نائب أمير مكة يقلد عدداً من القيادات الأمنية رتبهم الجديدة    سعود بن نهار يلتقي رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالطائف    ظل ملفوفاً داخل كيس ل 6 أعوام.. استخراج جوال من معدة سجين    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية مترئساً وفد المملكة في القمة العربية: نرفض سياسات الاستيطان والتهجير والمساس بحقوق الفلسطينيين    الشرع ورئيس المجلس الأوروبي يبحثان سبل دعم سوريا    في ذهاب ربع نهائي آسيا 2.. التعاون يعود بتعادل ثمين من ميدان تراكتور    في ذهاب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا.. ليفربول ضيفًا على باريس    وزير الدفاع ونظيره السلوفاكي يناقشان المستجدات الدولية    ولي العهد مترئساً مجلس الوزراء: نعتز بخدمة الحرمين    مركز الملك سلمان يدشن سلة "إطعام" بإندونيسيا    حائل: القبض على مرتكبي واقعة تصادم بين مركبتين لخلاف بينهما    14 دبلوماً و74 محتوى و220 مقعداً تدريبياً لتأهيل أفراد العدالة    طارق طلبة مديراً لمكتب «عكاظ» بالقاهرة    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير" التاريخية".. تجديد مسجد الدويد على الطراز النجدي    تكريم الفائزين بمسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن    1637 ملياراً إجمالي الإيرادات.. 398 مليار ريال أرباح أرامكو عام 2024    عمرة بلا معوقات    رفضت دعاوى التهجير وقدمت بديلًا عمليًا.. «قمة فلسطين» تعتمد خطة عربية لإعادة إعمار غزة    5 نصائح لضبط أعصابك في العمل    ولادة طفل بريطاني بعين واحدة    وفاة" الذراع الذهبية" منقذ ملايين الأطفال    رابطةُ العالم الإسلامي تُرحِّب بقرارات القمّة العربية غير العادية "قمة فلسطين"    الشرقية تحصد خمس جوائز في مسابقة خادم الحرمين لتحفيظ القرآن الكريم في دورتها ال 26    376% نموا بنشاط التخليص الجمركي    انطلاق موسم القادسية الرمضاني.. وجوائز مالية ضخمة تنتظر الفائزين    الهلال يسقط في آسيا بعد صمود 321 يومًا    محافظ الخرج يستقبل رئيس جمعية العناية بالمساجد وعمارتها "اهتمام"    محافظ الأحساء يستقبل مدير مرور المنطقة الشرقية    جيسوس: الإصابات أحزنتني أكثر من الهزيمة    لجنة وطنية للتمور بمقر غرفة القصيم    رئيس غرفة الطائف: فعاليات وبطولات عربية وعالمية ترفع اقتصاد الطائف 400%    ضعف المحافظة بسبب هؤلاء!    أوكرانيا في مأزق بعد تعليق المساعدات الأمريكية    الأهلي يهزم الريان ويرفع الراس    لجنة الانضباط ترفض احتجاج الوحدة وتغرم مدربه بعد مباراة النصر    التعاون يتعادل والحسم في القصيم    أمير جازان يستقبل منسوبي الأمارة المهنئين بشهر رمضان    الفلسفة في ظل التحولات قصة إعمار وإلهام وطنية    سفرة رمضانية في مناوبة ليلية    الغول والكحول يؤكدان أن الفصحى لا تتطور    العنزي مشرفاً على الاقتصاد الكلي في وزارة المالية    الكهولة وزمن النادبات    اتصالات أمريكية أوكرانية لتوقيع اتفاق المعادن    سفارة المملكة في السويد تقيم حفل إفطار رمضاني    «الشؤون الإسلامية» تقيم مأدبة إفطار للصائمين بالجبل الأسود    الحكومة اليمنية: تصنيف الحوثي إرهابياً خطوة مهمة لمواجهة التهديدات    أيها الشباب: هرولوا نحو هاوي    التسامح.. سمة سعودية !    الحقيقة !    القبض على إثيوبي في جازان لترويجه مواد مخدرة    البشوت النسائية تدخل عالم الموضة وتنافس الرجالية    سماء العُلا يعود في أبريل    4 ملايين فحص لنقل الدم بالمناطق    سعود بن نهار يشارك قادة ومنسوبي القطاعات الأمنية في الطائف الإفطار الرمضاني    سعود بن نايف يستقبل المهنئين في رمضان.. ويطلع على أعمال "الذوق العام"    وزير الدفاع يبحث مع نظيره السلوفاكي المستجدات    أبٌ يتنازل عن قاتل ابنه بعد دفنه    قال «معارض سعودي» قال !    









