الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد فإن الغضب عدو العقل وهو قريب من السفيه بعيد عن الحليم. والغضب لا يأتي بخير أبداً، لأن الإنسان إذا غضب غاب العقل وعندها تبدأ النفس الأمارة والشيطان بالتحكم بالشخص الغضبان ونستطيع تشبيه هذه الحالة برجل عاقل يسوق سيارة ثم استبدل بمجنون استلم مقود السيارة وأخذ يلعب بها يمنة ويسرة فانظر عندها للدمار والخراب. إن ما يحدث في الأسواق والمطاعم وأماكن المراجعين وأخذ وشد وسب وشتم وأحيانا اشتباك بالأيدي كلها بسبب الغضب وفقد السيطرة على النفس، وأنه وجد في المحاكم قضايا كبيرة قد تصل إلى القصاص بسبب الغضب على أمور تافهة جداً بل وجد بعض القضايا الكبيرة في نصف ريال فقط وهو خلاف بين مشترٍ وبائع في دكان على شراء علبة سجائر وكان الخلاف على النصف ريال فتطور إلى ملاسنة ثم شتم ثم مضاربة ثم استخدمت آلة حادة وأصبحت قضية كبيرة ولو قيل للجاني ادفع 50 ألف ريال وتخرج من السجن لفعل وهو قد دخله في نصف ريال، إنه الغضب وما أدراك ما الغضب كم شتت أسر كم فرق من أصحاب كم باعد من إخوان كم دمر من دول وشعوب، لقد صدق رسول الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني. قال: (لا تغضب) فردد مراراً قال: (لا تغضب). وهنيئاً لمن امتثل هذه الوصية وعمل بها ولا شك أنها وصية جامعة مانعة لجميع المسلمين من الوقوع في الزلل. وقال أهل العلم عن الغضب أنه ينقسم إلى ثلاثة أنواع وهي: 1- غضب محمود: وهو ما كان الله -تعالى- عندما تنتهك محارمه. 2- غضب مذموم: وهو ما كان في سبيل الباطل والشيطان كالحمية الجاهلية. 3- غضب مباح: وهو الغضب في غير معصية الله تعالى ولم يتجاوز حده كأن يجهل عليه أحد. وأسباب الغضب منها: 1- العجب. 2- المراء. 3- المزاح. 4- بذاءة اللسان. ويكفي ما قاله ابن القيم رحمه الله في ذم الغضب. الغضب: ولما كانت المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة، وكان نهاية قوة الغضب القتل، ونهاية قوة الشهوة الزنى جمع الله -تعالى- بين القتل والزنى، وجعلهما قرينين في سورة الأنعام، وسورة الإسراء، وسورة الفرقان، وسورة الممتحنة، والمقصود أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شر قوتي الغضب والشهوة من الصلاة والاستعاذة. وهذه بعض الوسائل لعلاج الغضب: (ما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء) ومن الأدوية لعلاج داء الغضب: أولاً: الاستعاذة بالله من الشيطان: قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (36) سورة فصلت. عن سليمان بن صرد -رضي الله عنه- قال: كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم- ورجلان يستبان فأحدهما أحمر وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد) فقالوا له: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (تعوذ بالله من الشيطان) فقال: وهل بي جنون. قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: «وأما الغضب فهو غول العقل يغتاله كما يغتال الذئب الشاة وأعظم ما يفترسه الشيطان عند غضبه وشهوته». ثانياً: تغيير الحال: عن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع). ثالثاً: ترك المخاصمة والسكوت: كما قال الشافعي: يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيباً يزيد سفاهة وأزيد حلماً كعود زاده الإحراق طيباً رابعاً: الوضوء: عن عطية السعدي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (إن الغضب من الشيطان؛ وأن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ). خامساً: استحضار الأجر العظيم لكظم الغيظ: قال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (134) سورة آل عمران. سادساً: العمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: (لا تغضب) فردد مراراً قال: (لا تغضب). سابعاً: النظر في نتائج الغضب: فكثير الغضب تجده بعد ما يزول عنه غضبه كثير الحسرة والندم على ما فعل أو قال في حق خصمه، وكثير الغضب تجده مصابا بأمراض كثيرة كالسكري والضغط والقولون العصبي. ثامناً: أخذ الدروس من الغضب السابق: فلو استحضر كل واحد منا قبل أن يُنفذ غضبه ثمرة غضب سابق ندم عليه لما أقدم على ما تمليه عليه نفسه الأمارة بالسوء مرة ثانية، فمنع الغضب أسهل من إصلاح ما يفسده. صور من هدي السلف عند الغضب: سب رجل ابن عباس -رضي الله عنهما- فلما فرغ قال: يا عكرمة هل للرجل حاجة فنقضيها؟ فنكس الرجل رأسه واستحى. وقال أبوذر -رضي الله عنه- لغلامه: لِمَ أرسلت الشاة على علف الفرس؟ قال: أردت أن أغيظك. قال: لأجمعن مع الغيظ أجراً أنت حر لوجه الله تعالى. وفي الختام إن الغضب لا يأتي بخير أبداً وهو منبع الشر وعلى كل شخص أن يبدأ في التدرب على الحلم (فإن الحلم بالتحلم) كما قال صلى الله عليه وسلم. اللهم زينا بزينة الإيمان، وأبعدنا عن الغضب. والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كلية الدعوة والإعلام- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية