إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه. غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب له الطوْل لا إله إلا هو إليه المصير. وبعد.. فإني أكتب هذا المقال حول ما لاحظته عن عادة درج عليها قضاتنا. هي العجب. ولا غرو. فهي عادة يأباها لا شك القضاء في شرع الإسلام، بل وتأباها العدالة، وأعني هنا سرية الجلسات القضائية التى درج عليها قضاتنا منذ عهود موغلة سبقت صدور قانون (نظام) المرافعات الشرعية، الصادر في عام 1423، ورغم صدوره إلا أنهم ما برحوا سادرين عليها مزدرين في ذلك نص المادة (61) من هذا القانون الذى يقول [ تكون المرافعة علنية إلا إذا رأى القاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم إجراءها سراً محافظة على النظام أو مراعاة للآداب العامة أو لحرمة الأسرة]. - صحيح أن النص أباح للقاضي عقد الجلسة في السر إذا ما طلب أحد الأخصام ذلك، إلا أن طلبه هذا لا يباح قبوله من القاضي إذا ما شابه اعتساف، كأن يكون طلبه هذا خليّاً من أي سبب منطقي يبديه، لأن الأصل هو ما تقتضيه قواعد العدالة التي تلزم بعقد الجلسات جهاراً، وصحيح أن القانون (النظام ) أباح للقاضي إجراءها سريةً حفاظاً على حرمة الأسرة أو محافظة للآداب العامة. لكن هذه الأمور كلها استثنائي ، فنادراً ما يطلب خصم من الأخصام جعل الجلسة سرية، فالقضايا الأسرية قد تكون واحدة أو اثنتين من بين التي ينظرها القاضي في الأسبوع، ويندر حدوث الفوضى والهرج والمرج، إلا أن الكثير من قضاتنا يذهبون سرفاً في تطبيق الاستثناء هذه. وهو اعتساف منهم قلب الاستثناء(أى السرية في عقد الجلسات) إلى قاعدة، أما القاعدة التي نص عليها القانون (النظام) وهى عقد الجلسات في العلن، فقد انقلبت إلى استثناء. عاصمي في قولي هذا هو أني قد سلختُ في مهنة المحاماة حيناً من الدهر، ولم أر عبرها قاضياً من قضاتنا- إلا ما ندر- يصدع بنص القانون (النظام) هذا. فهم، ومنذ صدوره. ما وَنْوا على دأبهم في عقد جلسات قضائهم من وراء أبواب موصدة، مزدرين ما نص عليه هذا القانون (النظام) في مادته الأولى ومادته الواحدة والستين، والتي تلزم القضاء بين الناس بدون حجاب. وعليه فإنه إذا ما ذهب امرؤ من الناس أو محام له شأن ويريد الدخول على القاضي لينتظر في مجلسه حتى يأتي دور قضيته لتنظر في جلسة ثانية، أو ينتظر انتهاء جلسة. كي يعرض عليه أمراً له ضرورة تقع في اختصاص ذلك القاضي كتأجيل نظر دعوى أو تعجيلها أو تقديم أوراق لم تقدم من قبل. أقول. إذا ما ابتغى امرؤ من الناس هذا الأمر، وأراد الدخول إلى مجلسه فإذا بشرطي فظِّ غليظِ القلب عُتُلّ، يدفعك بشراسة وكأنك مقارف لذنب. آمراً إياك صلفاً بأن عليك الانتظار في الخارج، ثم يصك الباب صكاً وكأنه في جلسة تحقيق سرية، وليس في جلسة قضاء، بل إن بعض القضاة يأمر الحارس بأن يقفل الباب بأقفال. حتى تنتهي الجلسة، حتى ولو لم يكن في حالة من الحالات التس أباح له القانون فيها عقد الجلسة في السر، ولا مرية أن إجراء كهذا يجبه مبدأ علانية القضاء التي هي من ضرورات العدالة وهو ما أخذت به شريعة الإسلام قبل غيرها من الشرائع، وإذا ضربنا الصفح عن قانون (نظام) المرافعات الذي يزدري غالب القضاة قواعده الآمرة بعقد الجلسات في العلن، فإنه كان يتحتم عليهم الالتزام بما جنح إليه الفقهاء في جميع المذاهب .. فعدالة الإسلام وقضاؤه يحتمان بأن ينظر القاضي الخصومات جهرة.. أمام الملأ قاصيهم ودانيهم.. فقد كانت جلسات القضاء تعقد في المساجد إبان العهود الأولى للإسلام، فهذا ما قال به الفقيه ابن فرحون: « يكره للقاضي الجلوس للأحكام في داره - الذى يمثله مجالس القضاء المغلقة في محاكمنا-.. وقد أنكر عمر بن الخطاب على أبى موسى الأشعري ذلك ، وأمر بضرام داره عليه ناراً ، فالأحسن شرعاً أن يكون مجلس قضاء القاضي حيث الجماعة. جماعة الناس في المسجد الجامع – وصنْوِه مجلس القضاء المفتوحة أبوابه - فقد قال الإمام مالك : إن يجلس في المسجد وهو الصواب فهو أقرب للناس في شهودهم ويصل إليه الضعيف والمرأة - انظر: تبصرة الأحكام لإبن فرحون ج 1 ص 25/26 » وفقهاء القانون الوضعي يرون في العلانية ضرورة لا إزورار عنها، فهي حاثّة للقاضي كي يكب على عمله ويتوخى العدالة، فالقاضي في هذا الحال يدري أن أعين الملأ هي رَصدُ على ما هو فاعل ومن ثم فإنه يجد حراجة في اقتراف ما خفت موازينه أو ما ثقلت من أخطاء، كإهمالٍ أو إظهار ميل. لذا فالعلانية هي أمر تترسخ به الطمأنينة في نفوس المتقاضين والناس، بل إنها أضحت من ضرورات القضاء العادل. لذا فإن الناس أكثر ثقة في قضاء يعقد في العلن من قضاء يتم من وراء حُجُبْ ( أنظر: شرح قانون المرافعات لرمزى سيف 1963 – ص 91)، ولأن العلانية غدت من بدائه القضاء فإن الإعلان الدولي لحقوق الإنسان الذي وقعت عليه المملكة نص عليها في المادة (10) منه، أي إنها غدت مبدأ عاماً لا بد أن تلتزم به جميع أنظمة القضاء في هذه الدنيا ( أنظر: فنسان وجنشار – قانون الإجراءات المدنية الفرنسي – طبعة داللوز عام 1981 ص 528 ) [La publicité figure dans la déclaration des droits de l'homme est considérée comme un principe général dans tous les systèmes judiciaires. Voir Vincent et Guinchard : la procédure civile E. Dalloz P.25] إلا أن ما لا يغاب ذكره هو أني قد اختلفت كثيراً إلى المحاكم في فرنسا وفي مصر، ولم أر يوماً من الأيام قاضياً ينظر قضاياه من وراء حجاب، فأي أمرئ يستطيع الدخول دون يسأله أحد أين هو ذاهب فتشاهد جهاراً نهاراً ما يدور في الجلسات من جدل فقهي يغالب عبره رجال القانون بعضهم بعضاً في مرافعات يذودون عن موكليهم من الأخصام، فلا عسكري جلف يخالُك بخَبَاله متطفلاً فضولياً فيدزُّك القهقرى مُتْبعاً ذلك بكلمات نابية كما هو صائر بالنسبة لبعض جلسات القضاء عندنا، وأنا على يقين بأن بعض القضاة والمفتشين، الذين يتتبعون أعمال القضاة هؤلاء عامهون عن الإساءة التي تسببها سرية جلساتهم إلى سمعة القضاء في ديارنا. بل وإلى الشريعة الإسلامية، وأذكر أني ذهبت مرة إلى المحكمة ومعي عميل فرنسي لقضاء أمر هيّن. يتمثل في إجراء، وفي وضع كهذا تطلب الأمر منا الانتظار خارج مجلس القاضي حتى تنتهي الجلسة التي كانت منظورة. إلا أنها أُتْبِعتْ بجلسات أُخَرْ، كلها تُنْظرُ ودونها كالعادة حجاب، ولهذا .. فقد