علي محمود طه سيرة مستعادة
نشر في الرياض يوم 02 - 05 - 2013

لعل الشعراء الوحيدين الذين نجوا من لسان الشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي، فلم يهجهم لا شفافة في مجلس، ولا عبر حوار في صحيفة، كانوا الشعراء الذين سبقوا شعراء التفعيلة في الخمسينيات من القرن الماضي، مباشرةً. وهذا ليس بالقليل من شاعر كان هجاءً سليط اللسان يوزع انتقاداته اللاذعة على الجميع بلا استثناء، ويقتضي الانصاف منا القول إن البياتي لم يكتف بعدم التعرّض بسوء إلى هؤلاء الشعراء الذين كان زمانهم الشعري يقع بين رحيل شوقي في بداية الثلاثينيات وبزوع شمس الشعر التفعيلي، بل دعا إلى إعادة دراستهم، والكشف عن الدور الشعري المهم الذي أدّوه. وكان يقول إنه لولا هؤلاء الشعراء، وبخاصةٍ لولا تجديداتهم وابتكاراتهم، سواء في الشكل أو في المضمون، لما أمكن لشعراء الموجة الجديدة يومها أن يظهروا، وأن يكون لهم شأن. وكان البياتي يعدّد من هؤلاء الشعراء جماعة أبولو في مصر، وشعراء المهجر، وشعراء لبنان مثل الياس أبو شبكة وسعيد عقل ويوسف غصوب وسواهم.
والواقع أن البياتي لم يكن مخطئاً في نظرته هذه إلى هؤلاء الشعراء العرب المغبونين، الذين ضاعوا وسط الهياج الإعلامي لشعراء التفعيلة، والانحياز الواسع لهؤلاء من قبل نقاد كثيرين اعتبروا التفعيلة خشبة الخلاص للشعر العربي، وانصرفوا عن كل شيء آخر لم يُكتب على أسلوبها. وإذا كان البياتي قد اكتفى بملاحظته هذه، ولم يعمد إلى تأييدها ببحث أو دراسة، (وهو ما لم يكن قادراً عليه أصلاً) فإن رفيقته في الشعر التفعيلي نازك الملائكة أنجزت في عام 1965م كتاباً كاملاً عن علي محمود طه، أحد أبرز شعراء أبولو، وبالتالي شعراء الموجة التي سبقت مباشرة حركة الشعر الحرّ.. وهذا إن دلّ على شيء، فعلى إهمية الشاعر علي محمود طه وجيله الشعري، خاصة أن نازك كانت طليعة الشعر الحرّ، أو الشعر الجديد، كما سُمّي يومها.
وإذا كان من غير الممكن الإحاطة في مقال واحد بكل أولئك الشعراء المغبونين الذين أشرنا إليهم آنفاً، تمهيداً لردّ الاعتبار إليهم ورفع الجور عنهم، فإننا سنكتفي في هذا المقال بالتعرض لعلي محمود طه، الذي يُلقب «بشاعر الجندول» وهي القصيدة التي يغنيها له المطرب محمد عبدالوهاب. فهو نموذج هؤلاء الشعراء الذين طواهم النسيان، والذين في الوقت نفسه تقطر سيرتهم شعراً وشاعرية. على أن هذا لا يعني أن الدارسين الذين تناولوا شعره أجمعوا على عظمة هذا الشعر ورفعة منزلته. فهذا ليس مألوفاً عادة في عالم الدرس والنقد. فالدكتور شوقي ضيف، على سبيل المثال، لم يعجبه شعره وهذا من حقه بالطبع. فقد كتب مرة في كتاب له عنوانه: (دراسات في الشعر العربي المعاصر) أن علي محمود طه هو شاعر «الألفاظ الخلاّبة» وأنه كان «خالياً من المعنى والروح» لأنه ليس له رصيد من الفكر والفهم للحياة أو الخبرة الروحية أو النفسية. أي أنه اتهمه بالخفّة والسطحية.
ولكن نقاداً آخرين بارزين خالفوا الدكتور شوقي ضيف في ما ذهب إليه، منهم الدكتور محمد مندور الذي ذكر يومها: «إن زميلنا الدكتور شوقي ضيف قد ظلم الشاعر علي محمود طه بهذا الحكم ظلماً بيّناً، ذلك لأن علي محمود طه لا يجوز أن يُتَّهم برصف الألفاظ وهو الشاعر الملحق الصادق الشعور الذي تأثر بمشاهداته وتجارب حياته أبلغ التأثير ونقل كل ذلك إلى جو شعري نافذ العطر بفضل خصائص هذه اللغة الشعرية التي ينتقدها الزميل، ثم بفضل حسّه الموسيقي المرهف الذي مكّنه من السيطرة على أصوات اللغة، سيطرة فريدة عند دعاة التجديد في شعرنا الحديث.
وكل ذلك فضلاً عن الاتجاهات النفسية الواضحة في شعره وضوحاً يكاد يرفعها إلى مصاف المذاهب الشعرية المتميزة المستندة إلى فلسفات محددة.
