استطاع المخرج جاري روس بفيلمه «ألعاب الجوع» الابتعاد عن فكرة الجوع كغريزة بقاء، فاللعبة الأبرز في الفيلم المثير «ألعاب الجوع» The hunger Games هي تسليط الضوء بذكاء وعمق كبيرين على الطبقية التي لاتزال لليوم سمة حتى في الدول الأكثر تحضراً ومدنية في العالم، وستبقى في رؤية الفيلم وأفلام روس السابقة التي ينتمي أغلبها، شأن هذا الفيلم الأخير، إلى أفلام الفانتازيا التاريخية. وفيلم «ألعاب الجوع»، الذي مازال يحقق أرقاماً قياسية في شباك التذاكر، يستند على الجزء الأول من ثلاثية للمراهقين للكاتبة الروائية الأمريكية سوزان كولينز، التي نشرت في عام 2008، ومن إخراج جاري روس الذي سبق له أن أخرج أعمالاً تعتمد على فكرة الصراع بين متنافسين يصفي واحدهم الآخر من أجل البقاء، وأهمها فيلمه الشهير Gladiator «المصارع». فعلى أنقاض ما كان يسمى يوماً «أمريكا الشمالية» تدور أحداث الفيلم في كيان افتراضي (مبنى الكابيتول) خرج للتو من تاريخ مظلم لأمة «بانيم»، وكل مقاطعاتها المكونة من 12 إقليماً، والتي دارت بينها صراعات طويلة وحروب تكون مريرة، استطاع الإقليم «الأول» أن يهيمن على سلطتها، كونه أكثر الأقاليم هيمنة سياسية واقتصادية، ثم يحل بعد ذلك السلام والاستقرار. يبتدع الإقليم الأول لعبته، كأكبر قوة بين الأقاليم الأخرى (تتوزع الأقاليم في بانيم من الأول للثاني عشر حسب القوة والسيطرة، وهنا يصور الفيلم هذه الطبقية من خلال المقارنة بين الإقليم الأول والإقليم الثاني عشر، والفرق الطبقي الشاسع بينهما).. اللعبة التي وضع شروطها، كعقوبة لتخليد تاريخ انتفاضة الماضي، إذ يقيم ألعاباً سنوية في شكل مسابقة مصورة تلفزيونياً تدعى «ألعاب الجوع»، يقدم فيه كل إقليم شابا وشابة للتنافس في صراع يصفي المتنافسون ال24 بعضهم البعض في صراع حتى الموت لا ينجو منه إلا فائز واحد. وكممثلة عن الإقليم الثاني عشر، تتطوع كاتنيس ايفريدين (الممثلة الشابة جنيفر لورنس) بدلاً من أختها الصغرى التي فرض الإقليم الأول مشاركتها بالقوة في الدورة 74 من المسابقة، فتحاول كانتيس أن تفوز بلقب «ألعاب الجوع» من أجل أسرتها الفقيرة وإقليمها الأدنى، دون أن تضطر لتغيير قناعاتها وضميرها الإنساني بالدخول في لعبة قتل أبرياء، فتتبدل من خلالها الأحداث المقررة للعبة. ليس الجوع، بمعناه الحقيقي هنا إذا؛ يضفي المعنى الروحي بعده على الفيلم، في تأجج مشاعر الحب والإنسان، حيث يعالج الفيلم أفكاراً كالفقر والطبقية وغريزة حب البقاء، هيمنة سلطة الإقليم المسيطر على النظام، في مقابل ما يحمله الإنسان من قيمة إنسانية عالية تتمثل في انتصاراتها وانكساراتها على حد السواء، في عمل متكامل ومستفز للمتلقي، بحسب رأي النقاد، الذين أشادوا بالفيلم وبطاقم العمل المعتمد على شباب ظهروا فيه للمرة الأولى. يذكر أن ميزانية الفيلم بلغت 78 مليون دولار، فيما حقق أرباحاً تجاوزت 580 مليون دولار في جميع أنحاء العالم خلال شهر منذ عرضه الأول في 23 مارس الماضي. ومن المقرر أن يبدأ تصوير الجزء الثاني (اشتعال النيران) من ثلاثية كولنز في شهر أغسطس المقبل، ليعرض كما مقرر له في نوفمبر 2013، إلا أن أخباراً تتوارد عن اعتذار المخرج جاري روس عن الفيلم، حسب مجلة «هوليود ريبورت»، التي نقلت عنه قوله: «باعتباري كاتبا ومخرجا، ونظراً للجدول الزمني المحدد والضيق لإنتاج الفيلم، فإنني ببساطة ليس لدي الوقت الكافي لكتابة وإعداد الفيلم»... فهل سيحقق الجزء الثاني «اشتعال النيران» من غير روس ما حققه «ألعاب الجوع» من تسيد لشباك التذاكر في فترة قياسية؟