ثوينا في غرفة مجاورة ساعات ونحن ننتظر. وهنا سألني ذلك العميل هل قضاؤكم (سري) فتبكمت عن الرد. وكأن في فمي ماء ، ثم عنَّ لي الإعتلاث بالقول أن هذه القضايا ربما تكون (أسرية) والأُسَرُ في العادة تريد الخصوصية، إلا أنه استبان أن كل القضايا التي كانت منظورة ليست أسرية بل إن واحدة منها كانت جنائية، فبعد انتهاء نظرها خرج المتهمون مكبلين بالأصفاد يساقون إلى السجن كإجراء مؤقت حتى يصدر الحكم، ( وهو ما يعرف بالحبس الاحتياطي ) رغم أن التهم التى وجهت إليهم ليست بذات خطر تستدعي أن يساقوا بالأصفاد أو حتى حبسهم حبساً احتياطياً طوال مدة محاكمتهم طبقاً لنظام الإجراءات الجزائية.. فقد كان بإمكان القاضي الأمر بالإفراج المؤقت عنهم بكفالة حتى يصدر حكم بالإدانة أو البراءة طبقاً للمادة (15) من ذلك القانون، .. والأنكى من هذا أن هؤلاء كانوا يحاَكَمون في قضية جنائية، وهي من القضايا التي تستوجب عقدها جهاراً أكثر من غيرها وتلزم بأن يترافع عنهم محام.. أما في (المحكمة الجزئية) التى يختص قضاتُها بنَظَر بعض الجرائم كالجنح والمخالفات فحدّثْ ولاَ حَراجة، فقضاتها كلهم يوصدون الأبواب ويعقدون جلساتهم من ورائها، بل إن بعضهم يتخبطه شيطانه وكأنه قد أصابه مسَّ، ما إن يرى محامياً قد دَلَفَ إلى مجلسه مصطحباً أحد المتهمين، فقد ذهبت مرة للمرافعة عن أحد المتهمين ففوجئت بأن القاضي يحدجني بنظرات من هو في ريْب مني، ثم بدهني بأمر غريب وهو لزوم إبراز ترخيص المحاماة له، رغم عدم ضرورته إلا عند الاشتباه. وقد شاء عاثر الحظ أن أنسى الترخيص، فأسعفت نفسي بالوكالة وهى ورقة رسمية تثبت بأن مهنتي هي محام، بل هي تلزم القاضي الأخذ بها ما لم يثبت تزويرها طبقاً للمادة (140) من قانون المرافعات الشرعية، وذكرت له أني لم آت من أقصى المدينة. معانياً نكَدَ الزحام ووَعث الطرقات لو لم أكن محاميا للمتهم الماثل أمامه وموكلاً منه، ثم قدمت له تعهدا بأن أحضر الترخيص في الجلسة الثانية، إلا أنه بدا وكأن في آذانه وَقَرا ، إذ حرن في موقفه وأبى عليّ المرافعة أمامه في تلك الجلسة. ثم راح يأمر حارسه العُتُلّ بإخراجي فوليت على وجهي مُكِبَّا خشية أن يربطني في سلّم كما ربط قاض بمدينة طريف ذلك المحامي الذي حاجّه في قاعدة شرعية وهو يذود عن موكله، لكن ما أستطيع القطع به هنا هو أن هذا القاضي بدا وكأنه قد هاب أن يحاكم المتهم الماثل أمامه في العلن. فقد ثبت أن راح بعد أول جلسة يصدر أمراً إلى الجهة التي بها توقيف المتهم بأن لا تخبرني عن الجلسات التى تلي، وفعلاً فقد حضر المتهم المسكين جلستين دون علمي فحاق بعقاب عظيم، ولا يتمارى اثنان في أن هذا الإجراء ينطوي على إهدار جد خطير لأبسط قواعد العدالة، هذا إذا عرفنا أن القضاة في محاكم الدنيا بجهاتها الأربع يكتفون بإقرار من المتهم أمامه بأن هذا الذي معه هو محاميه، ولا يطالبه بصك وكالة أو بترخيص أو خلافه، أضيف إلى هذا بالقول. يا ليت السرية تقف عند هذا الحد. وليتها قاصرة على الجلسات، فقد رأيت الكثير من القضاة يذهب أجوازاً بعيدة في تيه السرية هذه. فهو يقف رصداً لأي إجراء يبيح للمحامي الاطلاع على أوراق القضية خيفة معرفتهم