أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه لوجه الله تعالى    القيادة تهنئ رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية بذكرى استقلال بلاده    القيادة تهنئ رئيس جمهورية ألبانيا بذكرى استقلال بلاده    "اليونسكو": 62٪ من صناع المحتوى الرقمي لا يقومون بالتحقق الدقيق والمنهجي من المعلومات قبل مشاركتها    انخفاض أسعار النفط وسط زيادة مفاجئة في المخزونات الأميركية وترقب لاجتماع أوبك+    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الاستسقاء في جامع الإمام تركي بن عبدالله    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    محافظ صبيا يؤدي صلاة الإستسقاء بجامع الراجحي    في «الوسط والقاع».. جولة «روشن» ال12 تنطلق ب3 مواجهات مثيرة    الداود يبدأ مع الأخضر من «خليجي 26»    المملكة تشارك في الدورة ال 29 لمؤتمر حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    1500 طائرة تزيّن سماء الرياض بلوحات مضيئة    «الدرعية لفنون المستقبل» أول مركز للوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا    مصير غزة بعد هدنة لبنان    السعودية ترأس اجتماع المجلس التنفيذي ل«الأرابوساي»    27 سفيرا يعززون شراكات دولهم مع الشورى    وزير الصحة الصومالي: جلسات مؤتمر التوائم مبهرة    السياحة تساهم ب %10 من الاقتصاد.. و%52 من الناتج المحلي «غير نفطي»    سلوكياتنا.. مرآة مسؤوليتنا!    أمير تبوك يستقبل رئيس واعضاء اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم    أمانة القصيم تنجح في التعامل مع الحالة المطرية التي مرت المنطقة    شخصنة المواقف    النوم المبكر مواجهة للأمراض    النضج الفكري بوابة التطوير    برعاية أمير مكة.. انعقاد اللقاء ال 17 للمؤسسين بمركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    الملك يضيف لؤلؤة في عقد العاصمة    الموارد البشرية توقّع مذكرة لتأهيل الكوادر الوطنية    أنا ووسائل التواصل الاجتماعي    وزير الرياضة: دعم القيادة نقل الرياضة إلى مصاف العالمية    نيمار يقترب ومالكوم يعود    الذكاء الاصطناعي والإسلام المعتدل    الشائعات ضد المملكة    وفاة المعمر الأكبر في العالم عن 112 عامًا    التركي: الأصل في الأمور الإباحة ولا جريمة ولا عقوبة إلاّ بنص    بحث مستجدات التنفس الصناعي للكبار    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالريان يُعيد البسمة لأربعينية بالإنجاب بعد تعرضها ل«15» إجهاضاً متكرراً للحمل    في الجولة الخامسة من يوروبا ليغ.. أموريم يريد كسب جماهير مان يونايتد في مواجهة نرويجية    خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة من أمير الكويت    دشن الصيدلية الافتراضية وتسلم شهادة "غينيس".. محافظ جدة يطلق أعمال المؤتمر الصحي الدولي للجودة    "الأدب" تحتفي بمسيرة 50 عاماً من إبداع اليوسف    المملكة ضيف شرف في معرض "أرتيجانو" الإيطالي    تواصل الشعوب    ورحل بهجة المجالس    إعلاميون يطمئنون على صحة العباسي    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    تقليص انبعاثات غاز الميثان الناتج عن الأبقار    الزميل العويضي يحتفل بزواج إبنه مبارك    احتفال السيف والشريف بزواج «المهند»    يوسف العجلاتي يزف إبنيه مصعب وأحمد على أنغام «المزمار»    «واتساب» تختبر ميزة لحظر الرسائل المزعجة    اكتشاف الحمض المرتبط بأمراض الشيخوخة    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هؤلاء هم المرجفون    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصقيه: التقنين في الأحكام عندنا لن يحل مشكلات القضاء
نشر في الحياة يوم 02 - 04 - 2013

القضاء وعوالمه هو صمّام أمان المجتمع والدولة ومؤسساته، متى ما صلح استقام أمر كل شيء.
