مسؤولية كبرى نظرة القاص صلاح القرشي تبدو متفائلة لمستقبل الأندية الأدبية ما بعد تجربة الانتخابات، والتي عبّر عنها بقوله: أنا متفائل جدًّا فيما يخص الإدارات المنتخبة في الأندية الأدبية، وأعتقد أن هذه الإدارات المنتخبة ستكون أمام مسؤولية كبرى من جهة الجمعية العمومية، ومن جهة البرامج الانتخابية التي قدمها الأفراد المنتخبون.. أعتقد أن الأمر بمجمله سيكون أفضل في كثير من الأندية الأدبية، لكن الأهم من هذا وذاك هو تكريس فكرة الانتخابات والجمعيات العمومية، وهذا بحد ذاته أمر جيد جدًّا، لذلك فالمطلوب من الإدارات المنتخبة هو الانفتاح على الجمعيات العمومية للأندية، واستقطاب الكفاءات منها، وتحقيق جزء من الوعود التي قدمت قبل الانتخابات. مفاهيم جديدة ويركز الشاعر محمد خضر في حديثه على النقطة الأخيرة من حديث القرشي المتعلقة بالبرامج الانتخابية، وذلك في ساق قوله: أتمنى أن تكون الخطوات المقبلة للأندية الأدبية في المرحلة المستقبلية أن تتفق مع تحقيق حلم الانتخابات الذي تحقق، والذي يشير إلى ديمقراطية الحراك الثقافي كما نتمنى، وأن تكون هذه الإدارات الجديدة التي جاءت وفقًا لهذا المفهوم إضافة ورؤية جديدة وحديثة؛ ليس فقط على صعيد الفعاليات والأنشطة وأجندة الأندية الأدبية؛ بل أن تعمل على مفاهيم جديدة للنادي الأدبي بتفعيل دوره في نواحي الثقافة المتعددة، خصوصًا وأن مسؤولية الحراك الثقافي قد أصبحت بأيديهم الآن بشكل مستقل، وأن تفيد من صلاحياتها الجديدة، كذلك كنت قد اقترحت منذ زمن أن تكون هناك لجان تنبثق عن الأندية الأدبية في المدن، منطلقة إلى ضواحيها مما يمكن أن يتسع برقعة النشاط ويتيح قنوات أخرى تعود إلى إدارة النادي المركزية. مهام بيد الجمعية العمومية سمة التفاؤل العام لم تغب عن حديث الكاتبة تهاني الصبيحة، حيث تقول: أعتقد أن الأندية الجديدة جاءت بثوب ألبسها إياه الناس؛ أعني الناخبين والناخبات الذين صوتوا لهم، وبالتالي فإن مهامهم يحددها أعضاء الجمعية العمومية من خلال المطالبات والنداءات التي يوجهونها لهم، لتصبح الصلة بين الأندية الأدبية والمثقفين تبادل بين الأفكار والرؤى، ومواجهة واضحة بين وجهات النظر دون تواري خلف المجاملات، كما على الإدارات الجديدة تحديد مهامها وأهدافها وتوجهاتها، والبحث عن تطلعات المنطقة وآمالها كي يتم تحقيقها بما ينهض بقيمة هذا الوطن العظيم ويعلي شأن أفراده. دعم ورعاية القاص فهد الخليوي آثر أن يستهل حديثه بامتداح التجربة الديمقراطية التي مورست في هذه الانتخابات، وذلك بقوله: الانتخاب بحد ذاته ظاهرة ديمقراطية مبهجة، والمؤسسة التي تنتهج أسلوب الانتخابات في إدارتها تعتبر مؤسسة ناجحة بكل المقاييس، والقيادة المنتخبة هي قيادة تعمل وتنتج وفق معايير دقيقة بعيدة عن المحاباة و الحسابات المغلوطة. ولا شك بأن تجربة الانتخابات في مجالسنا