بكُنْه الاتهام الذى انتضاه الادعاء العام في دعواه، والذريعة التي نهض عليها، وهو أمر له ضرورة كي يناهض عن موكله وهو على بينة من الأمر، وما إذا كان الاتهام نفسه هائفاً بائراً أو تظافره ما ثقلت موازينه من الأدلة. بل إن الإدلاج في بهيم السرية لا يقف عند هذا. فهي تضفي بظلامها على أمور أُخَرْ. فالقاضي إذا أصدر حكماً ثم أبْدَتْ عليه محكمة الإستئناف(ملاحظات) فإن هذا يظل خفياً دونه سدول، فالقضاة يُحرّمُونَ عرضه على الاخصام في بَلَج النها. حتى ولو أورث هذا بَهْظاً لحقوقهم في الذبّ عن أنفسهم. لأن المداولة ما وَنَتْ قائمة بينه وبين محكمة التمييز (وهو إجراء يتفرد به القضاء عندنا ويحول دون قفل باب المرافعة). لذا فإن بدائه العدالة تقضي بأن من حق كل طرف من أطراف القضية معرفة الملاحظات كي يستبين ما صار ويناهض عن نفسه كما ينبغي، فقد تبدي دائرة الاستئناف ملاحظات حول بعض الدفوع أو بعض المثالب التي نعاها الطاعن إلى الحكم، الأمر الذي يقطع بضرورة اطلاعه على هذه الملاحظات فهو بذلك يستطيع أن يوضح مرة ثانية ما هفا على دائرة التمييز أو أغضت عنه من ملاحظات حول تيك المثالب التي شابت الحكم في الطعن الذي تقدم به من قبل.. فالبدائه في قضاء الإسلام تأبى إخفاء جوانب من القضية على الأخصام ما فتئت هذه الأخيرة ماثلة أمام القضاء ولم يقطع القاضي فيها بحكم نهائي. إلا أن القاضي عندنا قد يتَّبِعَ هواه في العادة فيحاجّ ويناهض ما طاب له ذلك عن الحكم الذي أصدره حتى ولو كان في ذلك زيْغ عن أحكام الشريعة والعدالة، وهو ما قد يجمّ بعاقبة هي البوار على أحد الاخصام.. بل وعلى العدالة التي هي جوهر الشريعة، فالقاضي إذا حرن في موقفه بعد أن تبدي دائرة التمييز ملاحظات على حكمه مرة أو مرتين، فإن هذا قد يفضي أحياناً إلى سأم قضاتها فيثّاقلون عن دراستها على وجه متعمق يفضي إلى نقض حكمه، هنا ... -ومع الأسف - تنقلب الدائرة على عقبيها وتؤيد حكماً شابه عوار ضل به القاضي ضلالاً بعيداً عن الشرع وضاز به القاضي ناظر القضية أحد الأخصام، بل إن هناك من القضاة يدلج في بهيم السرية، ويحول دون الأخصام والاطلاع على ما كتب حول القضية إلى جهة أخرى.. أي ليست محكمة استئناف، فهناك قاض ترافعنا أمامه.. لم يرعوي عن تأجيل القضية آخذاً بأقوال أحد الأخصام فاه بها شفاهة على عواهنها ودون أن يتدبّرَ مدى صدقها، أو يطالب بإثباتها مادياً، صادّاً عن ورقة رسمية وردت إليه تثبت عكس ما يقول به ذلك الخصم.. مهدراً ما نصت عليه المادة (140) من نظام المرافعات.. التي تلزم الأخذ بالوراق الرسمية .. إذ قرر تأجيل الجلسة مقرراً الكتابة إلى جهة معينة لم يعالن بها في مجلسه،.. عندها سألناه أين سيذهب خطابه كي نراجع تلك الجهة.. التى سيذهب لها خطابه لحثها على الجواب دون تأخير، .. إلا أنه أبا علينا ذلك معتبراً أنه سر لا يسوغ لنا معرفته، لذا.. فإن تساؤلات حيارى أخذت تلوب في الذهن، وهى... لماذا تُغْضي رئاسة المجلس الأعلى للقضاء أو وزارة العدل عن هذا الأمر، فقد سمعنا أن مفتشين هم في جيئة وذهاب إلى المحاكم، إلا أننا لم نسمع أن واحداً منهم ألزم القضاة بتطبيق نص القانون (النظام) الذي