انقسمت شرائح المجتمع نحو «الانفتاح»، فمنهم من يصفه ب»الانفلات»، وآخرون يصفونه بالقدرة على مواجهة متغيرات الحياة، فيما وقف البعض الآخر موقف المتأمل والمتألم وغير المصدق ل»تحول المجتمع» الذي كبر واعتنق فكرة لم يفهمها جيداً، لكنها بقيت بمفهوم جديد ومختلف، فيما بقينا نُصِّر على اقتباسها دون تطور في الفكر أو الوعي، ودون مساس بالحراك الفعلي لعمق الانكشاف والمكاشفة مع ثقافات أُخرى. إن «الانفتاح» يعني التغيّر للأفضل، والاطلاع على شعوب الدول الأخرى، والإفادة منها إيجاباً من خلال معالجة السلبيات الموجودة لدينا، مع المحافظة على القيم والأخلاق التي نتميز بها، كما أنه من المهم أن يكون الغرض منه الحث على العلم والتعلم، وأن يؤخذ عن وعي ومعرفة وتخطيط، وأن لا يكون وسيلة لأي محظور، مع تغيير الثقافة السائدة التي تنطلق من ثقافات موجودة بقوة في عاداتنا كثقافة الكسل، وثقافة عدم حب النظام، وثقافة الاتكالية، وغيرها من الثقافات التي إذا لم تتغير فإن انفتاحنا سيبقى إنفاحاً شكلياً فقط. ويبقى أن يتذكر المواطن أن الانفتاح على الآخرين لا يعني الأخذ منهم فقط، وإنما يجب أن نعطي ونظهر الشخصية الإسلامية الجيدة، حيث أن لدينا قيماً ومبادئ سامية لا توجد في حضارات أخرى، مع أهمية إظهار الانضباط الأخلاقي والسلوك، لأن ذلك أهم سمات الانفتاح، ولابد أن نتعلم من الشعوب احترامهم للإنسان واحترام الوقت والرقابة الذاتية في العمل، فالملاحظ مع الأسف أن بعض شبابنا اقتبس «شكليّات» بعض الدول الغربية، حتى بدأنا نشاهدهم في الشوارع يلبسون ما ينافي عاداتنا وتقالدينا وأخلاقنا. انفتاح نسبي وقال «سعود البلوي» - كاتب -: أسهم «الانفتاح» في شيوع القيم الإنسانية كالتعايش والتسامح وقبول الآخر والوعي بحقوق الإنسان، مضيفاً أن نظرة البعض شوّهت هذا المفهوم وجعلت منه مرادفاً ل»الإنحلال»، وهذا الأمر غير صحيح إطلاقاً، مبيناً أن الانفتاح النسبي الحاصل اليوم في المجتمع هو غير كاف للوصول إلى فعلٍ حضاري، طالما لم يكن ناتجاً عن قناعة اجتماعية عامة، بل ربما هو رضوخ للأمر الواقع الذي فرضته العولمة والحضارة الرقمية التي أصبحنا داخلها جزئياً، مشيراً إلى أن الحضارة العربية الإسلامية أضاءت للعالم طويلاً بعد أن أصبحت منفتحة على الثقافات الأخرى ومستوعبة للأفراد الآخرين، مؤكداً على أن حضارتنا الإسلامية في عصور ازدهارها أسهمت في البناء الثقافي للأمم والثقافات الأخرى، مما جعل أطيافاً وأفراداً وجماعات من ديانات أخرى تنخرط في أجواء الثقافة العربية وتسهم في تقدمها؛ وبالتالي أصبح الانفتاح شأناً عالمياً قادته الحضارة العربية الإسلامية وأفادت منه أوروبا وغيرها، موضحاً أنه يقر كثير من الأوربيين اليوم بفضل هذه الحضارة، ومن أمثلة هذا الإنصاف آخر ما شهدناه قبل فترة وجيزة من احتفال شركة Google بالعالم المسلم «أبي بكر الرازي» عبر موقعها ومحرك البحث الالكتروني الشهير. تحديد المعنى ورأى «د. سعود صالح كاتب» - مختص في مهارات الاتصال وتكنولوجيا الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة - أنه علينا أن نحدد معنى الانتفاح ومدى فهم المجتمع له، متسائلاً: هل الانفتاح هو التعرف على ثقافة الشعوب الأخرى وحضارتهم والإفادة منها؟