هل تذكرون ماجد الشبل وغالب كامل. هل تعرفون ماجد الشبل وغالب كامل. سؤالان لجيلين مختلفين، سؤال لأولئك الذين عاصروا في زمن مضى فارسي المذياع والشاشة الفضية، عندما كان النجمان اللامعان ماجد الشبل وغالب كامل يضيئان سماء الإذاعة والتلفزيون السعوديين على مدى أربعة عقود. كان الفارسان يصولان ويجولان في ميدان الاعلام المسموع والمرئي، ولطالما شنفا الاسماع بصوتيهما الشجيين، وأمتعا المستمعين والمشاهدين بحسن الالقاء، وسلامة اللغة، وفصاحة البيان، ووقار الظهور وجمال الحضور. وسؤال للجيل الشاب الفتي، جيل الاعلام الجديد، الذي لم يعاصر ماجداً وغالباً وربما لم يسمع عنهما أو سمع بصورة عابرة في مقطع صوتي او مصور في اليوتيوب، وبالصدفة لا بالقصد والبحث. الحديث عن هذين البارعين أثاره لقاء صدفة بيني وبين الأستاذ غالب كامل في مكان عام هذا الأسبوع، ولولا ان صورته قد ارتسمت في ذهني وكان استحضارها يسيراً بدافع ما أكنه للرجل من الاحترام وما احمله له من الاعجاب لما عرفته، وقد تسللت عوامل الزمن واحكام السن محاولة إخفاء بعض ملامحه المألوفة واوصافه المعروفة. بادرته بالسؤال هل انت الأستاذ غالب كامل؟ وبابتسامة لم يشبها التصنع قال: نعم اهلاً وسهلاً، فأردفت بالسؤال وهل لي أن اعرف منك خبراً يسر عن صحة استاذنا ماجد الشبل؟ وقد نما إلى علمي أنه في وضع صحي يستحق من محبيه الدعوة له بالشفاء والصحة والسلامة، فأجاب انه ان شاء الله بصحة ودعواتك له. اتفقنا على ان نجلس في مقهى مقابل لتجاذب الحديث. وهناك قلت له انني ما زلت أعيش بالذكرى العطرة أياماً خوالياً جميلة كنت فيها طالباً في قسم الاعلام بجامعة الملك سعود وكان ذلك ما بين عامي 1396 و1400 للهجرة، وكنت اغتنم الفرصة بين الحين والآخر مرتاداً ردهة فندق زهرة الشرق بالرياض لعلّي أصادف أحد فرسان الاعلام في تلك الحقبة الذين كانوا لا ينقطعون عنها وكان من بينهم الاستاذان ماجد الشبل وغالب كامل وآخرون. لقد كنت، وبهمة الطالب المحب لتخصصه، الشغوف بسبر غور حقوله، واكتشاف خفاياه، واستشراف مزاياه، اعتقد بثقة ان اللقاء مع هؤلاء النجوم والاستماع الى تجاربهم يمثل رافداً ثرياً للمعرفة في حقل الاعلام، وسانداً قوياً لما اتلقاه من النظريات والعلوم في الجامعة. وكنت اعتقد أن عليّ ان أتطفل بعض الشيء، وان اصطنع العذر للجلوس معهم، ولكن سرعان ما اتضح لي انني لست بحاجة الى ذلك امام رحابة صدورهم وسعة أفقهم فلم يبخلوا بعذب الحديث وصادق النصيحة على من كانوا يتوسمون فيه مستقبلاً مهنياً في حقلهم. ولكن الحلم لم يدم، والقصة لم تستمر، إذ ما لبثت وفي منتصف الدراسة ان تحولت من تخصص الإذاعة والتلفزيون الى تخصص العلاقات العامة الذي قادني لاحقاً الى حقل آخر مختلف لاجد نفسي متجهاً للدراسات الدبلوماسية ثم منخرطاً في السلك الدبلوماسي لأقضي فيه ثلاثة عقود ويزيد، كانت من أجمل سنوات العمر، ومازلت. الحديث عن ماجد الشبل وغالب كامل لا يتوقف عند مذيعين بارعين، ولا ينحسر في تجربتين ناجحتين، بل هو حديث عن عهد وعن جيل وعن ثقافة، ذلك العهد الجميل الذي عرفنا فيه ثلة من البارزين النابغين الافذاذ في كل الحقول والمناشط، والذين مازلنا نستقي وننهل من منابعهم ما نطفئ به ظمأ المعرفة، ونسد به رمق الثقافة، ونعلل به آلام الجهل، ونرتق به شقوق التخلف. ذلك جيل يستحق منا أن نمجده ونوقره، وان ندين له بالفضل، ونحفظ له الجميل، ونحيي ذكراه كلما سنحت سانحة. شدني وأثار مشاعري خبر تناولته الصحف عن زيارة كوكبة من المذيعين السعوديين لزميلهم العتيق واستاذهم العريق ماجد الشبل للاطمئنان على صحته وإشعاره انه في قلوبهم حباً ووفاءً وتكريماً، وهذا لعمرك هو الوفاء وهي المروءة التي يتصف بهما أبناء هذا الوطن، وسرني ما ورد في الخبر نفسه عن تكريم الإعلامي البارز الدكتور حامد الغامدي لزملائه وفي مقدمتهم غالب كامل، وهذا ديدن الكرماء ونهج الشرفاء. في خاتمة القول، يهمني أن أوكد على أهمية التواصل بين الأجيال، ونقل التجارب، وتلاقح الثقافات والخبرات، وان على الأجيال الحديثة وقد حباها الله بوسائل وأساليب متقدمة لكسب المعرفة وزيادة حصيلة العلم، وكسر حواجز الزمان والمكان الى الحضارات والثقافات الأخرى، ان عليها ان لا تهمل التاريخ، وان تستثمر بذكاء وتصّرف مخزون الأجيال السابقة وتستفيد من تجاربها وخبراتها وانجازاتها، فبهذا تحيا الأوطان وتستمر الحياة.