الدكتور أحمد الصقه أحد أفراد المؤسسة القانونية، تعلمها ومارسها بكل أطيافها وألوانها بل وشارك في صياغة كثير من الأنظمة فيها، وتطوير بعضها وإيجاد علاقة تكاملية بين جهات القانون المختلفة. وأنت تجلس مع ضيفنا تشعر أنك في حضرة مجلس قضاء، الكلمة بمقياس، والمعاني في مرافعة، ولا أجمل، مع ضيفنا تحضر الواقعية كثيراً، ويسود التفاؤل أكثر، ونجد مبررات لكثير من التقصير والخلل، هو لا يتكلم من الخارج، لكنه من الداخل، ومن يسكن الداخل يعرف أكثر.
الدكتور أحمد يرى في التغيير والتطوير إيجابية كثيرة، ولكن لا يتوقع أنه سيحل كل شيء، يدعو إلى التكاملية بين أفرع مؤسسة العدل، ويتمنى لو أن بيوت القانون استطاعت أن تحل كل شيء قبل التقاضي، وأموره الطويلة ومرافعاته وخصوماته.
حوارنا فيه مرافعات ومطالبات، نتمنى أن تجدوا في أجوبته العدل كله.
ما القانون الذي ألزمت به نفسك؟ ولم تلزم به غيرك؟
- اعمل الخير من دون أن تبحث عن جوازيه، وأحسن الظنّ بالناس، واسع إلى الخير لهم، وافرح به في أيديهم، تكن شريكاً لهم في ذلك الخير. إن تأسيس سابقة في مثل هذا القانون فيه تحقيق لمعنى حديث «ليس الواصل بالمكافئ»، وحديث «أكمل المؤمنين إيماناً أحاسنهم أخلاقاً» و«يبلغ المؤمن بخلقه درجة الصائم القائم».
وممّا يعجبني في هذا المقام قول المقنّع الكندي:
وإن الذي بيني وبين بني أبي
وبين بني عمي لمختلف جدا
أراهم إلى نصري بطاءً وإن هم
دعوني إلى نصر أتيتهم شدا
إذا قدحوا لي نار حرب بزندهم
قدحت لهم في كل مكرمة زندا
فإن يأكلوا لحمي وفرت لحومهم
وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم
وإن هم هووا غيي هويت لهم رشدا
خروجك عن القانون في محطات حياتك، هل يتم بقانون وضعي أم بقانون شرعي؟
- وضع القانون الوضعي في مقابل القانون الشرعي يقتضي عدم شرعية القانون الوضعي، وبالتالي، فإن هذا التقسيم بين القانون الشرعي والوضعي تقسيم غير متصور في بلد تحكمه الشريعة، لأن الشريعة حاكمة ومهيمنة على سائر القوانين التي هي في معظمها أنظمة من وضع البشر، لكنها قوانين إجرائية ومرتبطة بما أُرسل من المصالح الدنيوية التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بأمور دنياكم». إضافة إلى أن الكثير من القوانين الوضعية (أي أنها من وضع البشر) يمكن أن توصف بأنها أنظمة شرعية من جهة أنها جاءت لحفظ مصالح قررتها الشريعة.
ومن الممكن أن تدخل تحت إطار القاعدة الفقهية «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، وبالتالي، فإن وضع القوانين الوضعية في مقابل القوانين الشرعية في بلد تهيمن عليه الشريعة غير منضبط، لأنه يقتضي عدم شرعية القوانين الوضعية كما بيّنا. وهذا لا يعني أن هذا التقسيم مرفوض كلياً، لكنّي أرى أنه مرفوض في هذا البلد الذي تهيمن عليه شريعة رب العالمين.