وتردّ نازك الملائكة على أحكام شوقي ضيف فتقول: ولعل القارئ الذي يعرف علي محمود طه معرفة عابرة تقتصر على قصائده العاطفية المشهورة يحسبه شاعر حب وغناء لا ترقى شاعريته إلى أبعد من الأغنية الشعرية الحسية وقصيدة المناسبة المتحمسة. «ولعل هذه النظرة دارجة حتى لدى بعض المطلعين من الأدباء والنقاد، مثل ذلك الرأي للدكتور محمد مندور قال فيه نصاً: «إن علي محمود طه بطبعه أبعد ما يكون عن الروحانية والتأمل الذاتي».
والدراسة العميقة لشعر علي محمود طه لا بد أن تنتهي بنظر نازك إلى عكس هذا الرأي. «فإن علي محمود طه روحاني بطبعه، كثير العكوف على التأمل الذاتي، وقد ترك من القصائد في هذا الباب ما يكاد يزيد على شعره العطافي. فإذا لاح هذا الاتجاه النفسي مناقضاً لموقف الشاعر في قصائده الوصفية الغنائية وقصائد العبث، فإن هذا التعارض ظاهري وحسب». وقد درست نازك الملائكة الظاهرة الفكرية في شعره وتوصلت إلى نتيجة مفادها أنه ارتفع به عن مرتبة الحسية إلى آفاق الروحانية والفكر والخيال ما يجعله أجمل شعره وأروعه على الإطلاق!.
ورأى دريني خشبة، وهو من نقاد ذلك الزمان، أن علي محمود طه كان صادقاً في كل ما قال. فشاعريته كالروح التي تتدفق في الجسم الحي، وهي لا تتدفق حكمة كما تتدفق شاعرية المتنبي. ولا فلسفة وتشاؤماً كشاعرية أبي العلاء والخيام، ولا وصفاً للطبيعة واندماجاً فيها كشاعرية ذي الرمة مثلاً، لكنها تتدفق غناء كشاعرية البحتري. فهي تترقرق سحراً كما تترقرق غناء حتى في منظومات الألم والأسى.
ورأي نقاد آخرون قربى روحية بين علي محمود طه والشعراء الرومانسيين والرمزيين الفرنسيين مثل بودلير، وألفرد دو موسيه، ولامارتين، فموضوعات الشاعر المصري تقترب من موضوعات بودلير في (أزهار الشر) التي تدور حول الحب والإثم والشهوة والسخط والخمر والألم والشقاء. ولمح الدكتور طه حسين تأثره بألفرد دو موسيه، فقال: وأحسّ في بعض قصائده روحاً لهذا الشاعر الفرنسي، ولكني لا أدري أهي روح الذي قرأ فتأثر، أم هي روح الذي أحسّ فتألم، فشكى، فلقي موسيه في هذا كله أو في بعضه. والواقع أن علي محمود طه شاعر غنائي، وقد ظهرت غنائيته بصورة خاصة في شعره الغزلي وشعره الوصفي في الطبيعة. ولكن ذلك لا يعني أن الشاعر لم يجمع إلى جانب ذلك العمق والفكر والفلسفة الخاصة به. وقد فتنت غنائيته عدداً من نقاد الأدب منهم كمال النجمي الذي كتب عنه: «علي محمود طه نجم شاعر يسبح في مداره فيبصح بالغناء والموسيقى والإيقاعات الراقصة تنبعث من وجدانه، لا من تفعيلاته وأوزانه، فالغناء جوهر شاعريته، وما أبياته إلا شعاع هذا الجوهر الشعري، وذبذباته الصوتية ترتسم على الورق كما ترتسم ذبذبات الصوت الجميل على الاسطوانة أو شريط التسجيل».
ثمة دراسات كثيرة عن علي محمود طه الذي رأى فيه كثيرون من معاصريه جدّة في الاهتمامات. كان غناؤه الشعري جديداً من دون أن يضرب بمعوله عمود الشعر العربي. لم يسخر من الأساليب الفصيحة كما سخر منها بعض معاصريه الذين سقطوا في الرموز العشوائية والعلاقات اللافتة بين الأفاظ. ويبدو أن بعضهم، وبسبب ذلك، ألحقه بزمرة الكلاسيكيين من شعراء زمانه، وهو لم يكن كذلك لأنه ظل أميناً لتقاليد الشعر العربي مع تحليق لا يُتكئ في سماء المعاني والصور الجديدة.
على أن كل ما ينبغي التوقع عنده هو ضرورة إعادة تقييم عصر علي محمود طه من ضمنه هذا الشاعر النابه، الذي كان من أبرز شعراء أبولو، وتقييم العصور الأدبية هو من ضمن مهمات النقد، كما يقول شيوخه وأستاذته.
محمد عبدالوهاب
شوقي ضيف
عبدالوهاب البياتي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.