اعتدنا خلال الأعوام السابقة ألا يخلو أي صيف وبمثل هذا الوقت من كوارث التيه المميتة لأشخاص يحاولون عبور الصحراء من العمق فيفقدوا وجهتهم أو تتعطل سياراتهم إلى ان يموتوا ظمأً وجوعاً لكن مثل هذه الحوادث بدأت تتناقص عاما بعد آخر على مدى الأعوام السابقة بسبب انتشار وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية مثل الهواتف المحمولة متى ما توفرت الخدمة والهواتف الفضائية (الثريا) وجهاز الكنود اللاسلكي وجهاز تحديد المواقع (الماجلان) وهي أجهزة لا شك ساهمت في إنقاذ أشخاص أشرفوا على الهلاك بإذن الله. أيضا هناك معالجة للطرق التي يسلكها المسافرون عبر هذه الصحاري المقطوعة اما عن طريق مشاريع حكومية أو بمبادرات من بعض المحسنين الذين شقوا بعض الطرق رصفا أو ردماً كما في أجزاء من الدهناء والغوطة والثويرات وأماكن أخرى أصبحت مواقع حية في الصحراء. لكننا سنظل نحتاج إلى المزيد من هذه المشاريع سواء فيما يتعلق بالطرق أو وسائل الاتصال عند هذه الأماكن من ناحية وقائية وأيضا أمنية لا تخفى على الجميع ويأتي الدور الأهم لتوفير وسائل الاتصال بواسطة الهواتف المحمولة لا كبر مساحة ممكنه في هذه الصحاري للأسباب التي ذكرنا وعلى شركاتنا ان تضطلع بدورها في بناء أبراج للهواتف الجوالة قدر استطاعتها خصوصا ان الكهرباء التي قد تشكل عائقا متوفرة حاليا في مواقع من هذه الصحاري كما في نفود الثويرات التي تشكل النقطة الأهم بالنسبة للمنطقة الوسطى وتتوسط المواقع الأكثر حوادث هذا اذا عرفنا ومن واقع التجربة ان مدى خدمة أبراج الهواتف الجوالة تتضاعف في الصحاري ويصل بثها إلى الضعف في المواقع المرتفعة أحيانا مثل هذه الخدمة ستخدم آخرين يقطنون هذه الصحاري مع مواشيهم وهواة القنص والتنزه الذين يقدرون بآلاف المشتركين. في الأعوام السابقة كانت حوادث التيه في الصحراء تسجل بشكل اكبر في شهري 8-9 مع النشاط المعتاد لهواة القنص وفي العام الماضي كان ينقذ اغلب الحالات بفضل الله ثم وسائل الاتصال وكان من الحالات التي تابعتها شرطة محافظة الاسياح قصة تائه اتصل من هاتفه طلبا للإنقاذ ثم انقطع الاتصال دون ان يحدد المكان الذي لا يعرفه هو أصلا لكن مدير شرطة الاسياح العقيد محمد المحيميد وزملاءه وبالتنسيق مع شركة الاتصالات السعودية استطاعوا تحديد برج الهاتف الجوال الذي كان يدعم الاتصال بأثر رجعي وعرفوا المجال الذي يخدمه هذا البرج. وكانت اغلب الحالات قد حدثت في الصحراء الشرقية للقصيم والشمالية بالنسبة للزلفي ومنها نفود الثويرات والدهناء سواء لهواة القنص أو المسافرين الذين يحاولون اختصار المسافة من الشمال إلى القصيم مرورا بالدهناء وعروق الاسياح فيفقدوا وجهتهم أو تتعطل سياراتهم إلى ان يموتوا عطشا أو يتم إنقاذهم. ومن خلال متابعة الرياض لبعض هذه الحوادث هناك بعض القصص المبكية ومنها قصة الشاب الذي ترك والده في الدهناء عند سيارتهم المتعطلة وسار على قدميه لمحاولة الوصول إلى اقرب مدينه أو منقذ لكنه مات في الطريق ومات والده في المكان. وقصة أم احتضنت طفلها الرضيع وماتت معه تحت ظل شجرة ومن القصص التي عايشناها قصة معاق يسير بقدم واحده تعطلت به السيارة التي كان يقودها وعند ما اقترب اجله رمى بساقه الاصطناعي وزحف على الأرض حتى مات وامرأة خرجت من منزل شقيقها شرق القصيم محاولة اللحاق بأطفالها الذين حرمت من رؤيتهم والذين يقطنون مدينة تبعد نحو مئة كيلومتر وسارت على قدميها حافية بعد تمزق حذائها فوق صخور تغلي من شدة الحر إلى ان تسلخت أقدامها وظهر عظام القدم التي سارت عليه إلى ان سقطت وماتت على مسافة 3 كيلو مترات من المدينة. وفي الكثير من الحالات التي يعثر عليها بعد الوفاة كان هناك تشابه في اللحظات أو لحظات اليأس الاخيرة التي تسبق الوفاة ويتضح من خلال تتبع الأثر ان التائه الذي اشرف على الهلاك يمر بلحظات هستيريا عصيبة يبدؤها بالتجرد من ملابسه وأشيائه ثم يلقي بها على فروع الأشجار لعله يريد ان يستدل بها الباحثون عنه أو على جثته وعادة يموت على بعد خطوات من هذه الملابس. ومما رأيت ورقة براءة كتبها تائه يحتضر شهد فيها الا اله الا الله وان محمداً رسول الله وان الموت حق والبعث حق ثم برأ فيها أي أحد من دمه وأوصى على ابنته الصغيرة ثم أشار إلى المكان الذي خبأ به مسدسه وأمانة كان يحملها وهي عبارة عن رواتب متبقية للراعي السوداني الذي يعمل لديه. بقي ان نذكر ان حوادث التيه موجودة حتى في أكثر البلدان تحضرا لكنها على قلتها يعد لمواجهتها في أي وقت ويوجد فرق إنقاذ تابعة للدفاع المدني مدربة على أعلى المستويات ومجهزة بأرقى وسائل البحث الأرضية والجوية وفي أسوأ الظروف. وهناك إشارة متفق عليها دوليا هي إشارة الإنقاذ أو طلب النجدة يقوم التائه أو طالب الإنقاذ برسمها على الأرض بواسطة الأحجار أو أوراق الأشجار أو أي شيء وعند ما تمر طائرات دوريات البحث والإنقاذ الاعتيادية وتعثر على أي شيء من هذه الإشارات تتوقف أو توجه الدوريات الأرضية فورا بالتوجه إلى المكان. لدينا يتم محاولات للاستدلال على مواقعهم بأسرع وقت بعضهم يقوم بإشعال النار في أحد إطارات السيارة أو بالسيارة كاملة ليتم رؤيتها من مكان بعيد وبعضهم يلجأ إلى سحب كمية من الوقود (البنزين) يسكبها على مكان مرتفع ثم يشعل بها النار وقد يتم رؤيتها من مكان بعيد جدا ليلا يصل إلى عشرات الكيلو مترات وهناك من أنقذ بعد ان لجأ إلى هذه الحيلة.