قبل قرابة العامين تقريباً أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- بدعم الأندية الأدبية في المملكة، وتخصيص مبلغ مقداره عشرة ملايين ريال لكل نادٍ أدبي، إلا أن هذه الدعم لم يلقَ بوجه عام الصدى المأمول فيما قدمته وما تزال تقدمه الأندية، وخاصة فيما مجال تبني الكُتاب الشباب وطباعة إنتاجياتهم الأدبية المختلفة شعرا كان نتاجهم أو نثرا.. رغم ما تمثله المؤسسات الأدبية والثقافية للشباب من أهمية كبرى تجاه احتواء مواهبهم وصقل مواهبهم الإبداعية، والإسهام بدور فاعل في طباعة نتاجهم الأدبي. إن واقع الأندية الأدبية الثقافية أمام هذه الشريحة الهامة من شرائح المجتمع.. يعيد التساؤل عن المعوقات التي ما تزال "حجر عثرة" أمام احتواء المواهب الشابة من جانب؟ وعن نصيب هذه المواهب من الدعم السخي فيما تقيمه الأندية الأدبية من برامج لا تزال - بوجه عام - تتجاهل الاهتمام بهذه الفئة إلا فيما ندر وجوده من إقامة أمسية هنا، أو طباعة نتاج أدبي هناك. يقول الدكتور مسفر القعيب الأكاديمي بقسم الخدمة الاجتماعية بجامعة الملك سعود: من أبرز المعوقات المانعة تتحدد فيما يسمى بالعولمة حيث تعتبر عائقاً كبيراً ومهماً يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار لدى الأندية الأدبية والمؤسسات الثقافية و الاجتماعية ككل،إذ إنها وفق هذا التحدي الطاغي على واقع المجتمع السعودي يستوجب عليها أن تقوم بتقديم نموذج فكري وإبداعي يتسم بالوعي والإغراء ومغاير لكل الأساليب القديمة ومركز على الأهداف السامية والاستراتيجية والتي قسمها الخبراء والأكاديميون إلى أهداف بعيدة المدى وأهداف قريبة المدى تكون خادمة ومساهمة بشكل كبير في الوصول إلى الغاية الأسمى والمطوح لها.. مختتما حديثه بالتأكيد على أن الثقافة في أساسها إذا لم تُحقق تأصيلاً فكرياً موجهاً للمبدعين الشباب على كافة المستويات فإنها تتخلى عن مركزيتها وتعطي المساحة للواقع الإنترنتي الذي يساهم فيما يسمى ب"اللامعيارية" التي تأسس لعدم الأمن الفكري والثقافي والوطني أيضاً. أما المحاضر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الأستاذ مساعد الطيار، فقد أشار إلى أن قوة أي مجتمع تتمثل في شبابه، لكون الشباب يمثلون النسبة الأكبر في المجتمع ، مشيرا إلى أن الاهتمام بالشباب واجب وطني من قبل كافة المؤسسات بما في ذلك الأندية الأدبية والثقافية لأنه أحد فئات المجتمع وأهمها. ومضى الطيار قائلا: الشباب لديه احتياجات قد لا يدركها الكثيرون ، وإشباع احتياجاته مطلب مجتمعي حتى يحافظ على قوته الفكرية وذلك عن طريق المؤسسات الثقافية سواءً كانت حكومية أو أهلية ، وللأسف نرى أن الدور الذي تقوم به تلك المؤسسات الثقافية والمعنية بالتنمية الفكرية مجرد دور هامشي أو ثانوي في الأدوار والقرارات التي تخصهم ، للأسف أن من يدير الشباب هو من عاشوا في زمناً غير زمنهم ،وعاشروا جيلاً غير جيلهم ، وأصبحت القرارات والمشروعات التي تمشي باستحياء هي من صنع غيرهم ، لذلك لا تسأل عن غياب الشباب عن المشاركة الثقافية في الأندية والمؤسسات المعنية التي خلال فترات مضت لم يكن لهم دورٌ فيها ولا في صياغة مجالسها أو المساهمة في برامجها.. مختتما حديثه بأن إهمال الشباب فكرياً وإبداعياً هو إضعاف للمجتمع، مشيرا إلى أنه إذا أردنا أن نعرف مصير أمة فلننظر لحال شبابها، فهم نصف الحاضر وكل المستقبل. من جانب آخر تطرق مشعل صقر - المبتعث في أمريكا لإكمال دراسته العليا - إلى أن الوضع في الأندية الأدبية خصوصاً ليس مشجعا، معللا ذلك بأن أغلب المبدعين و من الفئة الشبابية لا تلجأ إلى الأندية الأدبية لتحقيق ذواتها ولتحقيق ما تريد بقدر ما تلجأ لدور النشر لأنها استطاعت الوصول والترويج إلى الكاتب والمبدع الشاب أكثر من الأندية الأدبية والتي نجدها محصورة في اتجاه معين ومحدودة جداً لا تتسع لكل الأشكال الإبداعية بل إنها كثيراً ما تمارس الاحتكار الفكري وتحاول تنميطه فأغلب المحاضرات الثقافية هي فقط لا تتجاوز أشياء تحمل نفس الخصائص ونفس المتلقين والزائرين الدائمين وكأن عناوين تلك المحاضرات هم الفعل الثقافي الوحيد. وقال صقر: أنا لا أتصور أن هذا السلوك المؤسساتي له علاقة بالدعم أو بعدم الدعم وإن كان المال هو عصب التطور على المستوى المادي لكنه ليس مسؤولاً عن التنمية الفكرية؛لأنها لا تحتاج إلى دعم مالي بقدر ما تحتاج إلى وعي فكري وأخلاقي في المقدمة، فما المانع أن يكون هناك حلقات نقاش حول الكُتب الفكرية كما أرى في أمريكا وفي صالاتها الثقافية وبجهود فردية تتبناها الصالات الثقافية فبإمكان أي قارئ أن يقدم اقتراحاً نحو كتاب معين لمناقشته ويتم ذلك بعد التصويت عليه بطريقة سلسلة وبسيطة خالية من التعقيدات البيروقراطية والشكلية ودون أن يقف المناقش خلف طاولة عريضة وميكرفون سيىء الجودة بل بأسلوب دائري يشبه الجلسات العلاجية مع الترتيب لكل متحدث وإعطائه فرصة كافية. كما أعتبر ماجد العتيبي صاحب كتاب ب"أقصى زرقه ممكنة" أن لجوئه لدور النشر لأنه ليس مع فكرة التبني المؤسساتي للأدب، فالأدب فن بشري لا يقبل التحديد أو التقنين أو المناطقية.. مشيرا إلى أن الأنشطة التي تقام في الأندية الأدبية غالبا ما تتسم بالتكرار مع استثناءات بسيطة.. مختتما حديثه بالتأكيد على أن البيروقراطية في الأندية الأدبية تقلص العمل والمنتج الأدبي. أما محمد القاسم فوصف الأندية الأدبية بأنها حالة من اللاجدوى قائلاً: لماذا لا يتم هناك تنوع في الموضوعات المطروحة؟ وما قيمة النخبة الآن التي تتولى كراسي المحاضرات في ظل بروز المثقف الشعبي، ذلك المثقف الذي يحمل تقنية كتابة أكثر معاصرة لوقته الذي يعيش فيه، أريد أن أفهم ما فائدة أن تعقد ندوات في الأندية الثقافية عن الشعر العباسي مثلاً أو الشعر الأموي أو أو أو، بينما هناك الكثير من الموضوعات العصرية التي تستحق منا التفاتة أكثر صدقاً وتناول أكثر نضجاً وحديث أكثر شوقاً، فالكثير من الأقلام الشبابية المبدعة لم تلتفت إليها الأندية الأدبية رغم أنهُ هو الواجب المترتب عليها وليس على الكاتب سواءً كان شاعراً أو قاصاً. وعن تجربته الخاصة في هذا السياق قال القاسم: إننا نجد أن أصحاب دور النشر السعودية وغير السعودية أكثر اهتماماً بنا فأنت من خلال رسالة الكترونية مع دار نشر تستطيع أن تنشر وأن يكون لما تنشر مردود على مستوى الوصول إلى شريحة أكبر من المتلقين وكذلك مردود مادي مجزئ ومغرٍ في نفس الوقت، عوضاً عن الاحترافية التي تقدمها تلك الدور، إننا وللأسف نحن معشر الشباب لا نعرف عن الأدبية سوى المعنى الحقيقي للخذلان ليس لنا فقط بل أيضاً للأكاديميين المتميزين في الطرح مقارنة مع الآخرين الذي يحتلونها وينظمونها. من جانبه تطرق القاص يوسف حماد إلى أن الأندية الأدبية محليا وعربيا على مر تارخها لم تتبن المبدع إطلاقاً فلم يخرج مثلاً نجيب محفوظ من النادي الأدبي المصري؛وإنما فرض أعماله بوصفه كاتباً حقيقياً ومستقلاً لا ينتظر من الآخرين سواءً كانوا مؤسسات أو أشخاص أن يمدوا أيديهم لمساعدته، فالأندية الأدبية في جوهرها وتنظيمها قائمة على سياسات بيروقراطية معينة تمثل هذه