كثيرة هي القضايا المثارة داخل مجتمع مازال أفراده بحاجة إلى من يقف خلفهم، ويدعم طموحاتهم، ويلبي احتياجاتهم؛ بما يسهم في تشكيل توجهاتهم، وبناء مواقفهم، مع الاحتفاظ بكيان مجتمعهم، ووحدته، وخصوصيته.. وفي مجتمعنا يوجد جيل قديم يحمل موروثات ومعتقدات وآراء جاءت من خلفية ما ورثه، وتحديداً من خلال مبدأ الصواب والخطأ، بينما يتأمل الجيل الحالي أن يجد فرصته في مكان يشعر أحياناً أنه ليس مكانه، وهنا يبرز السؤال: من يُشكل الرأي العام بين شرائح المجتمع؟. ويمكن تأكيد أن الإجابة - أياً كان مصدرها، وتوجهها - يجب أن تتضمن أن مصلحة الوطن لا تحدد ب "الأقلية" و"الأكثرية" وإنما في مدى الانحياز إلى تنوير الواقع والمضي نحو المستقبل؛ من دون معوقات فكر أو سلوك. وعلى الرغم من أن الجيل الحالي تأثّر كثيراً بالاطلاع على ثقافات وتجارب الآخرين من دون احتكاك كافٍ بالحياة، إلاّ أن "الرعيل الأول" لا يزال أكثر انتماءً، وهو ما يؤكد أن صراع الأجيال ترك فجوة تنتظر ردمها ب "الوعي" و"القناعة" و"الحرية المسؤولة". ومع انطلاقة موجة التعبير عن الرأي والرأي الآخر، وإصدار الأحكام في كثير من القضايا الساخنة - أو حتى العادية - وجد كثير من أفراد المجتمع طريقه ليُعبّر عن رأيه، وبعضهم يذكر وجهة نظرة من منطلق التعبير عن رأي المجتمع، وآخرون يصرون على الصراع من أجل تحقيق رأيهم؛ حتى يحدث المزيج المختلف في تشكيل الرأي العام، وربما خرج كصراع، أو رأي آخر، أو توجه، أو أفكار مستحدثة.. المهم أن يبقى اختلافاً ولا يتحول إلى خلاف. متغيرات دائمة وقال "أبوبكر باقارد" - مختص إجتماعي: "ما يشكل الرأي العام هو فئات المجتمع بجميع أفراده وسلبياته ومؤسساته، فالسياق العام يوجد به رأي أقلية أو فئة تختلف مع الرأي العام، ولكنها تُشكل جزءاً من المجتمع، فليس هناك رأي عام يمثل "أكثرية" أو جميع أفراد المجتمع بداخله، أما بالنسبة للجهات الاجتماعية، ففي جميع مجتمعات العالم توجد متغيرات تؤدي إلى تفاوت في الرأي بين الأجيال، ويعمل البعض على ردم هذه الهوّة بين الآراء المختلفة، ولذلك فإن بعض الموضوعات التي تمس الآراء الشابة يكون رأي الشباب فيها أكثر تأثيراً وبالنسبة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى فلابد أن نفرق بين المراحل العمرية للناس، وأن المجتمع يتدرج في التحول من وجهة نظر إلى أخرى بحسب المتغيرات السكانية والاجتماعية والنفسية والدولية أحياناً؛ فالإيمان أن هناك رأي يتشكّل وليس ثابت هو القاعدة". مصلحة الوطن ليست ب«الأقلية» و«الأكثرية» وإنما في الانحياز إلى تنوير الواقع نحو المستقبل وأضاف أن وجود وسائل جديدة في التواصل وتحديد القضايا جعل من يؤثّر هو من يستطيع إقناع الآخرين بوجهة نظره، فهناك من يخرجون لإبداء آرائهم ذوو الأقلية؛ لأن لديهم قدرة على الصدح به ويدّعون أنه يمثل رأي الأغلبية، والحقيقة ليست كذلك، بل إن المقياس في من يقنع الآخرين، منوّهاً أن الممارسة واسعة المجال هي من تُعبر عن رأي المجتمع، ذاكراً أن الرأي العام مؤخراً حدثت به فجوة نوعاً ما؛ إذ يبدو أن الشباب لهم أصوات تُريد من يسمعها. مرونة وتقبّل وأكد "د. ناصر العود" - أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ومستشار أسري - أن الاختلاف بين الأجيال يعد أحد الأمور الأساسية المجتمعية، فالجيل القديم - بما يؤمن به من معتقدات وقيم وعادات - يرى أن ذلك ما يجب أن يتحرك عليه الجيل الجديد المعاصر الذي يتحرك في طرح آرائه، من خلال التقنية وقنوات التواصل الاجتماعي، سواءً التواصل البشري أو التقني أو اختلاف الثقافات، مشيراً إلى أن المشكلة تتشكّل في جيلين، الأول بدأ ينحصر في الجيل الجديد من خلال المرونة في تقبّل ما هم عليه "الجيل الجديد"؛ فيتقبلون طموحاتهم وآرائهم وما يرغبون فيه، وهذه موجودة في المدن بشكل كبير وبحسب ثقافة الشخص. وقال إن مشكلة تكوين الرأي العام في الجيل الحديث أنهم يتأثرون ليس بالاحتكاك، وإنما بالإطلاع، وهذه الإشكالية تبقى؛ فيأتي طالب يقرأ في علوم دينية أو أدبية، ثم يعالج نفسه بقواعد قبل مئة سنة، فيحاول أن يُرجع اختراع العادات القديمة، بل إن من يعارضه هم الآباء أحياناً، فبعض الآباء - للتعليم دور كبير عليهم - يتأثرون بقنوات التواصل الاجتماعي وغيرها، فيبدؤون