عادت بكين لإثارة الجدل مرة أخرى بشأن زيادة إنفاقها العسكري. ففي الوقت الذي تتزايد فيه التحديات الإقليمية للجمهورية الشعبية بالصراعات الحدودية مع الدول المحيطة بها وصولاً إلى استحقاقات المرحلة الأميركية المقبلة التي تطلق عليها واشنطن "إستراتيجية المحور الآسيوي" . قامت الصين التي تتهيأ لتنصيب رئيسها الجديد تشي جينبيغ وحكومة ومجلس شعب جديد، بزيادة إنفاقها العسكري وللأمن الداخلي على حساب الخارجي. مبررات الزيادة 1-يبدو أن بكين من خلال هذه الخطوة تدرك تماماً استحقاقات المرحلة المفصلية المقبلة التي قررت أن تواجهها بحسم في وقت تحذر فيه القيادة الصينية من تفشي الفساد بين المتنفذين في الحزب الشيوعي، وهو أمر حدا بالرئيس المنتهية ولايته هو جينتاو بأن يصفها بالخطر الذي يهدد 90 عاماً من الحكم الشيوعي. وكانت فضيحة المسؤول البارز في الحزب الشيوعي بو تشيلاي الذي أدينت زوجته بقتل مواطن بريطاني بتواطؤ من الشرطة الصينية لتضليل العدالة الأمر الذي كان محل الصدمة داخل البلاد والحزب الحاكم. 2- تدرك الصين أن الصعود الصاروخي لاقتصادها يحتم عليها إحداث تحولات تاريخية على سياستها الداخلية لاسيما في مجال الحريات والديموقراطية، إذ يعول الكثير من المحللين على صعود شّي جينبيغ كرئيس جديد ينتمي لحقبة ما بعد ماو تسي تونغ وكشخصية كفاحية بالرغم من أن والده كان من المقربين لماو إلا انه طرد من الحزب. وربما تخشى القيادة الصينية الجديدة من أن يؤدي الانفتاح المزمع للجمهورية سلباً على الداخل الصيني الأمر الذي يتطلب إعداد أمني جيداً على المستوى الداخلي. وكانت بكين قد حذرت من اللعب بالنار عندما دعا البعض لإعتصامات على طريقة "الربيع العربي". 3- تخشى الصين أن يؤدي الصراع الحدودي لها في بحر الصين الجنوبي أو صراعاتها الحدودية الأخرى خصوصاً في ظل توجه أميركي لجعل الباسفيك محوراً استراتجياً للسياسة الأميركية التي تراها منطقة نفوذ مستقبلية. الأمر الذي يرجح خشية بكين أن تضعف قدرتها على الأمن الداخلي بسبب التوترات الخارجية المحيطة بها. وتعلم أن أمامها عشر سنوات هي الأهم في تاريخها وهي فرصة للارتقاء من دولة "نامية " إلى دولة تقود اقتصاد العالم، لذا لم يكن حديث الأمين العام للحزب الشيوعي والرئيس المنتظر شّي جينبينغ مع جيش التحرير الصيني نهاية العام الماضي بأن مهمة الجيش الجوهرية هو تحسين قدراته على شن حروب إقليمية في عصر المعلومات وإجراء عمليات عسكرية متنوعة، محل صدفة أو خطاباً أجوف بل رسالة دولية. انعكاسات الخطوة إقليمياً ودولياً جاء إعلان الصين زيادة الإنفاق العسكري محل استياء دول الجوار في وقت تشتعل فيه أزمة حدودية بين الصين واليابان على خلفية جزر صخرية في المحيط الهادئ ، وكان رد طوكيو سريعاً عندما تحدث وزير الخارجية الياباني فوميو كيشيدا بأن بلاده " تنوي مواصلة مراقبة سياسة الدفاع والقوة العسكرية في الصين عن كثب ". وفي تعليق لوكالة الأنباء الصينية "شينخوا" حول زيادة إنفاق بكين العسكري أشارت فيه إلى أن بكين لا ترى أن التهديدات اليابانية أو الفلبينية أو دول الإقليمية هي فقط المخاطر الخارجية لأنها ترى ان واشنطن خلفها وفي الوقت ذاته لا يمكن أن تكون زيادة الإنفاق ضد الولاياتالمتحدة لأن هذا تحليل خاطئ – على حد قول الوكالة -. دأبت الدول الغربية على انتقاد الخطوة الصينية على الدوام ، وتتزايد هذه حدة الخطاب مع كل عام تصدر فيه البيانات عن ارتفاع الارقام الاقتصادية للتجارة الصينية. لكن في ذات الوقت ترى بكين ان خطوتها هي أقل من مثيلاتها من الدول التي ترفع من معدلات إنفاقها العسكري سنوياً مثل الولاياتالمتحدة والهند وروسيا ودول كبرى أخرى. إستراتيجياً تدرك الصين أن أمامها استحقاقات ضخمة للحفاظ على مواردها من الطاقة والتجارة وحتى التنافس في فضاء المعلومات التي تستوجب حماية ينبغي توفيرها عندما يحين الوقت.