كل شيء من الممكن أن يُطوى.. إلاّ الذكريات، هل هذه المقولة صحيحة؟ هل بالإمكان أن نتجاوز كل شيء في الحياة، ونعبر من خلاله، بعد أن عبر هو من خلالنا إلى حياة أرحب وأفضل وأكثر اتساعاً في نظر البعض، إن كان الخروج حزيناً مآله إلى حياة قلقة، ومشدودة، ومليئة بالماضي الذي غادرناه مرغمين؟ في كلا الحالتين تبدو صورة كل مكان غادرناه صورة مستديمة في الذاكرة، ومحملة بتاريخها الذي يستحق أن يروى أحياناً.. نحن لا نساءل في الغالب لحظة المغادرة.. ولا تساءل لحظات الانسحاب، ولا نتوقف أمام أسباب الخروج الاجباري أحياناً، لكن نظل نحمل تلك الصور السينمائية والتي علينا تحمل عرضها وقتما شاءت، وليس كما نريد، هذا لأن الذاكرة هي من اعتاد أن يسرد الذكريات وهو حق مكفول لها من الصعب حرمانها منه.. أو سحب صلاحياتها.. لكن ما دام الإنسان لا يستطيع أن يسيطر على ذاكرته أو يمنعها من التذكر وبالذات لكل ما هو مرير - لماذا يصر أحياناً على الاحتفاظ بالذكريات الملموسة، وليس ما تحمله الذاكرة فقط وهو ما اعتاد التعايش معه كتوأم افتراضي؟ لماذا يحتفظ أحدنا بذكريات شخص آخر ربما تكون ذكريات سعيدة، وربما تكون ذكريات مريرة؟ قد يشعر البعض ان الاحتفاظ بمثل هذه الأشياء ان كانت لتعايش ماضٍ جميل، اشعال مستمر لذلك الحس الجميل والذي أطل منه على الحياة واستمتع بلحظاتها. وإن كان الاحتفاظ به رغم مرارة ما يذكر بتلك الأيام فهو يمنحه احساساً إنشائياً بأنه تجاوز الأزمة، وعبر منها بسلام، ومر إلى الطريق الآخر، متلمساً علامات الربيع التي يعيشها الآن، بعد أن عصف به الشتاء الفارسي. في كرواتيا، وفي مدينة زغرب تراوحت ردود الفعل تجاه متحف انشىء للعلاقات الزوجية المنتهية من الاحباط إلى السعادة بدأ المتحف متنقلاً يتحرك من بلد إلى آخر، ولكنه استقر خيراً بشكل دائم في قصر على طراز الباروك في زغرب.. وفكرة المتحف بسيطة وذكية، فكل علاقة منتهية تترك ذكريات وأشياء خلفها.. ويمكن لتلك الأشياء إلى جانب قصة أن تكون بمثابة المرجعية لآخرين.. وضم المتحف معروضات متعددة منها (أداة لتدليك الرأس لرجل من زغرب يقول عنها إنها شيء لا يمكن إعادته إلى زوجته السابقة، ومكواة ملابس امرأة نرويجية تقول عنها: لقد استخدمتها لكي اكوي فستان حفل زفافي.. ويأخذ المتحف الاقتراحات عبر الإنترنت من أي شخص يُقدم أداة وقصة حب، أو هجراً..) ومسمى المتحف من الممكن أن يكون متحف الذكريات، لأنها تجمع كل تلك الصور التي بقيت وتحتها عبارة (لا شيء يدوم إلى الأبد).. وإذا كان الغرب حريصاً على إبراز تلك الأفكار الغريبة والمستجدة ومنها هذه الفكرة، التي قد لا نخرج نحن منها ولكن بخصوصيتنا حيث يحتفظ كل شخص لديه بذكريات لشخص غادر أحدهما الآخر راضياً، أو دون اختياره، أو لانتهاء العلاقة تحت ظروف مختلفة، هذه الذكريات الملموسة لشيء يمكن الاحتفاظ به تبقى خاصة جداً، سواء كانت لذكريات مريرة أو سعيدة، ويظل الإنسان حريصاً على الاحتفاظ بها. بعد أن قبل بأحكام الحياة التي منحته إياها عند المغادرة، وهي في النهاية لا تعني سوى الشخص نفسه، وربما تكون حكاية صغيرة، أو عبارة، أو كلمة أو لحظة تعبر أحياناً وإن لم تدونها، فهي تسري في عظامك وتستوطن ذاكرتك التي هي في الأساس المتحف الحقيقي للحياة.