يعرف الجميع أنه لا يوجد لغاية الآن دستور في إسرائيل، ومنذ قيامها ولجنة القانون في الكنيست، تصنف بعض قرارات «محكمة العدل العليا» الإسرائيلية، وبعض ما يصدر في الكنيست من قرارات، على أنها «قوانين أساسية»، وتقوم «لجنة الدستور» بالعمل على اختيار بعض هذه القوانين، لدراستها من جميع نواحيها، ولصياغتها كي تفرز منها دستوراً دائماً للدولة. وقد جاءت بعض هذه القوانين لتغطية عورات في السياسة الإسرائيلية، والتي تتعلق بالأساس بغير اليهود من المواطنين، بل إن هذه إحدى العقبات الأساسية في عدم صياغة الدستور بعد مرور أكثر من نصف قرن على قيام هذه الدولة. فالدستور يجب أن يسري على جميع المواطنين في الدولة، بغض النظر عن انتمائهم القومي والإثني والديني. إضافة إلى أن هناك مشاكل تتعلق باليهود أنفسهم، خصوصاً فيما يتعلق ب«من هو اليهودي» الذي خلق جدلاً مكثفاً منذ قيام إسرائيل، ولايزال هذا الجدل ساري المفعول لغاية اليوم. ويصب هذا الصراع مباشرة في مفهوم الدولة العبرية، وهل هي «دولة لليهود» أو دولة لمواطنيها؟ إذا كانت دولة لليهود فهل يجب أن تكون القوانين فيها يهودية؟ وإذا كانت كذلك، فهل بالإمكان اعتبار النظام في تلك الدولة نظاماً ديمقراطياً؟ ألا تدعي أنها «الدولة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط»؟ هذه الأمور كلها أخذت تطفو على السطح بعد أكثر من نصف قرن على قيام الدولة العبرية. فالحلم الصهيوني الكبير لم يتحقق، رغم أن الكثير من بنوده تحققت، وهي بنود أساسية ومهمة، تقف في مقدمتها إحياء لغة كانت ميتة، وإقامة دولة تجمع فيها نصف عدد اليهود في العالم. فقد وجدتُ أثناء زيارتي الأخيرة لفلسطين، أن هناك صراعاً يسير بشكل متوازٍ مع الصراع حول الانسحاب من قطاع غزة، ومحاولة إقامة دولة فلسطينية. وهذا الصراع يمت إلى الصراع حول مفهوم الدولة، والتعامل مع المشاكل الأساسية التي تواجهها، والتي بدون الوصول إلى حل لها، من وجهة النظر الإسرائيلية اليهودية، لن يكتب لها الاستمرار. فكما هو الحال بالنسبة للانسحاب من غزة، فإن قادة الصراع على البناء الايديولوجي للدولة، تقوده عناصر يمنية، لا يمكن الشك في عنصريتها وتعصبها القومي. ولكن يبدو أن الواقع أخذ يفرض نفسه على هؤلاء القادة، حيث يحاولون، كما هو الحال بالنسبة للانسحاب من غزة وإقامة دولة فلسطينية، إيجاد مخرج «سحري» يُبقي العنصر الصهيوني حياً، وفي نفس الوقت يظهر وكأن إسرائيل حلت مشكلة اليهود الموجودين عندها. فهناك رموز للدولة العبرية لا تتناسب مع كل سكانها، بل انها موجهة للشعب اليهودي فقط. وفي مقدمة هذه الرموز، «النشيد الوطني» و«العلم». وقد وقعت أكثر من حادثة أثارت ردود فعل، كان آخرها رفض فتاة فلسطينية من الناصرة اسمها عبير قبطي، والتي ولدت في إسرائيل، الوقف اثناء عزف النشيد الوطني الإسرائيلي، وعندما سُئلت عن السبب قالت إنه لا يعبر عن شعورها، وإنها تشعر أنها تعيش في وطنها ولكن ليس في دولتها. (يتبع)