كثرة القوانين حواليك، هل جعلت الحياة صعبة من حولك؟
- للقانون فلسفةٌ في ذاته، هي أهم من شكله وضوابطه، وهذه الفلسفة أو الرسالة تدور حول حفظ الحقوق ورعايتها، فإذا دوّنت يوماً ما لك أو عليك فأنت تحمي أخاك من نفسه والشيطان والنسيان، وهذه الفلسفة تعود بالمصلحة على الجميع بحفظ الحقوق وبراءة الذمم وسلامة الصدور.
مع أبنائك هل أنت القاضي أم تكتفي بسنّ القانون فقط؟
- من جميل المصادفة أني بالأمس القريب جمعت الأبناء، وكتبت محضراً في حضور والدتهم كأمين للسر، ووقعوا على المحضر الذي تضمن بعض الاتفاقات والمكافآت، وأيضاً بعض صور العقاب عند وقوع المخالفات.
اختيارك للشريعة تخصصاً دراسياً وعملياً، هل كان وراءه رغبة أم شيء آخر؟
- لا شك، إن دراستي للشريعة كانت لرغبة ومحبة، بدأت في المسجد قبل الجامعة، ثم أكملت الدراسات العليا مع بعض الدراسات المقارنة في الأنظمة والقانون، وهذا مما جلّى لي كمال الشريعة وعظمتها أكثر من ذي قبل، وبضدّها تتميز الأشياء.
لم تركت القضاء؟ واخترت التدريس والمحاماة؟
- كان هدفي منذ زمن الاتجاه إلى العمل الخاص مع المشاركة الأكاديمية، وقد نجحت في تحقيق ذلك، بعد اكتساب الخبرة القضائية التي تربط بين الجانب العملي والنظري في شكل عميق.
لهذا تركت القضاء
ما الفرق بين منصة القضاء ومنصة العمادة لكلية للقانون؟
- أضافت إليّ العمادة جانباً مهماً، مُثّل في إدراك العلاقة بين العمل الأكاديمي والقضاء، كما أتاحت لي الفرصة للمقارنة بين المناهج والنظر في المحتويات، وبيّنت لي أهمية دراسة الشريعة ومقارنتها بالأنظمة الأخرى، لا سيّما أني درّست في الدراسات العليا التي كان معظمها تطبيقياً، سواء في كلية الحقوق أم في المعهد العالي للقضاء.
كنت قاضياً وأصبحت محامياً، ما الفرق بين المنصتين؟ وكيف هي العلاقة مع زملاء الأمس؟
- العلاقة بالزملاء القضاة كما كانت وأفضل، إذ حسن العهد من الإيمان، أما الفرق بين المنصتين فكبير، وأبرز الاختلافات هو أن القاضي محصور النظر في الذي يعرض عليه، أي أن دوره هو الحكم في ما عرض عليه، وليس من واجبه النظر في ما لم يثره أطراف الخصومة بخلاف دور المحامي أو القاضي الواقف كما وصفه بعضهم، أي أن المحامي ينظر في الواقع، ويبحث عمّا هو أنفع لقضيته، وذلك لأمرين:
أولاً. أن يتجنّب الدفاع عن المبطلين، وثانياً. كي يرى ما هو الأنسب لموكله من الإجراءات، إذ إن المحاماة كما وصفه بعضهم هي «العلم بالإجراء»، وبذلك يختار الطريق الأنسب للسير في القضية، وهذا الفرق يجعل عمل المحامي أوسع من عمل القاضي، ومن هنا، تأتي صعوبة مهنة المحاماة وعظم مسؤوليتها، ومن هنا يأتيها شرفها أيضاً.
هناك دور يشترك فيه المحامي مع القاضي، وهو تطوير المنظومة القضائية عبر تجديد الاجتهاد في الأحكام، وهو ما أسماه بعضهم الدور الطلائعي للمحاماة، فالمطلوب من المحامين معاونة القضاة في توصيف الأقضية النازلة والوقائع الاستثنائية، ومن خلال ذلك، يسهمون في استحداث مبادئ قضائية يتّبعها غيرهم من القضاة والمحامين.
يشعر بعض المحامين بممارسة تعسفية من بعض القضاة، فما رأيك؟
- هذا شعور متَوهم وغير حقيقي، ولا يليق بالمحامي المحترف أن يتصوّر مثل هذا، فضلاً عن أن يستخدمه حجة، ولو فرضنا جدلاً وجود مثل هذا، فلن يؤثر قطعاً في حكم القاضي.
كيف ترى كليات القانون كخطط دراسية ومدى ملاءمتها للسوق؟
- كان لي شرف التدريس بكلية الحقوق في جامعة الملك سعود، ولكن الحق يقال إن المناهج قديمة، ولا تناسب السوق، وعدّلت الخطة الدراسية بحمد الله، وأتمنى أن تغطي حاجة السوق.
كلية الشريعة
كلية الشريعة في جامعة الإمام والمعهد العالي للقضاء ألا يحتاجان إلى فكر تجديدي يبثّ الروح فيهما من جديد؟
- كلية الشريعة في جامعة الإمام والمعهد العالي للقضاء، هما المؤسستان الأبرز عند الحديث عن تأهيل القضاة، وهما في تطور مستمر، فقد تم افتتاح قسم للأنظمة في كلية الشريعة، يضاف إلى شعبة الأنظمة بالمعهد العالي للقضاء. ولكن عند الحديث عن كلية الشريعة، ينبغي أن نتنبّه إلى أن القضاة جزء بسيط من مخرجاتها.
وعليه، فلا يمكن المطالبة بأن تكون مناهج كلية الشريعة متوجهة إلى حاجات القضاة المستقبليين، وهذا برأيي، هو التحدي الذي يواجه جامعة الإمام في تأهيلها إلى القضاة، لأنه عند النظر في مناهج كلية الشريعة نجد أن ما يهم القاضي منها مادة الفقه وأصولها، أما المواد الأخرى فتأثيرها في عمل القاضي لا يكاد يذكر.
وبناءً على ما سبق فإنّي أقترح أن يتم افتتاح تخصّص للقضاء في كلية الشريعة، تكون فيه مواد الفقه وأصوله الأصل، وغيرها من المواد فرع وتبع، وهذا في ظني سيؤدي بإذن الله إلى تخريج قضاة مؤهلين تأهيلاً كافياً لمباشرة العمل القضائي فور تخرجهم.
خريجو قسم القانون لم لا يصلحون لتولي القضاء؟
- الإشكال ليس في ذات الخريجين، الإشكال هو في أنه لا يوجد في المناهج التي تدرّس في أقسام القانون الكفاية من علوم الشريعة، والعكس حصل مع خرّيجي الشريعة، إذ إنهم لا يدرسون من الأنظمة ما يحصل به الاكتفاء، فبالتالي، يلزمون بالدراسة في المعهد العالي للقضاء، والحديث في العلاقة بين دارسي الشريعة والقانون يطول.
الكليات الأهلية في القانون، ما مدى قدرتها على المنافسة في المخرجات؟
- القطاع الخاص في الغالب أكثر قدرة ومرونة على استقطاب الكفاءات، كما يسهم في خدمة المجتمع من خلال التدريب المجاني الذي أسست له كعميد لأول كليّة للحقوق سُميت في المملكة بحمد الله، وقمنا بتحفيز الشباب له. واليوم نتحدّث عن أن أكبر جامعات القانون في العالم جامعتا هارفرد وييل، وهما من الجامعات الأهلية.
الفقه المقارن، لماذا لا يحل كل المعضلات الفقهية عندنا، ويجنح بنا للتيسير أكثر؟
- الشريعة في ذاتها يسر، وحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله، وأينما كان الشرع فثم المصلحة، وعليه، فإن الفقه المقارن هو وسيلة للوصول إلى معرفة مراد الشارع الحكيم، كما أنه وسيلة مهمة للنظر في المستجدات والنوازل.
