زاد التوتر هذه الأيام وتكاثر عدد من العصبيين الذين (يثور الواحد منهم في الراحة) والراحة هي باطن اليد وأصل العبارة مثل شعبي.. ومثل بليغ جداً..فهو مأخوذ من البندق (الخربانة) التي إذا أراد صاحبها أن يطلقها على صيد ثارت في راحة يده أحلامنا تزن الجبال رزانة.. وتخالنا جنا إذا ما نجهل من شقّ ثوب الناس شقوا وزاره فقطعت يده والعصبي خربان الأعصاب والأخلاق وقد يبلغ به الغضب والعصبية أن يضرب بيده الطاولة أو الكرسي حتى تُصاب بجرح بالغ!على نفسها جنت براقش! وقد يبلغ الغضب والعصبية بصاحبه أن يضرب برأسه الحائط حتى يشجه ويشلخه: كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل! فالحنّاق يغضب على كل الناس! ويود سحقهم وهو غاضب! ولكن هيهات! الناس أقوى منه: (من شق ثوب الناس شقوا وزاره)!! كما يقول ابن لعبون! والعصبي يجري السم في دمه!وتسري النار في أعصابه!ويعمي الغضب عيونه..! ويطمس عقله!ويوقعه في العضال من المشكلات!ويفقده الأقرباء والأصدقاء والزملاء ويكرِّهه الناس! والناس إذا عرفوا العصبي على حقيقته، وأدركوا مدى حماقته، وشدة انفلات أعصابه، وقوة نار حنقه، يتحاشونه كما يتحاشون المجذوم أو المجنون ويرددن إذا رأوه: (الله يقاصرنا ويقاصره بالإحسان)وهو مثل شعبي يقال عن الجن الذين يقاصرون الإنس! والقصير هو الجار!وبئس الجار الجني أو العصبي الذي يتصرف كالمجنون. بل ويتصرف - إذا فار الدم في رأسه - تصرف (الجنيّ) أو (السكني) وفي القرآن الكريم: (قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس..) ومعاملة العقلاء للعصبي الدائم العصبية، الغضوب الذي تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه وينتفض جسمه (كالسكني) أو (الجني) نابع من كونه خرج من العقل ومن الوارد أن يفعل كل شيء.. وما لا يخطر على البال! ولفظة (السكني) شعبية.. مرادفة للجني.. باعتقاد أن الجن يسكنون بعض البيوت ولا يرون، فهي محرفة من الساكن، تحريفاً يميز البشر عن الجان!!! العرب يمجدون الأحلام والأحلام هي العقول المراجحة الثقيلة التي تتصرف برفق وأناة، وحلم وحكمة.. قال شاعرهم: ليست الأحلام في حال الرضا إنما الأحلام في حال الغضب! وهذا منطق! فإن (الحلم) وقت الرِّضا ليس حلماً وإنما هو الشيء الطبيعي، فإذا لم يغضب (العصبي) وقت الرضا فلا يعدو ذلك أن يكن (سكون المجنون)! ومع هذا (السكون) فإن (الجنون بالنسبة للعصبي الذي لم يجد أي شيء يثيره في حال كمون) وهو مستعد للثوران كالبركان عند أول شرارة غضب.. والعياذ بالله! ومع أن العرب يفخرون بالحلم حتى سموه العقل، إلاَّ أن القدماء منهم يفخرون بالغضب والجنون إذا استثيروا: أحلامنا تزن الجبال رزانة وتخالنا جنًّا إذا ما نجهلُ! ولعله يقصد وقت الحرب!.. أو محاولة الإهانة!.. ولكن التعبير بالجهل والفخر به غلط! فالجهل من أسوأ الصفات! والذي يستقيم مع الأخلاق أن يقول: أحلامنا تزن الجبال رزانةً وتخالنا جنا إذا ما (نُظلم)! وحتى المظلوم لا يجوز أن يسرف في رد المظلمة فيأخذ أكثر من حقه ويصبح ظالماً بعد أن كان مظلوماً الانصاف سيد الأخلاق! وما أندر الانصاف في حياة الناس! فإن الانتقام العنيف ممن ظلمنا هو نوع من العدوان والبطر والعصببية المؤججة بنار الغضب، وهذا يورث الأحقاد جيلاً بعد جيل.. (والعصبية) تعبير شعبي عن الغضب، كأن الغضب جعل صاحبه متعصباً بمعنى متخشب، والغضب من الشيطان واتباع الهوى..قال الشريف بركات ينصح ابنه: والنفس خالف رايها قبل ترديلها ترى لها الشيطان يرمي بالادراك ورأي النفس هنا بمعنى هواها، والنفس أمّارة بالسوء، والشيطان مراده حذف الإنسان في الدَّرك الأسفل، ومن وسائله الغضب. وعلاج الغضب والعصبية هو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وأخذ دش بارد، فإن الغضب نار والماء يطفئها، وعدم التصرف وقت التعصب والغضب، والاستعانة بالصبر.. قال عبدالله بن دويرج: إلى شب في كبدي من الغمّ لاهب شربت العزا والصبر يبرد لهيبها والاريحية - عند العرب وفي التعبير الشعبي - صفة للكرم والحلم وسعة الصدر والأفق.. قال الخلاوي: ونفسٍ إذا حدّثتها أريحية شيطانها عند المروّات غايب