقفا. واستدرك الرشيد قائلا: إن كان المقصود بالتبسيط النزول إلى مستوى من الضحالة والتهافت والمزيد من الهشاشة الفكرية والثقافية فهو انتكاسة في العمل الإعلامي، والمتابع لوسائل الإعلام التي تفرد للثقافة برامج يجدها تخلط في مفهوم الثقافة وهي تزيد الجاهل جهلا وترسخ الضحالة الفكرية عند المتلقين، وقد بلغ الأمر ببعض الفضائيات أن تخصص في برامج مسابقات أسئلة أوضح ما يمكن أن توصف به هو أنها نوع من استغفال المتلقين واستدراجهم للمشاركة لا حبا لتثقيفهم بل لما في جيوبهم. وأكد الرشيد على أن على وسائل الإعلام أن تقوم بواجبها في نشر الثقافة الحقيقية التي تعين على تقدم المجتمع ثقافيا وفكريا،لا ثقافة الفن والرقص وهز الوسط وركل الكرة وما شابه ذلك..مختتما حديثه بأنه من المهم أن تعي وسائل الإعلام أن من معوقات تبسيط الثقافة بالمفهوم الضحل، أن تعمد إلى الإثارة وافتعال القضايا خدمة لأشخاص أو تلميعا لأفراد، أو تسويقا لنتاج؛ لأن هذا يشغل الأذهان ولا يفيد العقول ولا يعين على التقدم الثقافي الذي نطمح إليه من قبل الإعلام الثقافي.