ولست بمستبق أخاً لا تلمه .. على شعث أي الرجال المهذب؟ الكرام يلتمسون الأعذار لمن يخطئ ويتغاضون عن كثير من القصور ويتغابون عن الزلات والهفوات لأنهم يعلمون ان الإنسان بشر يخطئ ويصيب، وان أخطاء البشر أكثر من صوابهم في الغالب، وانه لا يوجد إنسان كامل فالكمال التام لله وحده جل في علاه، أما بنو آدم فكلهم خطاؤون، وخير الخطائين التوابون. كما يدرك الكرماء والحكماء ان هناك أعذاراً بادية أو خافية لكثير من الأخطاء وعديد من أوجه النقص والقصور.. فلا يستقصون أخطاء الآخرين، ولا يتبعون هفواتهم ولا يعدون عليهم الذنوب. وبهذا تستمر العشرة الطيبة بين الزوجين والعلاقة الجميلة بين الآباء والأبناء وبين الاخوان بعضهم مع بعض والأقارب بشكل عام وزملاء العمل والجلسات والأصدقاء. والفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان عبقرياً قوياً ويمتاز بالحكمة والذكاء وهو صاحب الحكمة الشهيرة: (اعقل الناس أعذرهم للناس..) وكان يقول: (لست بخبء ولكن الخبء لا يخدعني..) وقد صدق رضي الله عنه وأرضاه، فلم يكن يخدع أحداً ولكنه يكشف المخادعين والخداع يختلف عن الخطأ فإن الأول يتم بسوء نية وعن سابق قصد وترصد وتصميم على نيل نفع شخصي مقابل الاضرار بالطرف الآخر (المخدوع).. أما الأخطاء فهي تقع عفواً في أكثر الأحيان، وكذلك القصور والنقص وربما التقطيب والعبوس كل ذلك قد يكون لصاحبه عذر معلوم أو مجهول فقد يكون مصاباً بالاكتئاب أو عنده مشكلة عائلية أو مالية جعلته معدوم التركيز مقطب الوجه يقترف الخطأ غصباً عنه، فإن الإنسان ضعيف مجرد، ألم ضرس يقلب مزاجه رأساً على عقب! والعرب تحض على التغافل والتغابي ويرون ذلك نصف الحكمة وسبب للسيادة: من الرأي سامح صاحبك لا تعاتبه .. إلى زل أو ابطا بشي تراقبه ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي كما يدل على الدهاء ورجاحة العقل والمعرفة بطبائع البشر: وقد يتغابى المرء من عظم ماله ومن تحت ثوبيه المغيرة أو عمرو فدهاة العرب معاوية وزياد بن أبيه وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبه، والذي يتغابى عن الأخطاء ويتغافل عن قصور الناس يدل بفعله هذا على الذكاء والدهاء وعلى كرم الخلق فإنه ما استقصى كريم قط، ولا التمس الأعذار للناس الا عاقل كريم الممتد مدرك للعواقب.. يعيد التماس العذر للنفس روحها ويخمد جمر الشر قبل شبوبه عجبت لحر يستحي باعتذاره وأولى به ان يستحي بذنوبه فاكر الكريم لا يستحي ان يعتذر عن ذنب ارتكبه في حق الآخرين، لأنه واثق من نفسه، عارف انه لا يوجد من لا يخطئ وان (دية الذنب الاعتذار) ومما ينسب للإمام الشافعي: اقبل معاذير من يأتيك معتذرا ان بر عندك فيما قال أو فجرا لقد أطاعك من يرضيك ظاهره وقد أجلك من يعطيك متسترا والمقصود بقوله (فجرا) أي كذب أو بالأحرى تجمل لكي يقبل عذره). وبعض الناس ليس حلو المنطق ولا باسم الوجه ولكنه رغم ذلك طيب المخبر والإنسان لا يحكم على الظاهر فقط ولا يحب أو يكره لمجرد المظهر أو للانطباع الأول وهذا ما عبر عنه شاعر جاهلي فقال: جامل الناس إذا ناجيتهم إنما الناس كأمثال الشجر منهم المذموم في منظره وهو صلب عوده حلو الثمر ولزهير بن أبي سلمى (وهي حكمة قد لا يقتنع بها الشباب والمراهقون حتى يجربوا كثيراً!!) ومن لا يصانع في أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطوأ بمنسم وللشاعر الشعبي محمد بن مسلم وقد أبدع: من الراي سامح صاحبك لا تعاتبه إلى زل أو ابطأ بشيء تراقبه خذ ما تيسر منه واستر خماله إلى عاد نفسك في ملاماه راغبه وان كنت في كل المشاجي موادب رفيقك ما تلقى الذي ما توادبه فمن لا يسامح صاحبه عند زله خلاه صرف البين من غير صاحب وللصاحب الصافي حقوق لوازم خمس وهي في سمت الاجواد واجبه: إلى زار اكرام وإلى صد ينشده وإلى زل غفران وإلى عاب كاتبه والخامسه ان جاك في حد عازه بتصفق به الدنيا واسعاً فيه لاغبه تلقاه بالمجهود وعجل فربما تحمد مكافآته إلى جتك نايبه