الأدبية تعد من التجارب الحضارية الجديرة بكل التقدير والاحترام بغض النظر عن بعض التكتلات الفئوية التي صاحبتها. ماضيًا إلى القول: إن من الصعب الحكم سلبًا أو إيجابًا على إدارات جديدة لا زالت في طور التشكل والتحوّل دون أن تعطى فرصة من الوقت، فالمطلوب والمنتظر من الإدارات المنتخبة يتلخص برأيي في تحقيق آمال وطموحات الأدباء وهي كثيرة؛ لعل أهمها إنشاء صندوق خيري للأدباء وتشجيعهم معنويًا وماديًا أكثر من ذي قبل، والتركيز على رعاية المواهب الإبداعية عند الشباب من خلال طباعة نتاجهم، وإقامة أمسيات للمتميزين منهم، كما أن المطلوب من الإدارات الجديدة أن تتميز أنشطتها ومنشوراتها الأدبية والثقافية القادمة ب»النوع» وليس ب»الكم» حتى تستطيع تأدية رسالتها على الوجه الأكمل. بوصلة مفقودة وعلى خلاف النظرة التفاؤلية لمآل الأندية الأدبية بعد الانتخابات، يقف الكاتب عمرو العامري على الرصيف الآخر ملقيًا بنظرة تشاؤمية، ساقها في قوله: إن الإدارات الجديدة لن تختلف عن الإدارات القديمة.. فكثير من الأندية عادت بنفس الأسماء والوجوه القديمة أو بجزء منها، وكان الأجدى أن تغادر جميع الأسماء السابقة، فقد قدمت ما لديها إن كانت قد قدمت شيئًا، وأن تفسح المجال لآخرين فقد يقدمون شيئًا مختلفًا. ويضيف العامري: إن اللجوء إلى التصويت والعد فقط قد يحمل أي شخص لرئاسة النادي الأدبي عبر التكتلات والوعد باقتسام المغانم، وليس عبر طرح مشروع ثقافي يقدمه المرشح.. وليس عبر رؤيته لما ينوي تقديمه، كما يطرح أي سياسي مشروعه ووعوده الانتخابية. مختتمًا بقوله: لقد أبرزت ظاهرة الانتخابات بؤس وهشاشة المثقف وانتهازية البعض، وأوضحت بجلاء أن مجتمعنا يفتقد للمثقف الشجاع المتسم بالنبل والموافق.. فما أشبه الليلة بالبارحة، وأنا على يقين أننا لن نر مشهدًا ثقافيًّا مختلفًا أبدًا؛ لأن الكل يفتقر إلى البوصلة وإلى فهم ماهية رسالة الثقافة في المجتمع. واقع مغاير وتشارك الشاعرة ميسون أبوبكر بقولها: الانتخابات تمت حسب رغبة المثقفين، وبناء على مطالبتهم بهذا الأمر، أي الانتخاب بدلًا من التعيين، وكان من المتوقع أن يهرع المثقفون للانتساب للجمعيات العمومية، أو المشاركة أيضًا في الانتخابات، لكن الواقع كان عكس المتوقع كما حدث في النادي الثقافي الأدبي بجدة، في ثاني أكبر مدن المملكة وأكثرها حيوية، كما للأسف شهدنا بعض الاعتراضات والاستقالات من البعض على قلتهم، رغم ما سخرته الوزارة من إمكانات لإنجاح تطبيق اللائحة الجديدة للأندية وانتخاباتها بما كان من المفروض أن يخدم الحركة الثقافية. وتحدد ميسون المطلوب من هذه الإدارات والمثقفين على حد سواء قائلة: إن المطلوب من المثقف أن يتنزه عن السجالات والخلافات التي لا تقدم بل تؤخر في المشهد الثقافي، كذلك المطلوب منه التفاعل مع نشاطات الأندية والتفاعل في وضع الخطط والتأثير الواضح، كما