في صراع يمرون خلاله بحالة من الرفض ثم القبول، مبيناً أن القضايا التي تتقاطع مع المجتمع، كعادات الزواج والعنوسة وغيرها مازالت تواجه معاناة كبيرة بين الجيلين، وتجد صعوبة في تحديثها وتطويرها، فالجيل القديم لديه قوة أكبر في تعزيز الانتماء في الجانب الاجتماعي، أما الجانب الثقافي والتواصل بشكل عام فإن هناك تحركاً كبيراً وجيداً؛ بحيث تُعطى فرص للتحاور حتى مع الجيل القديم. وأضاف أن لوسائل الإعلام دور كبير في خلق مجتمع يقود الرأي العام بشكل واع من خلال تعزيز القيم، إلى جانب دور المؤسسات التعليمية والمجتمعية بواسطة إثارة النقاشات وإقامة المحاضرات لتكوين الرأي والفكر، مبيناً أن الموروث يبقى صاحب الغلبة خاصة في القضايا الاجتماعية، منوّهاً أننا ما زلنا في مرحلة جيدة فيما يتعلق بإطلاق الرأي؛ خاصة مع توفّر التقنية التي أسهمت في تغير كثير من الأفكار المغلوطة السابقة، سواءً عن المرأة أو العمل أو عن الزواج، وتشكل رأي عام تجاهها للأفضل. الجيل الحالي تأثّر كثيراً بالاطلاع من دون احتكاك كافٍ بالحياة.. و«الرعيل الأول» لا يزال أكثر انتماءً! عقل جمعي وأوضح "د. حسن الذبياني" - أستاذ التنمية الاجتماعية بجامعة طيبة - أن العُرف يتكون دائماً من العقل الجمعي، وأُتفق عليه أنه الجيل الحالي الذي يقود المجتمع، مبيناً أن الإشكالية في القضايا المطروحة سواءً في الوسائل الحديثة عبر الانترنت وغيرها يسيّرها الشباب بما لديهم من عادات ومقترحات خاصة، أما إذا تعلق الموضوع بالجيل الجديد أو السابق فإن من يتخذ القرار هو الجيل السابق؛ فالرأي هنا يخصهم، مشيراً إلى أن كثيراً من القضايا التي تثار تكون مشتركة بين الجيلين، وهنا يأتي دور الاتفاق بين الأفكار، ولكن عادة ما يوجد "الضبط المجتمعي"، وهو "العقل الجمعي" لأفراد المجتمع وهم يصدرون ذلك الحكم، وغالباً يحضر الاتفاق على ما هو مقبول وعكسه. وقال إن عملية قيادة الرأي العام تعود للمؤسسات الحكومية والخاصة؛ فيأتي دور الأنظمة والقواعد التي تحكم هذه القرارات، حتى على صعيد صنع القادة الجيدين والقادرين على التعامل مع هذه القواعد، مبيناً أن التقاليد والأعراف والقيم لا يمكن أن يصنع شخص يتحكم فيها، بل إنها هي المتحكمة فينا؛ فحينما نتحدث عن أي ظاهرة نعود لنطلق عليها أحكام من خلال مبدأ "العيب" وهي عادات تحكمنا وليس نحن من نحكمهم حتى في إتخاذ القرارات، وبالتالي بعض الأمور لا نعملها ليس لأنها حرام؛ ولكن لأن العادات والتقاليد والقيم هي من تمنع. وأضاف أن العادات والتقاليد التي تحكمنا في آرائنا تجاه أي قضية لن نستطيع تغيرها؛ ولكن هي من سوف تتغير، فيتفق عليها العقل الجمعي في مجموعة من الأفراد، ومن ثم تتغير، وذلك ما حدث في بعض الأمور التي رُفضت في بداياتها ثم أصبحت مقبولة بعد تغير العقل الجمعي، ذاكراً أن عملية تغيير العادات تعتمد على اتفاق مجتمع، وليس على اتفاق فرد أو مؤسسة أو مجموعة من الأفراد. وأشار إلى أن الانتقال من التفكير القديم إلى الجديد هو عملية قبول لما هو جديد بالنسبة للجيل القديم، حيث أن الإشكالية في وجود التحفظ الذي قتل قبولنا للأفكار الجديدة يبقى سواءً قبِلها الجيل القديم أو لم يقبلها، فهي مسألة وقت وتحفظ على ما هو جديد، والوقت جدير دائماً بتغير يُحرّك الرأي العام. دمج أراء وأوضح "د. عبدالمنعم القو" - رئيس قسم المناهج بكلية التربية في جامعة الدمام وكاتب صحفي - أننا في دورة حياتية تتوالد من جيل إلى آخر، فربما يحدث صراع في الرأي بين الجيل القديم والحالي لأيهما يحصل على دائرة الضوء في الرأي، مبيناً أن دمج الجيلين أنسب؛ بحيث يؤخذ من خبرات الجيل القديم في مجالات الحياتية المتنوعة مع الطاقة والحيوية والمتجددة في الشباب - مع وجود تناسق بين التيارات المحافظة والمتجددة - ودمجهم للخروج بحلول بنّاءة لأي مشكلة اقتصادية، أو اجتماعية، أو أمنية؛ حتى نخرج برأي عام متفق، مشيراً إلى أن قضية التضارب في الرأي العام تعتبر مُعضلة اجتماعية، والمتضرر الوحيد هو المجتمع. وقال إن قنوات التواصل الحديث أخرجت جيلا يدافع عن نفسه في تشكيل الرأي العام، في وقت كان في السابق يسود المجتمع أفكار الجيل السابق، بعكس الآن أصبح سماع الأصوات وإبداء الآراء يؤثر بشكل عام. د. حسن الذبياني د. أبو بكر باقادر