"عروبة بلا وطن ووطن بلا عروبة" لغة نزل بها أعظم كتاب عرفتة البشرية. لغة تجمع مابين الجمال والفصاحة والبلاغة.. لغة عاشت شامخة عالية فخورة بنفسها وأصالتها.. لغة رقيقة واسعة المعاني والمفردات. قالوا فيها أروع ماقيل حتى انفجرت قريحة شاعر النيل "حافظ ابراهيم" وصدح بلسان العربية قائلاً: "أنا البحر في أحشائه الدر كامن .. فهل سألوا الغواص عن صدفاتي" قالها بعدما غاص فعلاً فيها ورأى العجب العجاب من جمال تلك اللغة وعمق فصاحتها وعبقرية ومفرداتها.. مالمدح فيها يجدي لو أطلنا فكل ماقيل فيها لا يخفى على أمة العرب. ولا يخفى عليهم انزلاقها الى منزلق خطير مخيف يهدد "محبوبتنا" العربية.. الخطر ليس بعدم استخدامنا للغة العربية الفصيحة وإنما في دخول اللغات الأخرى لتفسدنا وتجبرنا على استخدام لغات أجنبية في جميع أمور الحياة وفي الأقطار العربية.. تأثر الوطن العربي بالمستعمر فذاك المغرب العربي يتأثر بالفرنسية والخليج بالإنجليزية.. وشيئاً فشيئاً تناسينا أمنا الحنونة.. عربيتنا وعروبتنا.. ليس عيباً أو محرماً ان نتعلم لغات أخرى فأولئك أقوام احترموا لغتهم فأجبروا الأمم الأخرى أن يتعلموا لغتهم.. أو بالأحرى أجبرونا.. فهذا حق شرعي فطري لهم لأنهم بالعلم والعمل أجبرونا منطقياً على تعلم لغتهم.. ولكن أليس مخجلاً أن تزور دولة عربية يقابلك فيها أجنبي يعيش فيها عقودا لا يتكلم الا الإنجليزية ولا ينبس بكلمة واحدة عربية.. احترام اللغة وإجبار الآخرين على تعلمها يأتي من منطلق راق، في العلم والعمل والأخلاق تُجبر الأمم الأخرى على أن يتعلموا لغتك وفي نفس الوقت تحافظ عليها.. في الدول الأوربية ورغم السيطرة الاقتصادية لبعض الدول على دول أخرى مجاورة لها لم تتأثر لغة تلك الدول الضعيفة وانما استمروا في استخدام لغتهم الأم وإجبار أي مقيم في بلدهم على أن يتعلمها "عنوة" ليس في المدارس وانما في ممارسة الحياة العامة واستخدامها في جميع مرافق الدولة والحياة العامة للمحافظة على وجود اللغة الأم وإرثها التاريخي.. الأمم العظيمة هي التي تقدر لغتها ولا تنجرف إلى استخدام لغات بديلة حتى وإن كانت مضطرة لذلك فإنها تحاول أن توازن بين دخول تلك اللغة وبين لغتها الأصلية لأنها مؤمنة بأن لغتها العظيمة ستعود يوماً الى رونقها المعهود. قامت وزارة التجارة قبل عدة أشهر في أرغام المحلات التجارية على ضرورة وجود الاسم باللغة العربية وهذا مؤشر جيد ومبدأ رائع في إرغام الأجنبي على تعلم اللغة العربية أو على الأقل للمحافظة على الطابع العربي للأجيال القادمة ووضع احترام وقيمة للغة الرسمية للدولة لدى الأجنبي.. من وجة نظري يجب تأصيل حب اللغة من مراحل الطفولة وتحبيب اللغة العربية في نفوس الأطفال من خلال تقديمها بقالب سهل في أفلام الكرتون والبرامج الحيوية والمسسلسلات وحتى في التعليق على مباريات كرة القدم ومراجعة نصوصها من قبل متخصصين في اللغة باعتقادي سيكون ذلك أكثر جدوى من الخوض بعمق في علم النحو للغة العربية الذي استحدثه "سيبويه" وإقحامه في المناهج الدراسية فهو من واقع تجربة شخصية سبب رئيسي في عزوف كثير من الشباب عن اللغة العربية الفصحى.. وكما قال الفاروق ابن الخطاب: (تعلموا العربية فإنها تُثبت العقل وتزيد في المروءة). نحن نؤمن بأن اللغة العربية لغة فريدة ومميزة. واكتمل وتسامى جمالها وإعجازها في "القرآن الكريم" وهذا لا يخفى علينا جميعا ولكن هذا الإيمان يجب أن ينعكس إيجاباً على شخصياتنا في المحافظة على هذه اللغة العريقة وممارستها وعدم التنازل عنها على الأقل في بلادنا حتى لا نضيعها ونضيع ويضيع إرثنا الأصيل الجميل. وأخيراً. من الملاحظات التي تثير استغرابي بأن أغلب الأشعار الجميلة في العقود الأخيرة تأتي من شعراء المهجر العرب أو على أقل تقدير الشعراء العرب المغتربين.. لا أعلم هل هو الحنين أم أن للهجرة والغربة ومعاناتها العجيبة سببا في استجداء جميل قصائدهم.. أم أن تخلي أوطانهم عن لغتهم الأم هو السبب في ذلك..فأصبحت المعادلة التي تصف حالهم.."عروبة بلا وطن ووطناً بلا عروبة"..