يلزم بنظر قضاياه في العلن، وإذا كان يصعب إثبات بعض ما قد يقارفه القضاة كأن يميل لأحد الأخصام ابتغاءً لعرض الدنيا، فإن السرية التي هم مكبين عليها هي شاهرة ظاهرة للملأ ولا أحد من الناس يجحدها.. لذا فإني أتساءل لماذا ما برح المفتشون سادرين على إغضائهم عن هذه الأخطاء محجمين عن تنبيه القضاة بلزوم عقد الجلسات في العلن، ولماذا حتى الآن لم يُضَمنّوا ملاحظاتهم التي يرفعونها لهم الأمر عن السرية التي ضرب القضاة بأطنابها على قضائنا إلى هذه الساعة مزدرين قانون المرافعات، فالمفتشون ملزمون بذلك طبقاً للمادة (14/أ) من لائحة التفتيش القضائي الصادرة بالقرار رقم 30/5/1364 في 2/11/1430 ه، فهى تلزمهم بملاحظة تطبيق القضاة للأنظمة والتعليمات من عدمها ورفعها بعد ذلك إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء وإلى وزير العدل حول مسلك القضاة هذا، وإذا كانوا يبدونها في تقارير يرفعونها إلى رئاسة القضاء أو وزارة العدل، فإن المرء ليعجب من عدم تدارك هاتين الجهتين لهذا الأمر، بل ويعجب من إغضائهما عن سرية الجلسات إلى هذه الساعة؟، وإذا كان من هو على هامة القضاء في ذلك العهد الغابر بعد أن ولى لخمس سنوات خلت أو أكثر، ذلك العهد أخد بقاعدة لم يبتغ عنها حِوَلا.. وهي (أن القضاة لا يحاسبون فهم علماء الأمة)، رغم أنهم بشر مثلنا لا يوحى إليهم وبعضهم أبعد من أن يُنعت بأنه عالم، فإن كثيراً من أهل القضايا ينتظر من العهد الجديد أن يبادر إلى محاسبة القضاة على أخطائهم وأن يقوّم ما يتخذونه من إجراءات فيها عِوَجْ، أولها إلزام القضاة مثلاً بعقد الجلسات في العلن، وأن يكرروا عليهم بعدم جواز عقد الجلسات في الخفاء إلا في أضيق الحدود كأن تكون الجلسةُ أسرية أو بها ما يخدش الحياء، أنا لا أنكر أن الأمور تغيرت إلى الأحسن، بل وإلى حد جد بعيد منذ أن تولى سماحة الدكتور محمد العبدالكريم العيسى المسؤولية في جناحي سلطة القضاء، إلا أن هناك من العيوب التى ارتكست.. بل وتجذرت منذ عهد بعيد، ولا يستطاع اجتثاثها بين عشية وضحاها، لكن موضوع إصرار القضاة على سرية الجلسات يستطاع التغلب عليه بالإكثار من التعاميم حول هذه ومحاسبة القاضي إذا ما عقد جلسة سرية دون ضرورات نص عليها القانون. - إن نهج القضاة هذا في نظرهم للخصومات فيه غواية عما ألزمت به شريعة الإسلام من وجوب لعقد الجلسات في العلن.. وازدراء لما نص عليه قانون المرافعات الشرعية نفسه، ونكث للعهد الذي قطعته دولتنا.. أعزها الله حين وقعت الإعلان الدولي لحقوق الإنسان.. وهذا يظاهر قولي في مقالات سابقة وهو أن نهجهم هذا جمّت به طرائق إعدادهم وتأهيلهم في معهد القضاء العالي والتي يعتريها قصور جد كبير.. فتيقّنْ رعاك الله يا من تقرأ هذا المقال أنه لن يكون هناك إصلاح جاد في سلطة القضاء يُذهب عنه شكاة أصحاب الخصومات إلا بتطوير مناهج هذا المعهد، وتدريبهم بعد التخرج في معهد خاص.. على أن يؤتى بقضاة متقاعدين من مصر.. يتولون هذا التدريب.. فهذا ما هو تسير عليه أنظمة القضاء في دول الخليج.. بل في سائر الدول بجهاتها الأربع، فالعلن في القضاء هي من البدائه التي يدريها أي قاض في كل أنظمة القضاء.