بدأت العلاقة الحميمة والتي لا تزال سارية المفعول بين المحامين السعوديين والقضاة في الذوبان بعد سلسلة من الأحداث والتصريحات لبعض المسؤولين في وزارة العدل حول «كواليس» الجلسات القضائية في المحاكم وما يحدث فيها من أمور قد تذهب بالعلاقة إلى الأسوأ. وطالب محامون ب«استبدال» لفظ «الطرد» الذي منح للقضاة بمصطلح ألطف منه «إخراج» مثل ما نص به النظام، فيما ذهب آخرون إلى أنه لا يوجد نصٌ صريح لطرد المحامي من قاعة المحكمة الشرعية، وأنه ينبغي الحد من حالات الطرد التي يتعرضون لها وسحب قضاياهم والتي تحدث خلف «الكواليس». وفيما تحدثت مصادر قضائية (فضلت عدم ذكر اسمها) ل«الحياة» بقولها: «إنه يحق لقاضي المحكمة إخراج أي شخصٍ من قاعة المحكمة إذا تلفظ على القاضي بألفاظ جارحة وأساء أدبه ولم يحترم المحكمة، أو تعدى على أحد الخصوم، أو أصر على تقديم أوراق في القضية أو غيرها في ما يتعلق بالمرافعات». وأشارت إلى أن النظام كفل للمتضرر من القضاة التقدم بشكوى إلى المجلس الأعلى للقضاء والذي سينصفه في حال ثبوت حقه. من جهتها، اتصلت «الحياة» على مستشار وزير العدل والمتحدث الرسمي الدكتور عبدالله السعدان للتعليق على الموضوع، إلا أنه لم يبد تجاوباً أو رداً. وتحدث عدد من المحامين إلى «الحياة» حول بعض الإجراءات التي تتخذ ضدهم من بعض القضاة وما يحدث خلف الكواليس في قاعات المحاكم، مؤكدين أن الأمور وصلت في بعض الأحيان إلى سحب القضية من المحامي لأمور بسيطة، إضافة إلى أن البعض من القضاة يستخدمون سلطتهم في غير محلها. وحول المصطلحات المستخدمة في الإجراءات التي يتخذها القضاة في ما يتعلق بالمحامين، أكدوا أن النظام نص بكلمة «إخراج» وليس «طرد»، مشيرين إلى أنه ينبغي عدم الإصرار على استخدام كلمة الطرد. ورفض المحامي والمستشار القانوني أحمد جمعان المالكي استخدام مفردة الطرد كونها «غير لائقة» ولم ترد في النظام، مبيناً أن المادة 69 من نظام المرافعات الشرعية نصت على أن ضبط الجلسة وإدارتها منوطان برئيسها وله في سبيل ذلك أن يخرج من قاعة الجلسة من يخل بنظامها، فإن لم يمتثل كان للمحكمة أن تحكم على الفور بسجنه مدة لا تزيد على 24 ساعة ويكون حكمها نهائياً وللمحكمة إلى ما قبل إنهاء الجلسة أن ترجع عن ذلك الحكم. وقال المحامي والمستشار القانوني مشاري المطيري إنه لا يوجد نص صريح على حق القاضي في «طرد» المحامي من المحكمة، لكنه عاد وأكد أنه يحق للقاضي إبعاد من يثير الفوضى أثناء الجلسة سواء كان محامياً أو أصيلاً وغيره. ولفت إلى أن القاضي له صلاحيات معينة لإبعاد من يرى أنه أثار الفوضى، مشيراً إلى أن البعض من القضاة قد يستخدم سلطته وصلاحياته بشكل تعسفي ضد المحامين، خصوصاً وأن المحامين وأثناء ممارستهم لمهنتهم يحتاجون إلى التعقيب على الردود وطلب جلسة ثانية للرد على لائحة الخصم. وأضاف: «بعض القضاة يقوم بسحب ملف القضية من المحامي من دون أي سببٍ واضح، وإنما بسبب كثرة طلباته للجلسات لكي يتمكن من الرد على خصومه وهو حق مشروع كفله نظام المرافعات الشرعية لكن بعض القضاة يراه مخالفاً». ولفت المحامي هشام حنبولي إلى أن لفظ «الطرد» الذي يستخدم حالياً لطرح المحامين وغيرهم غير موجود ولم ينص النظام به، وإنما استخدام لفظ «إخراج». من جهته علق المحامي والمستشار القانوني الدكتور إبراهيم بن عبدالمجيد الآبادي بقوله :«إن النظام السعودي لم يعط للقاضي حق طرد المحامي من الجلسة فإذا كان المحامي لم يؤد دوره الذي أوكل إليه على أكمل وجه ولم يعط المحكمة الشرعية تقديرها الواجب لها أو أخل بنظام الجلسة فله إخراجه». وأضاف قائلاً: «ليس من شك في أن إخراج المحامي من الجلسة فيه إضعاف لأحد أطراف التقاضي بل أنه قد يضيع حقاً لا يستطيع إظهاره إلا أهل الاختصاص وهنا تبرز لنا الحاجة في هيئة للمدافعة والمطالبة بحقوق المحاميين والحاجة لتأكيد الجهات القضائية على منسوبيها بعلنية الجلسات القضائية». وأوضح أن نظام الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/39) وتاريخ 28/7/1428 في المادة 143 التي نصت على أن ضبط الجلسة وإدارتها منوطان برئيسها، وله في سبيل ذلك أن يخرج من قاعة الجلسة من يُخِل بنظامها. ولفت إلى أن المادة ال155 نصت على أن جلسات المحاكم علنية، ويجوز للمحكمة استثناء أن تنظر الدعوى كلها أو بعضها في جلسات سرية، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها، مراعاة للأمن، أو محافظة على الآداب العامة، أو إذا كان ذلك ضرورياً لظهور الحقيقة. فيما رأى الخبير الشرعي عطية الحارثي أنه يحق للقاضي منع المحامي أو الوكيل من حضور الجلسات القضائية في حال بدرت منه مخالفة أو أساء الأدب في التعامل داخل المحكمة، مشيراً إلى أن القاضي هو من يقرر من يحضر الجلسة، لكنه رأى أن استخدام كلمة «الطرد» غير لائق. وأكد المحامي عبدالعزيز الزامل أن القاضي والمحامي جناحان يطيران للوصول إلى العدالة المبتغاة كون المحامي عوناً للقضاء في توضيح الحقائق. وأشار إلى أنه لابد على القاضي نظاماً أن يقوم بإنذار من يخل بنظام الجلسة فان لم يستجب ، طلب منه الخروج بالحسنى على أن يدون القاضي «تسبيب» إخراج المخالف في المحضر، ويخضع هذا الإجراء لرقابة محكمة الاستئناف لتعلقه في الحكم، مشيراً إلى أن الصلاحية أعطيت للقاضي لما يفترض فيه من الحياد والاستقلال والبعد عن الأمور الشخصية، حيث نصت المادة الأولى من نظام القضاء على أن القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية، ما يؤكد أن سلطة القاضي ليست على الإطلاق بل إن القاضي والمحامي محكومان بأنظمة محددة لا تتعارض صادرة بمرسوم ملكي.