إذا جاء ذكر أفضل الأعمال في تاريخ الأدب العالمي فلابد أن تكون رواية «مرتفعات وذرننغ» من بين هذه الأعمال، لما فيها من خصائص فنية تعبيرية سبقت عصرها وأثّرت على ما جاء بعدها من أعمال، واعتبرت بفضل ذلك أول رواية تمزج المذهب الرومانسي بالمذهب الواقعي في سياق حكاية ملحمية محكمة البناء. نُشرت «مرتفعات وذرننغ» لأول مرة عام 1847 م للكاتبة الإنجليزية إيملي برونتي التي لم تقدم سوى هذه الرواية وماتت بالسل بعد سنة واحدة من نشرها. وتروي فيها قصة عاصفة صاخبة بطلها الأسمر اللقيط هيثكليف الذي أحب الحسناء كاثرين ابنة الرجل الذي احتواه في منزله، وأراد الارتباط بها، لكن الفارق الطبقي يحول بينه وبين رغبته، ليسخّر كل حياته لفكرة الانتقام من فتاة أحلامه التي صدّته وابتعدت عنه. تجري أحداث الرواية على عدة مستويات سردية؛ متنقلة بين الخيال والواقع، الأسطورة والحقيقة، والعاطفة المشبوبة، والقسوة والعذاب الروحي، ويكون فيها هيثكليف الأسمر عنصراً رئيساً محركاً ودافعاً بمشاعره المفجوعة ورغبته العارمة بالانتقام من كل ما يمت ل»مرتفعات وذررنغ» بصلة، والتي لم يسلم منها حتى ابنه الوحيد، وحتى الطفلة «كاثي».. ابنة حبيبته كاثرين. ورغم أن رغبة هيثكليف بالانتقام نشأت لسبب طبقي، إلا أن الرواية ليست عن الطبقية بقدر ما هي عن التضاد بين عفوية الإنسان وطبيعته الحقيقية وبين القناع الاجتماعي الزائف الذي يجبر على ارتدائه إذا ما رغب في الحصول على القبول من المجتمع. فالطفل هيثكليف بوحشيته وعنفوانه يجسد الطبيعة الحقيقية التي لم تتلوث بزيف الحضارة، وكذا كانت كاثرين في طفولتها، عندما كانت تلعب ببراءة مع الفتى الأسمر في السهوب الخضراء، قبل أن تتغير وتصبح سيدة مجتمع بزواجها من رجل نبيل.