كشفت جولة ميدانية ل"الرياض" على عدد من محال ومؤسسات بيع ورَّش المبيدات الحشرية بمحافظة "جدة"؛ عن تراخٍ في تطبيق الضوابط والتعليمات الخاصة بالتسويق والرش، وكذلك عودة بعض "البقالات" ومحال بيع "الخردوات"، و"بسطات الحراج" لبيع "المبيدات الحشرية"، وتقديم بعضها لأنواع من "الخلطات" الخاصة بقتل الحشرات، والصراصير، على الرغم من منعها من مزاولة ذلك النشاط، إضافةً إلى بيع "المبيدات" دون ضوابط؛ الأمر الذي مكَّن عدداً من "العمالة المخالفة" من شراء كميات من تلك "المبيدات"، ومزاولة أعمال رَشَّها مقابل مبالغ زهيدة، في ظل الطلب المتزايد عليهم بعد إحجام الكثير من المؤسسات عن مزاولة تلك الأعمال في أعقاب حوداث التسمم التي شهدتها "جدة" خلال العامين الماضيين، وكذلك عزوف عديد من "العمالة النظامية" عن رش المبيدات؛ نتيجة مضارها الصحية. أسعار زهيدة وقال "إبراهيم دغريري" -أحد العاملين في مؤسسة لرش المنازل بالمبيدات الحشرية - إنَّ أخطر الممارسات تكمن في تفضيل عدد من المواطنين والمقيمين التعامل مع العمالة السائبة في رش منازلهم بهدف توفير مبالغ مالية، مُضيفاً أنَّهم يسعون عادةً لتوفير مابين (100) إلى (200) ريال، مُشدداً على ضرورة منع محال بيع المبيدات الحشرية من البيع لتلك الفئة التي لا تمتلك الخبرة والدراية في التعامل مع المبيدات الحشرية، من حيث آلية خلطها، ورشها، مُشيراً إلى أنَّ ذلك يشمل أيضاً بعض المحال التي تتعامل مع بعض العمالة بصورة فردية، وتزود راغبي شراء المبيدات من المواطنين والمقيمين بأرقامهم للتعامل معهم. عمالة سائبة وأكدَّ موظف آخر في مؤسسة أخرى لبيع المبيدات الحشرية على أنَّ هناك طلباً كبيراً من الأهالي لنوعيَات من المبيدات التي يُمنع بيعها، مُضيفاً أنَّ غالبيتها تكون على شكل "حبيبات" ذات تأثير قوي؛ من أجل مكافحة الحشرات بشكل أقوى، مُبيناً أنَّ معظم الشركات النظامية لا تبيع تلك النوعية، وبالتالي فإنَّ عدداً من العمالة السائبة يوفرونها لطالبيها، لافتاً أنَّ هذه ميزة أخرى تتميز بها هذه العمالة، حيث يسعى بعض المواطنين والمقيمين إلى الحصول عليها لتُضاف إلى انخفاض أجور تلك العمالة، فمثلاً تكون تكلفة رش شقة مكونة من أربعة غرف بالمبيدات السائلة المتعارف عليها بحدود (200) ريال، في حين تقوم تلك العمالة بذلك مقابل (100) ريال فقط. حالات مأساوية وأعرب "د.محمد باجبير" - رئيس لجنة الطوارئ بالمديرية العامة للشؤون الصحية بمحافظة جدة - عن رضاه التام على نتائج العديد من حملات التوعية التي أقيمت خلال العامين الماضيين، مُشيراً إلى تناقص عدد حالات التسمم بالمبيدات الحشرية، وعدم حدوث حالات مأساوية خلال الأشهر القليلة الماضية. وقال: لم نرصد في غرف الطوارئ مُؤخراً أيَّة حالات حرجة، أو خطرة، مُؤكداً على أنَّ ذلك يعني أنَّ الإجراءات التي تم اتباعها في هذا الجانب كان لها آثاراً إيجابية بهذا الصدد، موضحاً أنَّ ذلك لا يمنع استمرار التوعية والتعريف بمخاطر سوء استخدام المبيدات الحشرية مستقبلاً. مصادرة المبيدات وأكَّد "د.