أما لماذا لا يحل كل المعضلات الفقهية؟ فإني أرى أن الفقه المقارن وغيره من التخصصات الفقهية خصوصاً في الدراسات العليا قد قامت بواجبها في بحث المسائل الفقهية، والمطلع على البحوث المقدّمة في المعهد العالي للقضاء على سبيل المثال يسرّ، لكثرة ما يجد من الدراسات في النوازل التفصيلية في كل العلوم، من الطب إلى المصرفية والتجارة الإلكترونية. يبقى عندئذٍ الدور على من يتحكّم في زمام الواقع، أن يغيّره ليوافق أحكام الشريعة الغرّاء، وليس المطلوب أن تتغير الشريعة لمواكبته.
استقالة القضاة
وكيف ترى تكاثر استقالة القضاة وفقدان البعض للحماسة فيها؟
- لاستقالة القضاة أسباب عدة، أهمها: طبيعة العمل القضائية، وضخامة المسؤولية فيه، وقلّة المعاونين القضائيين وضعف الحوافز.
كيف تقوّم آلية ترشيح القضاة لدينا، ولم التعيين لا يواكب الكثافة السكانية؟
- أعتبرها جيدة مع توصيتي بتكثيف التدريب على رأس العمل، مع الحاجة الملحة إلى تطوير المكتب القضائي، وتأهيل العاملين فيه، وزيادة عدد القضاة في آن واحد.
من خلال زياراتك لعدد من الأنظمة القضائية في الخليج والعالم، هل تشعر بالهوة واسعة بيننا؟
- الحق ضالة المؤمن، والإفادة من تجارب الآخرين في الجانب الإجرائي وفي الوسائل البديلة، لحل النزاعات كالوساطة والتوفيق والمصالحة والتحكيم، والإحاطة بالفنون اللازمة، لنجاح مثل هذه المساعي، والنظر في مؤسساتية هذه الأعمال في الخارج، والدقّة والوضوح في إجراءاتها، أو أبعد من ذلك إلى ما يسمى اليوم بإدارة العدالة، سواء في المكتب القضائي أم في المنظومة القضائية، الإفادة من كل هذا لا شك أنّه مطلوب.
والناظر اليوم في القضاء بالمملكة يجد أن لديه أسبقية في تحقيق مقاصد العدالة وكليّاتها على وجه يبهر الآخرين عند بيانه، فضلاً عن هيمنة الشريعة عليه كما أسلفنا. والحق أن ما سبق يضع على كواهلنا حملاً عظيماً، يحتم علينا ضبط الإجراءات، وصولاً إلى العدالة التي هي الأليق في مقام الشريعة الغراء.
كمقيم خارجي، هل هناك استقلالية للقضاء؟
- النظام الأساسي للحكم أكد على استقلال القضاة، وجميع الأنظمة القضائية رسخت هذا المعنى، وأظنّ أن هذا الأمر مترسخ في وجدان القضاة، بحكم أن القاضي يجب عليه أن يحكم بما أراه الله. والحقيقة أن الاستقلال نابع من القضاة أنفسهم، ومن قواعد الشريعة قبل ذلك، إضافة إلى وجود الأنظمة التي أكّدت هذا المعنى.
قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة، ألا يشكل ذلك رعباً لأي قاضٍ؟
- يخطئ كثير من الناس في فهم هذا الحديث، إذ يظنونه محدداً لنسبة القضاة الذين في النار والذين في الجنّة، أي أن ثلث القضاة سيدخلون الجنة، وهذا فهم باطل قطعاً، بينما الحديث هو تصنيف لأنواع القضاة تصنيفاً مجرّداً عن العدد كما في نص الحديث: «القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة، رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار»، والنص يُفهم بسباقه وسياقه ولحاقه كما لا يخفى.
