في انتقال سريع من عالم الرواية إلى عالم السينما، كانت رواية "مباريات الجوع – The Hunger Games"، نموذجاً حديثاً لهذه العملية النشطة اليوم في عالم السينما، للأعمال السردية التي تضع في اعتبارها التحول لعمل سينمائي منذ البداية، في عملية تبادلية تعرفها صناعة النشر الأمريكية وسينما هوليوود، إلا أن هذا النشاط لم يغير من حقيقة أن "مباريات الجوع" عمل استثنائي من نواحٍ عدة، محققاً أعلى الأرقام في افتتاحية عمل سينمائي بدون أجزاء سابقة، وأعلى كتب الكندل الرقمية تحميلاً، وحقوق بيع أدبية لأكثر من 26 لغة، والعديد من الجوائز وبخاصة في فئة الشباب والمراهقين. لقد أثارت الرواية عند صدورها جدلاً أدبياً واسعاً، فهناك من رأى فيها اختلاساً واضحاً لرواية "المعركة الملكية - Batoru Rowaiaru" للياباني كوشون تاكامي 1999م، وهو رأي له وجاهته وبخاصة عندما نرى التطابق الفادح في الفكرة، وعندما نقول الفكرة، فهذا لا يعني موافقة فكرة الاختلاس، لأن المعالجة تختلف كثيراً، وتأخذ روحاً مختلفة وطرقاً جديدة لعلاج الفكرة المكررة من قبل، والتي نجد لها جذوراً أبعد من "المعركة الملكية" في أعمال سردية أخرى. سوزان كولين تحكي الرواية قصة 13 مقاطعة قامت بالثورة في بانم - دولة مستقبلية متخيلة في شمال أمريكا - قبل 74 عاماً. انتصرت الحكومة ودمرت المقاطعة الثالثة عشر تماماً، وكعقوبة على الخيانة قررت تدشين "مباريات الجوع"، إذ يتم في يوم الحصاد اختيار شاب وفتاة ما بين (12-18) عاماً من كل مقاطعة للقتال حتى الموت، حيث يبقى شخص واحد منتصر، ليذكر الجميع بالماضي، وكيف يصون المستقبل! استطاعت الروائية الأمريكية سوزان كولين، توقيع عقد لنشر ثلاثة كتب، بدأت أولها في عام 2008م، ثم استمرت في ترسيخ مباريات الجوع من خلال عملين لاحقين، وهو منهج أمريكي يزري غالباً بكل عمل جيد، ليتم عصره قدر المستطاع لجني مزيد من الأرباح، بغض النظر عما يمكن أن يشكل الصورة النهائية للعمل الأول، الذي سيظل لحسن الحظ عملاً مكتملاً بذاته. غلاف الرواية تحمل الرواية الكثير من الثيمات، فهي تعالج الفقد والتمرد والشجاعة والاختيار والإرادة، هذا من منظور الفرد، بينما في سياق الرواية العام، هناك الثورة وفكرة الحكومة الشمولية، وعودة ظهور رمز الأخ الأكبر من رائعة جورج أورويل "1984"، هناك محاولة ناجحة لاستثمار حلبات المصارعة الرومانية، استحضار للذاكرة الرومانية في حكومتها التي كانت تقدم هذا الصراع الدموي كترفيه لشعب مترف باحث عن اللذات في أقبح صورها. في الرواية هناك رمزية الخضوع المطلق، وبؤر التمرد النائمة بقبلة الثلاثة أصابع المرفوعة، ورغم كل السفه الإنساني، نفاجأ بلحظات يقظة إنسانية، لا يشككنا بوجودها سوى في صرخات الحماس والتهليل لمباريات الجوع التي تجعلنا نراجع كل أفكارنا عن تلك اليقظة الوهمية. ينجح الفيلم في اختيار شخصياته، تطورها حتماً ليس مثل الرواية، ولكنه في مساحة التحول السينمائي يأتي متوازناً وعادلاً، آثار سوزان كولين على شخصيتها التي تبدو متأثرة بفقدها الحقيقي لوالدها في حرب فيتنام، كما أن تلك الأجزاء الداكنة في الرواية وبالذات فقد "رو" الفتاة التي كانت تذكرها بأختها "بريم" التي تطوعت بالنيابة عنها لخوض مباريات الجوع، تأتي في سياق أقل دموية للضرورة الفنية وللجمهور المستهدف، لكن الفيلم ينجح بشكل عام في رسم تخيلاتنا عن عالم "العاصمة/ الكابيتول"، مرفوعاً بموسيقى جيمس نيتون هاوارد القادر على اجتراح المختلف والمتماهي مع كل عمل يشارك فيه. إنه لمن المخزي أن نرى ذلك الجدل السخيف حول شخصيات الرواية بعد ظهورها في الفيلم، حيث انطلقت التعليقات العنصرية التي تناقش كون الشخصية المتخيلة بيضاء البشرة أو سوداء، في دلالة على ضعف القراءة وسوء الفهم، وقبل ذلك كله العنصرية المتأصلة التي تبدو أجدر بالعيش في الكابيتول المتخيلة دون العالم الواقعي، وتزداد الفكرة سوءاً عندما نراهم متعاطفين مع الشخصية المتخيلة في الرواية، ثم يؤكدون فقدهم التعاطف مع الشخصية نفسها في تطور التخيل الأكثر وضوحاً في الفيلم بسبب اللون والعرق، هذا وأكثر كان له نصيب من رواية "مباريات الجوع" التي بدأت فكرتها من مسابقات تلفزيون الواقع التي كانت تتابع إحداها كولين، ومشاهد من حرب العراق التي كانت ولا زالت سبباً بارزاً لغضب كولين، لكن تلك قصص لا ترويها هوليوود كما يقول الراحل هوارد زن.