فهد قمري" - مدير إدارة صحة البيئة، والصحة المهنية بالمديرية العامة للشؤون الصحية بمحافظة جدة- على أنَّ جهود التوعية ضد مخاطر سوء استخدام المبيدات الحشرية مستمرة طيلة العام، مُضيفاً أنَّها تستهدف عموم الأهالي بمدينة جدة من المواطنين والمقيمين، مُشيراً إلى أنَّها شملت توزيع الكتيبات، والنشرات الدورية التي تبين سلبيات سوء استخدام المبيد، كما تتضمن نوعيات المبيدات، وشروحات مختلفة عنها، إضافةً إلى النزول للمستشفيات، وتوعية الأطباء بطرق وآليات الكشف المبكر عن إصابات التسمم الناتجة عن المبيدات الحشرية، مُوضحاً أنَّ هناك لجنة مشتركة تتكون من عدة جهات حكومية من بينها "وزارة الزراعة" و"محافظة جدة" و"الشؤون الصحية" و"البلدية"، مُبيناً أنَّها تعمل على تفتيش مختلف مواقع، ومحال بيع المبيدات الحشرية، بصفةٍ دوريةٍ، وتعمل كذلك على إغلاق المحال المخالفة، وتغريمها، إضافةً إلى مصادرة المبيدات التي يُمنع استخدامها. وأضاف أنَّه من خلال الإحصائيات المتوافرة حالياً؛ فإنَّه يبدو واضحاً تناقص عدد حالات التسمم، الأمر الذي يدل دلالة واضحة على الآثار الايجابية للجهود التي بُذلت في هذا المجال. أعراض التسمم وبيَّن "د.عبدالعزيز حميدان" - طبيب طوارئ - أنَّ المبيد الحشري يُعدُّ وسيلة قضاء وإبادة للحشرات، والآفات المختلفة، الزاحفة منها، أو الطائرة، مُضيفاً أنَّه ومهما اختلفت المُسميات التي تُطلق عليه، فإنَّه يكون إمَّا مبيداً عضوياً أو مبيداً مركباً، مُشيراً إلى أنَّ خطورته وتأثيره تظل قائمة ومؤثرة على الإنسان، أو على غيره من المخلوقات الحية الأخرى، سواءً عبر الاستنشاق، أو الملامسة، أو التناول، وخاصةً "الجهاز التنفسي" الذي دائماً ما تكون أعراض التسمم واضحةً فيه بشكل كبير، مُبيناً أنَّ تلك الأعراض تبدأ بضيق في التنفس قد يصل في بعض الحالات المتقدمة، والشديدة إلى فشل تام في وظائف التنفس، أو ما يطلق عليه مُسمَّى "أزمة رئوية حادة"، وزيادة ضربات القلب مع عدم انتظامها، وكذلك الكحة المستمرة، بينما يكون تأثُّر "الجهاز العصبي" واضحاً وملموساً في أعراض زغللة العين، واختلال حركة المشي، والاستجابة، أمّا بالنسبة ل "الجهاز الهضمي" فتتعدّد الأعراض من حيث الأم البطن الحادة، والقيء، والإسهال المستمرين، وكذلك بعض حالات النزيف الحاد، إضافةً إلى حالات الجفاف الشديد. وأضاف أنَّ خطورة حوادث التسمم بالمبيدات الحشرية ليست محصورة في الحالات المميتة، والحوادث الكارثية التي تحدث، وتتناقلها وسائل الإعلام فحسب، بل إنَّها تشمل أيضا "الإصابات التراكمية" التي تؤدّي إلى أمراضاً مزمنةً ومستعصيةً تصل إلى حدّ سرطان الكبد، وغيره من الأمراض