أما جوابي عن سؤالك هل يشكل هذا رعباً للقاضي؟ فبالتأكيد نعم، وهذا هو المطلوب، ألّا يقتصر خوف القاضي على العقوبة الدنيوية فقط، بل يدفعه خوفه من عقوبة ربه جلّ وعلا إلى أن يجتهد في تحصيل العلم الذي يمكنه من معرفة حكم الشارع سبحانه وتعالى، وكذلك يدفعه هذا الخوف إلى تحرّي الحق في الواقعة المعروضة عليه، لكيلا يكون من الصنفين الذين في النار.
وعليّ أن أشير هنا إلى أن مفهوم الحديث لا يقتصر على القضاة بل يتعدى إلى كل من حكم على شخص بحكم ما، كالوزير في وزارته والمدير في إدارته، بل وربما موظف الجوازات الذي أعطي صلاحية النظر في قبول ورفض طلبات إصدار التراخيص أو نحوها من الإجراءات التي تبدو للناظر بسيطة في ظاهرها، لكنها مسؤولية عظيمة، قد تندرج تحت هذا الحديث الشريف، فضلاً عن اندراجها تحت حديثه صلى الله عليه وسلم: «ألا كلّكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته».
القاضي وكاتب العدل، كلاهما من المدرسة والمؤهل نفسيهما، ولكن هناك تباين في المزايا، من المتضرر هنا؟
- ليست للمزايا ارتباط بالمؤهل، المزايا مرتبطة بالمسؤولية وبنوعية العمل المكلّف به القاضي، مقارنة بالعمل الذي يقوم به كاتب العدل، فمعظم عمل كاتب العدل توثيقي، وهو عمل إجرائي محدود من جهة تنوعه من عدمه، كما هو محدود من جهة اختصاصه بخلاف عمل القاضي، فهو ينظر كل يوم في واقعة جديدة، ويُعمل ذهنه في تكييف الواقعة والنظر في تفاصيلها، ومن ثم ينزّل الحكم المناسب على الواقعة، وينظر كذلك في ملائمة الحكم للواقعة من عدمه، وهناك فرق مهم أيضاً بين حكم القاضي وإجراء كاتب العدل، فإجراء كاتب العدل من الممكن استدراكه، أما حكم القاضي فإذا اكتسب القطعية فمن الصعب تعديله أو استدراكه.
تاخر القضايا
نحكم بالشريعة، لكن النطق بالحكم يتأخر حتى نكاد نمل من كل القضاء، لماذا هذا التأخر في النطق بالحكم؟
- تأخر الفصل في القضايا ظاهرة عالمية، ليست مقتصرة على هذا البلد، ولها أسباب عدة، بعض الأسباب مرتبطة بالمؤسسة القضائية، وأخرى مرتبطة بالمؤسسات الحكومية الأخرى التي يكاتبها القاضي عند الحاجة، وجزء كبير مرتبط بالخصوم.
ولا يمكن معالجة تأخر القضايا إلا بمعالجة جميع الأسباب المؤدية إلى هذا التأخر، والعمل جارٍ الآن على زيادة عدد القضاة ومعاونيهم، ومباشرة المحاكم المتخصصة لمهماتها منذ صدور نظام القضاء الجديد عام 1428ه، وعندئذٍ يبقى العمل على الأسباب الأخرى.
الآن، نتعب حتى يصدر الحكم، وإذا صدر تعطل تنفيذه كثيراً، وعدنا إلى المحاكم من جديد، متى تنتهي هذه الدوامة؟
- بحمد الله، انتهت الدوامة كما أسميتها، فقد صدر نظام التنفيذ الجديد الذي يعد نقلة نوعية، سيكون لها الأثر العظيم، بإذن الله، والعمل جارٍ الآن في وزارة العدل على إصدار اللائحة التنفيذية للنظام.
وقد اطّلعت على اللائحة التنفيذية للنظام، وشارك المكتب بمستشاريه المتخصصين في تقديم رؤيته حول مشروع اللائحة التنفيذية بتكليف من فريق العمل المشارك في صياغة اللائحة. وحال صدور اللائحة، سيكتمل، بإذن الله، الحل للعراقيل التي كانت تواجه التنفيذ في السابق.
المدونة القضائية
المدونة القضائية وقوانين الأحوال، لم مثل هذه المفردات تلقى ممانعة من البعض؟ لا سيما أن تباين الأحكام بين القضاة يضيق مساحة العدل؟
- مسألة التقنين مطروحة منذ عقود، وللأسف، فإنها تطرح كثيراً في الإعلام على أنها الحل النهائي لجميع مشكلات القضاء، والحق أن المصلحة ليست منحصرة في التقنين، والعالم المتقدّم في معظمه يعتمد السوابق القضائية عند تماثل الوقائع، وهذا نادر الحصول.
يبقى ما ذكرت من تباين أحكام القضاة، وهي في الحقيقة في بعض المسائل، فهل الأولى ضبطها وإلزام القضاة برأي واحد أم يترك الحكم لاجتهاد القاضي؟.
والذي أراه، والله أعلم، محققاً للعدالة والمصلحة واستقلال القضاة هو أن يُعتمد رأي واحد في المسائل المشكلة من قبل المحكمة العليا، ويكون هو المعمول به في الأصل، على أن يكون للقاضي ناظر القضية أن يخرج عن هذا الرأي، بشرط أن يبيّن سبب اختياره لهذا الرأي وعدم اعتماده لرأي المحكمة العليا.
ويشترط عندئذٍ أن يرفع الحكم للمحكمة العليا، فتنظر في إنفاذ الحكم أو تتصدى أو تحيل القضية إلى قاض آخر، وهكذا نحقق المصلحة في ضبط الأحكام القضائية، ونكون قد حققنا مضمون قوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أراك الله)، وذلك باجتناب إلزام القاضي بما لا يراه حقاً.
يضاف إلى ما سبق أن هذا المنهج سيحفّز على تجديد الاجتهاد، لا سيما أن تغيير الأنظمة يستغرق وقتاً أكثر من تغيير الأحكام داخل الجهاز القضائي. وهذا الرأي، قال به عدد من أعضاء هيئة كبار العلماء عند نظر قضية التقنين في هيئة كبار العلماء.
قاضٍ شرعي، قاضٍ تجاري، قاضٍ مدني، أليست مثل هذه التقسيمات تمنح إنتاجاً أفضل؟
- هذه التقسيمات موجودة في نظام القضاء الجديد الذي قسّم المحاكم إلى تقسيم أكثر فاعلية وملائمة للواقع، عدا «قاضٍ شرعي»، بالطبع فهذا القسم غير موجود بل هو خاطئ، إذ إنه يقتضي نفي الصفة الشرعية عن بقية القضاة. إضافة إلى تقسيم النظام للمحاكم، فأتاح النظام للمحكمة أن تخصص دوائر داخل المحكمة للنظر في نوع محدد من القضايا.
قضايا الأسرة
قضايا الأسرة والأحوال الشخصية، ألا تشعر أن المرأة هي الخاسر الأكبر فيها؟
- الحقيقة، أنه في مثل هذه القضايا للأسف، لا يوجد خاسر ورابح، فالخاسر الأكبر في معظم هذه القضايا الأسرية هي الأسرة، ولا يوجد رابح في النزاعات الأسرية، لكن المرأة هي في الواقع متضررة أكثر من الرجل، وهذا في معظم القضايا مع وجود بعض الاستثناءات، لكننا يجب أن نعي أن أحداً من الأسرة حين يتقدّم للقضاء، فإنّه يكون في العادة استنفذ كل الطرق لحل النزاع، وعليه، فإن النزاع الأسري حين يصل إلى القضاء يكون محتدماً بشكل يمنع السير في القضية في شكل اعتيادي.