المؤمل من الإدارات الجديدة أن يكون الهم الثقافي هو ما يوضع على طاولة النقاش والتنفيذ بعيدًا عن المجاملات والاستعراض الإعلامي كما لو أن النادي الأدبي وضع لإبراز ذات البعض دون أن يخدم هذا المثقف أو يغني ويثري المشهد الثقافي بشيء؛ بالرغم من الاهتمام الكبير والجهود المتواصلة من الدولة لخدمة هذه الأندية الأدبية التي تنتظر اليوم دور مبدعيها. هجوم على المثقفين الكاتب أحمد الهلال قال: كثر الحديث مؤخّرًا عن سياسة التغيير في الأندية الأدبية، ومدى جدوى هذا التغيير، وبرغم ضرورة إعادة تشكيل مجالس الأندية الأدبية لدينا إلا أنّ هناك سؤالًا مهمًا وملحًا في ذات الوقت حول فاعلية هذا التغيير ومدى تأثيره على الواقع الثقافي المحلي على وجه الخصوص.. وأنا هنا بداية لا أدافع عن الأندية الأدبية ومجالس إداراتها السابقة؛ ولكنني فقط أطالب بوقفة تقييم مع مراعاة تفاوت الأداء لهذه الأندية الأدبية، ومن ثم اختلاف قوة التأثير في المشهد الثقافي المحلي، فلا يمكن لأي منصف أن يغفل الدور الذي لعبته الأندية الأدبية في المرحلة الراهنة؛ سواء على الصعيد الأدبي أو الثقافي بشكل عام، كما لا يمكن لمنصف أيضًا أن يغفل دور المجتمع، ومستوى الوعي لدى أفراده للتواصل مع هذه الأندية الأدبية، ومن ثم الدور التكاملي الذي يمكن أن يمثل تلك الدافعية لهذه الأندية لأداء رسالتها على الوجه الأكمل من جهة، وتوسيع قاعدتها الشعبية لدى المتلقي من جهة أخرى. ويتابع الهلال حديثه مضيفًا: وهنا لا بد لنا من وقفة تأمل ودراسة متأنية لواقعنا الفكري والثقافي، في ظل التحديات التي تعيشها المنطقة، خاصة وأن هناك لاعبًا آخر لا يمكن أن نغفل دوره في هذه المسيرة؛ وهم ثلة من الأكاديميين، وممن يعول عليهم الكثير في المشاركة ضمن هذه المسيرة الثقافية، وتدعيم المشروع التنموي التنويري وفقًا للثوابت الشرعية بطبيعة الحال، وبرغم أننا نلحظ وبوضوح شيئًا من الركود والتراجع على مستوى الساحة المحلية، فلا يمكن أن نقارن الحراك الأدبي والثقافي قبل عشرين سنة مثلًا بما نشاهده اليوم من سبات عميق، برغم أن أولئك الذين كانوا شعلة ثقافية في ذلك الوقت لم يكونوا يحملون شهادات الدكتوراه أو سواها من الشهادات العليا؛ ولكننا عندما نتذكر ذلك النتاج الفكري، وتلك المعارك الأدبية التي كانت تنبئ عن قدره فائقة، وذائقة أدبية راقية؛ فإننا نرثي للواقع الأدبي الذي نعيشه اليوم، وعلى الرغم من عزوف هذه الفئة التي نعدها من النخب الثقافية في البلد إلا أنهم ما مافتئوا يتحينون الفرص لمهاجمة مؤسساتنا الثقافية والأندية الأدبية على وجه الخصوص، وانتقاد أدائها؛ برغم أن معظم هؤلاء الأكاديميين - وهذا ما يعرفه جميع مرتادي الأندية الأدبية - قلما يتواصلون مع الأندية الأدبية؛ بل إن بعضهم لم يحضر أي من تلك المناشط التي تقام، ولا يعرف أين موقع النادي الأدبي من