السياسيات أحجاراً إسمنتية تفصل بين المبدع وبين الاستقبال المؤسساتي له والتي تمارس الحوكمة النقدية أكثر مما أن تشارك في عملية البناء ودفعها إلى الإمام. ويشير من جانب آخر ناصر الغازي في حديثه إلى أن الأندية الأدبية أشبه بالمحاصرة الإبداعية للكتاب،العملية الأدبية والإبداعية إذا حددناها قتلناها، لكون العملية لا تؤمن سوى بالأفق الواسع و اللامحدود، فالإبداع لا يؤمن بالتقنين حتى وإن كانت تحمل في طياتها الكثير من القدرة المالية والتي عبر التاريخ لم تصنع شيئاً مهماً، فالأشياء المهمة تنبع من العدم. وأضاف الغازي قوله: إن سألتني ماذا على المؤسسات والأندية الأدبية أن تفعل للمبدعين الشباب لنشر أعمالهم؟ سأجيبك بأن الشيء الوحيد الذي عليهم أن يفعلوه أن يتركوهم وشأنهم بدلاً من أن يمارسوا عليهم الإغراء المادي أو الخوف و العقاب، وأن يتركوهم لأحاسيسهم والمعاني العميقة التي يبحثون عنها ويريدون أن يجدوها لا بشكلها الحقيقي المجرد وإنما بشكلها الفني التخيلي، فالكتابة والأدب ليست مهنتين أو عملية اقتصادية ربحية تعتمد على النشر بوصفه جالباً للمال، فالكاتب عليه أن يكتب لا ليعيش ويحصد المال أو الشهرة بل امتثالاً لرغبة سرية ملحة بداخله!. وعن دور هذه المؤسسات بيّن الشاعر فيصل الغامدي أن الموهبة ليست الشهرة أو التبني، مشيرا إلى أن الموهبة أشبه بالسير بين السهل والصعب وأشبه بسر مكمن شهرته هو أنه لا يعرفه أحد.. وأردف: إذا اعتبرنا أن هذا هو المحدد الرئيسي للحكاية فسوف يسهل علينا المشي وسوف لا نتعب ما الشاعر سوى إنسان استقامت على فؤاده قصائد الآخرين، ما الطريق إلى القصيدة سوى قصة وخاطرة ومقال، ليس هناك اختراع أو بلوغ لسماء ثامنة لكنه طرق روحي في طريق معبدة بالتأويل كم يعز على النفس أن ترى كل هذه المنابر وقد أحيطت بكل هؤلاء هذه البروقراطية! فكيف يمكن بعد ذلك أن نسميه أدباً ؟ في الأوساط احتدام كبير تتجلى فيه نزعة النفس البشرية في أن تظهر وتشرق، لكنها كلما أشرقت نسيت أن هناك جانباً آخر أشد ظلمة في جانب آخر أشد عتمة وظلاماً ، ذلك أنها تريد لنفسها كل شيء، فتتحول المنافسة إلى إقصاء، وبدلاً من أن تمتطي حصان الرهافة نراها تمتطي ثور الرغبة، وبدلاً من أن نراها تخطف الأبصار وتقفز الحواجز، نراها تناطح الجهات وتعمي البصائر! وقال الغامدي: إذا كان المضمار هو ( ناد أدبي ) يفترض فيه أن يكون منبعاً للفكر والإبداع والألق فإننا سوف نفترض بأنه علينا - أيضا - ألا نفترض أن جميع من يقومون على هذه المؤسسات قادة إبداع فهذا خطأ، ومن الخطأ - أيضا - أن لا نراهن على نزر يسير من الملائكية الإبداعية المبثوثة في النفس قسراً، لكنه نزر يسير يتآكل بفعل عوامل " الشللية " والرفقة والصداقة وكل مآزق الإنسان الأخرى المتأصلة فيه بوصفه بشراً. وختم الغامدي حديثه قائلا: كيف يمكنك وأنت تقوم على ناد أدبي أن تقدمني وشعري لا يعجبك .. ومظهري لا يعجبك ..وإلقائي لا يعجبك ؟ لكنك رغماً عنك تعطيني فرصتي كاملة ثم تدير لي ظهرك بوصفك ملاكاً لا يظهر إلا في الليالي الحالمات ؟! ولأن المحايد ليس له أصدقاء فإن مساحة الظل لديه أكبر، ومادام ليست لديه الأدوات اللازمة للتسلق فسوف يتعب ..فهل ينتشله النادي الأدبي الذي تم دعمه بالملايين .؟ وهل تفعل هذه الملايين فعلها في كسر كل أطواق الرتابة والمداهنة والنمطية،إنه مخاض أنفس وولادة متعسرة.. ولذلك ربما أعتبر كل ما نؤمله أمام واقع ما تقدمه الأندية الأدبية.. بأنه الرهان الخاسر! مساعد الطيار د. سعد القعيب ناصر الغازي ماجد العتيبي يوسف حماد