، أو أنه لدى البعض أن نفتح أنفسنا ونسمح لجميع الثقافات الخارجة عن تقاليدنا وأخلاقنا أن تدخل؟، مضيفاً أن الانفتاح كلمة مطاطة وكلمة كبيرة ويصعب أن نحكم عليها هل هي إيجابية أم سلبية؟، فالموضوع في أيدينا، نحن من نحدده، فهناك من يحاربه، بل ويحارب أي شيء يأتي من الشعوب الأخرى، موضحاً أنه لابد أن نعيش الانفتاح من خلال تجارب الآخرين وثقافتهم وعلمهم، مع ضرورة المحافظة على عاداتنا وأخلاقياتنا، ذاكراً أن الإنسان الذي يحارب الانفتاح بشكله الحقيقي ليس لديه ثقة بنفسه، ويعتبر أن مجتمعه وعاداته وتقاليده هشة وضعيفة، لافتاً إلى أن المملكة بلد منفتحة اقتصادياً وثقافياً وتعليمياً على العالم كله، الأمر الذي أدى إلى إفادتنا علمياً بوجود البعثات وتطوير التعليم، وكذلك اقتصادياً. التغيير حتمي ولا مفرّ منه وكن مستعداً له بوعيك ولا تخشَ أحداً أو تسمح أن يسلب إرادتك تطبيق الأنظمة وبيّن «د.كاتب» أن الإشكالية الحقيقية في عدم انعكاس ذلك على المجتمع، فالأنظمة موجودة في جميع العالم والدول المجاورة لنا أفادت من التجارب ومن الأنظمة المرورية والتجارية، إلاّ أننا مازلنا غير قادرين على تطبيق تلك الأنظمة، مضيفاً أن لدينا خللاً إدارياً وعدم قدرة على تطبيق الأنظمة، وكذلك لدينا مشكلة في الثقافة، فهي -حسب قوله- لا تحترم النظام، وهذا موجود وملاحظ في شوارعنا من طريقة القيادة، وهو ملاحظ من خلال وقوفنا في أي طابور في دائرة حكومية، ومن خلال الذين يمشون في الشارع ويرمون العلب والنفايات على الطرقات، جميع تلك الملاحظات ليس لها علاقة بالانفتاح، مؤكداً على أن الانفتاح وحده لا يكفي لخلق مجتمع واعٍ إذا لم يكن هناك قانون قوي وصارم يطبق على الجميع بما فيهم الذي يقطع الإشارة، والذي يرمي النفايات، والذي لا يحترم الطابور، وذلك كله يحتاج إلى قانون، داعياً إلى ضرورة أن يتم تغير الثقافة السائدة التي تنطلق من عدة ثقافات موجودة بقوة في عاداتنا كثقافة الكسل، وثقافة عدم حب النظام، وثقافة الإتكالية، وغيرها من الثقافات التي إذا لم تتغير فإن انفتاحنا سيبقى إنتفاحاً شكلياً فقط، مبيناً أننا لا نفتقر إلى وجود الشوارع والطرق واشارات المرور، جميع ذلك أخذ من الغرب، لكن لم نأخذ عنهم التزامهم بالنظام وتقيدهم بالسرعة المحددة، مشدداً على أننا بحاجة إلى تغير الثقافة، وأكثر ما يسهم في تغيرها هي عن طريق سن العقوبات والقوانين التي تغير سلوك الناس، كما حدث في نظام ساهر!. عزلتك لن تغيّر واقعك وتحقق أمانيك وسائل الإعلام وأوضح «د.عبدالله الحمود» - مستشار نفسي وإداري وخبير تدريب برامج التنمية البشرية - أن الانفتاح إذا تم بطريقة عشوائية غير منظمة وغير مرتبة ولا يسبقها وعي، فحتماً سيكون ذلك شكلاً من أشكال الانفتاح السلبي، مضيفاً أن الانفتاح لدينا اتجه نحو التقليد في طريقة الثياب والقصات الخاصة بالشعر، ولكن ذلك الانفتاح لم يدفعنا إلى تقليد الدول المتقدمة في اتباع النظام والاحترام والانضباط والانتاج، مشيراً إلى أن وسائل الإعلام لها دور كبير، إلاّ أنها لم تركز على توعية المجتمع بشكل جدي، بل إنها انصرفت للتركيز على ترفيه المجتمع أكثر من تركيزها على الوعي، مشدداً على أهمية أن يكون هناك وعي لدى الفرد بشكل يجعل من وجود الرقابة الذاتية دافعاً لتطبيق الانفتاح بطريقة مدروسة