المستعصية الأخرى، موضحاً أنَّ المداومة على استخدام المبيدات، ورشها بطريقة غير مقننة، أو خلطها بعشوائية يعدُّ خطراً كبيراً وطريقاً تؤدي إلى الوصول لتلك النوعية من الأمراض، لافتاً إلى أنَّه كثيراً ما تحدث حالات تسمم بالمبيدات الحشرية إلاَّ أنَّ غالبيتها لا تصل إلى المستشفيات؛ نظراً لضعف الأعراض، كما أنَّ أكثر الحالات التي تصل إلى المستشفيات يتم علاجها بشكل فوري، مُبيناً أنَّ الخطر يظل قائماً على الإنسان مستقبلاً، مُشبِّهاً ما يحدث هنا بتأثير "التدخين" على المدخن، حيث أنَّه قد لا يتأثر به بشكل فوري، ومع ذلك تتراكم سمومه في جسده عدة سنوات، قبل أن تظهر آثارها على صحته. مجهولة المصدر وحذَّر "د.أسعد سراج أبو رزيرة" - أستاذ علوم البيئة في كلية الزراعة بجامعة الملك عبدالعزيز - من الاستخدام المفرط للمبيدات الحشرية، سواءً من قبل الأفراد، أو حتى بعض الجهات الحكومية، مُضيفاً أنَّ أعمال مكافحة "البعوض" تشهد كثافة كبيرة في عمليات الرش، في حين ينبغي أن يتم البحث عن بدائل يتم من خلالها تقنين تلك العمليات، مُوضحاً أنَّ مداومة الرش له سلبيات عديدة تتمثل في تراكم معدلات المبيدات في الهواء، واختلاطها بمصادر المياه، مُشيراً إلى أنَّ ذلك له تأثير سلبي على البيئة العامة، وعلى صحة الفرد، لافتاً إلى أنَّ "المبيد" هو أداة لقتل الحشرات، الأمر الذي يعني كذلك أنَّه قاتلٌ للإنسان، ولكن باختلاف حجم الجرعات. وشدَّد على ضرورة عدم الاعتماد على الخدم والسائقين عند الرغبة في إجراء عمليات الرش بالمبيدات الحشرية، مُشيراً إلى أنَّ بعض أرباب الأسر يُرسلون بعض العاملين لديهم لشراء تلك المبيدات دون مراعاة لنوعية المبيد، أو من أين سيحضره العامل، وهل ذلك المبيد مناسب للاستخدام في المنزل، أم أنَّه مُخصص للاستخدام في المزارع، والمواقع المفتوحة، مُحذراً من استخدام المبيد بشكل عشوائي دون قراءة وصفة الاستخدام، والتعليمات المكتوبة على العبوة، لافتاً إلى أهمية فتح الأبواب، والشبابيك، وترك الموقع مفتوحاً وخالياً لمدة تصل إلى ثلاثة أيام تقريباً، وذلك حسب نوعية المبيد. وحذَّر من وجود عديد من العبوات، والخلطات، المُصنّعة محلياً، والتي لا توجد عليها أيَّة تفاصيل عن المكونات الخاصة بها، موضحاً أنَّها تباع لدى البقالات، والبسطات، مُبيناً أنَّ خطورتها تكمن في أنَّ بعضها قد يكون ضمن مكوناته مواد محظورة لسُميّتها، مُشدّداً على ضرورة إعادة الروح للحملات، والجولات التفتيشية على تلك المحال، والإكثار من عمليات التوعية، وتكثيفها عبر وسائل الإعلام المختلفة، داعياً إلى عدم الركون إلى عدم ظهور حوادث مأساوية مؤخراً. اختفاء رش «الفليت» داخل الشوارع والحارات لتطهيرها من الحشرات قراءة التعليمات المكتوبة على عبوة المبيد تحد من أضراره الصحية (عدسة - محسن سالم) د. أسعد أبو رزيزة د. محمد باجبير