وللتمثيل على ذلك، فإنه في قضايا النفقة يتعمّد الزوج في كثير من الحالات التغيب عن الجلسات، وهذا بالطبع مؤثر في المرأة، إذ إنها هي الطرف المستضعف، وهي صاحبة الحاجة. هذا وراعى النظام احتمالية استضعاف المرأة في مقابل الرجل في بعض المواضع، فنص نظام المرافعات الشرعية على أن دعوى الزوجة على زوجها لا تقام في بلد المدّعى عليه، أي الزوج، بل في بلد الزوجة تيسيراً عليها ورفعاً للمشقة التي قد تحصل لها جرّاء السفر.
لكن الواقع ينبئنا بأن هذا غير كافٍ لحفظ حقوق المرأة، ولكننا نأمل بأن يتحسن الوضع عند افتتاح محكمة الأحوال الشخصية، بإذن الله، كما يتم الإفادة من الخبراء في الشأن الاجتماعي والنفسي وغيرهم من ذوي التجربة عن طريق بيوت خبرة محترفة ومتخصصة.
نتحدث كثيراً عن صون المرأة وحفظها، لكننا لا نمنحها التعامل الأمثل في التقاضي مع الخصم؟
- بيّنا في السؤال السابق ما راعاه المنظم من حال المرأة عند التقاضي، ولا داعي لتكراره، لكنّي أود التأكيد على أن هناك بعض المفاهيم المغلوطة عند الناس حول شؤون المرأة أمام القضاء، من ذلك ما يثار كثيراً عن اشتراط وجود المحرم، وهذا غير صحيح، وليس موجوداً في المحاكم، فالمحرّم يشترط للسفر.
أما قضيّة المعرف، فهذه سيحلّها، بإذن الله، نظام البصمة. وبخصوص الأمر الثالث، وهو مطالبة المرأة بإرثها، فقد انتشر عند البعض أنه لا يحق للمرأة التقدّم للقضاء للمطالبة بإرثها، وهذا غير صحيح البتة.
الإعلام والقضاء
مارست المتحدث الإعلامي لديوان المظالم فترة، كيف ترى العلاقة بين الإعلام والقضاء؟
- العلاقة بين القضاء والإعلام في غاية الأهمّية، وذلك أن الإعلام هو صوت البلد وسلطته الرابعة، والقضاء هو شرفها وعرضها، وليس هناك من خيار إلا أن يتصافحا، والدور بينهما تكاملي، وحسن العلاقة بينهما يؤدي بإذن الله إلى استقرار في رؤية الناس للقضاء وزيادة الوعي بالحقوق.
ولكن الإشكال الحاصل الآن، هو أن الإعلام يخوض أحياناً في قضايا ما زالت تتولاها سلطات التحقيق بطريقة تستهدف تعبئة الرأي العام، ضد من يتناولهم التحقيق أو المحاكمة قبل صدور الأحكام.
والواقع أن هذا قليل، بحمد الله، كما أن العلاقة بين القضاء والإعلام تحسّنت في شكل كبير أخيراً. وأريد أن أؤكد هنا أنه لا يوجد ما يكفي من الصحفيين الملمّين بأمور وشؤون القضاء، وأظنّ أن وجود صحافة متخصصة بالقضاء سيؤدي إلى مزيد من التوافق بين القطاعين.
الجمعيات العلمية القضائية، النتاج لا يوازي الطموحات، ما رأيك؟
- الجمعية العلمية السعودية القضائية هي جمعية حديثة النشأة، ولكن عند مقارنتها بغيرها من الجمعيات العلمية، يتبين لك أن النتائج مبهرة.
وحظيت بشرف انتخابي عضواً في مجلس إدارة الجمعية في أول دورة لها بأعلى الأصوات، ورؤيتنا للجمعية على أنها جمعية علمية أي أنها متخصصة، وعلى ذلك، فإن أعمالها متوجّهة للمختصّين من بحوث ودورات للمختصّين، وقدّمت الجمعية دورات قضائية عامّة للجمهور، وموقع الجمعية فيه مزيد توضيح عن أعمالها وخدماتها والعضوية فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.