وإيجابية، فالانفتاح يختلف معناه من شخص إلى آخر، إلاّ أن مفهومه الشامل هو الاطلاع على سلوكيات الآخرين من أي مكان، وهذه السلوكيات نشأت في بيئات تختلف عن بيئتنا، ولكل بيئة سلوك وتقاليد وأعراف معينة تختلف عن البيئات الأخرى، موضحاً أن المجتمع يحاول أن ينفتح، لكنه لم يصل بعد إلى المفهوم الحقيقي لتلك الحالة، ويعود ذلك إلى عدم الاتزان في الشخصية، حيث أن هناك من يحاول أن يتشبث بأي شخصية، إما لأنه فقد الثقة بالنفس، أو في محاولة منه للاقتباس من غيره، حتى الأمور السلبية، وذلك ما حصل، متأسفاً أن الاقتباس هنا كان للأشياء السلبية أكثر من الإيجابية، فالمجتمع جيد لكن التطبيق خاطئ!. سلوك إيجابي وذكر «د.الحمود» أن السبل الكفيلة التي من الممكن أن تسهم في تعميق ثقافة الانفتاح بشكله الحقيقي هو شرح ثقافة غيرنا، وشرح سلوكيات الناس، وتبيين السلوك الخاطئ عن طريق وسائل الإعلام حتى لا نقع فيه، مع تعزيز السلوك الإيجابي، حتى وإن كان سلوكاً خارجياً، مضيفاً أنه لابد أن يكون هناك انفتاح مدروس ومقنن، ولابد أن يكون لدينا ثقافة الانفتاح وثقافة تعاطي ما لدى الآخرين؛ لافتاً إلى أن السبب في وجود بعض السلوكيات السلبية أننا انفتحنا على ثقافات الآخرين بطريقة غير مدروسة، وبشكل اندفاعي، مشدداً على أننا بحاجة إلى نشر الثقافة الإيجابية، ففي كوريا بإمكانك أن تذهب إلى المتجر عن طريق جوالك دون أن تذهب، فبرسالة تحدد مشترياتك وتصل إليك في المنزل، وهذا هو الانفتاح المثمر، داعياًَ إلى الانضباط الأخلاقي والسلوكي، لأن ذلك أهم سمات الانفتاح، ولابد أن نتعلم من الشعوب احترامهم للإنسان واحترام الوقت والرقابة الذاتية في العمل، مؤكداً على أن غالبية المؤسسات الخدمية لا يوجد قبول لمعطياتها، فلدينا جميع الإمكانات التي تجعلنا منفتحين ثقافياً وتكنولوجياً أكثر من غيرنا، مطالباً بالبحث عن الأفضل وفيما يخدم المجتمع. قيم ومباديء وقال «د.محمد بن مترك القحطاني» -عضو هيئة التدريس في قسم علم النفس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-: لا يستطيع أي شعب من الشعوب أن يعيش منعزلاً عن الآخرين، فالانفتاح على العالم الخارجي يحدث بسبب تطور الاتصالات والمواصلات والإعلام، مضيفاً أن المواطن أصبح منفتحاً على العالم أكثر من أي وقت مضى، لكن المهم أن يكون هذا الانفتاح إيجابياً وليس سلبياً، عن طريق الإفادة من كل الثقافات بما لا يتناقض مع الشريعة الإسلامية، مبيناً أنه من المهم أن يكون الغرض هو الحث على العلم والتعلم، وأن يؤخذ الانفتاح عن وعي ومعرفة وتخطيط، وأن لا يكون وسيلة لمحظور، موضحاً أنه يحدث الانفتاح السلبي عندما يتم اتباع الآخرين دون وعي أو تمييز، الأمر الذي قد يطمس من شخصيتنا الإسلامية، مشدداً على أهمية أن يتذكر المواطن دائماً أن الانفتاح على الشعوب الآخرين لا يعني الأخذ منها فقط، وإنما يجب أن نعطي ونظهر الشخصية الإسلامية الجيدة بين الحضارات المختلفة، حيث أن لدينا قيماً ومبادئ سامية لا توجد في حضارات أو ثقافات أخرى، ناصحاً بالمحافظة عليها وتقديمها للآخرين بصورة جيدة، مؤكداً على أن الانفتاح هو عميلة تفاعل بين الشعوب يجب أن يتم استثمارها على الوجه الصحيح. د.سعود صالح كاتب د.عبدالله الحمود د.محمد القحطاني سعود البلوي