المدينة التي يقطن فيها، والمتلقي يدرك تمامًا أن مشروع تنمية المجتمع ثقافيًا يتحمل العبء الأكبر منه هؤلاء الأكاديميون، الذين يعيشون في أبراج عاجية من أوهام خلقت في عقولهم، وطبلوا لها حتى صدقوها.. وإنني كمتلقي أتساءل عن دورهم في تنوير المجتمع والارتقاء بوعي المجتمع وذائقته الأدبية؛ بل إن بعضهم عندما سئل عن الجديد في مشاريعه النقدية أوضح أنه لا يوجد مشروع إبداعي في المملكة العربية السعودية يستحق النقد.. هكذا وبكل استعلاء. فماذا قدم هؤلاء خلال عشرين سنة مضت سوى أنهم «صدعوا» رؤوسنا بالحداثة، وتلك المعارك حول رفض هذا المنهج أو قبوله، وبرغم أن الآخر قد تجاوز هذه المرحلة بكثير سواء ما بعد الحداثة أو العولمة. ويمضي الهلال في حديثه مضيفًا: ها نحن ما زلنا ننتظر أن تأتي المجالس الجديدة للأندية الأدبية بالجديد، ولا أعتقد أن هناك جديدًا؛ لأن التغيير الحقيقي يجب أن يتكئ على الساحة الثقافية عمومًا، ومدى اتساع الرؤية الثقافية لدى المثقف السعودي، ويجب أن ترفع الوصاية عن الأندية الأدبية، ويجب أن تكون الموهبة والحس الأدبي والثقافي حاضرة فيها بدلًا من أن نشترط مؤهل اللغة العربية! إضافة إلي إصلاح التعليم، وإعادة هيكلة المؤسسات التربوية، مع عدة عوامل أخرى يمكن أن نعوّل عليها كثيرًا حتى نضمن نجاح الخطوات الإصلاحية التي تنتهجها وزارة الثقافة والإعلام، مع ضرورة التأكيد على تطوير الخطاب الإعلامي لدينا من خلال الإصلاحات التي لابد أن تطال المؤسسات الإعلامية لدينا حتى تتمكن من مواكبة المرحلة الجديدة، التي نستعد لها؛ خاصة وأنها من أهم الوسائل المتاحة للرقي بذائقة المتلقي ونشر الوعي الثقافي بما يتلاءم وحيثيات العصر الذي نعيشه، في ظل المتغيرات المتلاحقة التي يشهدها العالم من حولنا، وتؤثر في واقعنا الثقافي بمختلف الأشكال، ليبقى الرهان معقودًا على الأجيال القادمة لخلق أفق جديد نحو عولمة الأدب المحلي، بعد أن أصبنا بالخذلان من فرسان المرحلة الراهنة، واعترفنا صراحة بالفشل الذريع خلال هذه المرحلة، ولم يبقَ لنا إلا أن نطالبهم بالصمت، وسنراهم بعد عشرين سنة أخرى من الآن وهم مازالوا يتحدثون عن الحداثة والمدارس النقدية التي لا تهمني كمتلقي، ولا تضيف لي أي شيء جديد، بينما الآخر قد تخطانا في هذا السباق المحموم الذي لا يعرف الملل أو الكلل. ويختم الهلال حديثه بقوله: لكم أن تتخيلوا أيها الأحبة أن أحد أساتذة الجامعات لدينا عندما سئل عن قلة المشاركة الفاعلة من لدن أعضاء هيئات التدريس في جامعاتنا مع ندرة الدراسات البحثية المتخصصة في شتى العلوم الإنسانية أجاب وبكل تذمر أن سلّم الرواتب لأعضاء هيئة التدريس لا يساعد على ذلك، وأنا بدوري هنا أتسأل عن تلك الرسالة التي يحملها، وأين رد الجميل تجاه الوطن والمواطن، وهل ذلك مرهون بمقابل مادي.. أي مستوى فكري انحدر إليه هؤلاء القوم.