لم يكن "مرزوق" -سكرتير المدير- شخصية محببة لدى الموظفين، فقد عُرف بكثرة تملقه للمدير وعدم مصداقيته، مع نقله لأخبار غير صحيحة عن الموظفين، التي غالباً ما يضع عليها "المحسنات" و"التوابل" حتى تشتعل المشاكل، كان المدير يثق بشكل كبير في سكرتيره "مرزوق"، وكان يصدق كل ما ينقله له أو ما يقال عنه، حتى تسبب هذا السكرتير بوجود خلافات كبيرة ومتشبعة بين الموظفين، ف"مرزوق" لا يتردد أن يوقع بين العاملين أنفسهم حينما ينقل لأحدهم أن زميله في العمل اشتكاه للمدير، أو نقل معلومة عنه غير صحيحة فيصدقه الموظف ويتحامل على زميله. "مرزوق" يحب كثيراً أن "ينفش" ريشه أمام الموظفين وأمام جميع المراجعين، فيبدي أنه المهم والأهم في المكان، بل إنه في غياب المدير يكاد يكون نائبه، يحاول أن يلعب على وتر الأهمية المغشوشة، فيتظاهر أنه سيحل الإشكالات لبعض الموظفين، ويعد ب"الفزعات" التي لا يرى منها الآخرون شيئاً، كما يدّعي أن تأثيره على المدير كبير، فيتباهى بمنصبه الذي يحاول أن يفتخر به، لكنه في الحقيقة مجرد منسق ومنظم وحلقة موصلة بين المدير وبين الموظفين والمراجعين، ولا يمارس "مرزوق" ذلك الدور فقط، بل إن الكثير ممن يشغلون هذه الوظيفة يتسلقون على المدير للوصول إلى "الوجاهة" الكاذبة، أو ربما لمحاولة استغلال القرب منه لتحقيق أهداف كثيرة. وعلى الرغم أن هناك الكثير من "السكرتارية" من أثبتوا الجدارة في إدارة هذه الوظيفة بكل نزاهة، وكانوا في موضع المسؤولية وبقدر الثقة، إلاّ أن هناك من يحاول أن يظهر بصورة نائب المدير أو استغلال القرب منه من أجل تشويه هذه الوظيفة، وهنا يبرز أكثر من سؤال: من أين يبدأ خلل السكرتير؟، ولماذا البعض يحاول أن يضع نفسه موضع المدير وهو مجرد سكرتير؟، وما هو دور المدير حينما يوجد لديه سكرتير سلبي؟. إن دور المدير يبرز في اختيار "السكرتير" المناسب، من خلال تحديد الشخص المُنضبط في الوقت وفي ساعات العمل، إضافةً إلى القدرة على ترتيب المواعيد، وتقديم الأعمال الأهم فالمهم، إلى جانب توفر المهارات الأخرى التي يحتاجها كل موظف كالحاسب الآلي واللغة الإنجليزية وغيرها، كما أنه لابد أن يترفع المدير عن ما كل ما ينقله إليه السكرتير من انطباع سلبي تجاه الموظفين، وأن يحصل على المعلومات من مصدرها الموثوق. استغلال وكذب وقال "علي السلطان": إن هناك كثيراً من السكرتارية شوّهوا صورة هذه الوظيفة، ففي الوقت الذي لابد أن يكون السكرتير هو أكثر الأشخاص قرباً واحتراماً لزملائه الموظفين، نجد أنه يحدث العكس في بعض الحالات، مضيفاً أن هناك من يحاول أن يشعر نفسه بأهميته من خلال ما يثيره من خلافات أو نقل لبعض المعلومات الخاطئة للمدير، التي غالباً ما يتأثر بها، بل إنه ربما وصل إلى أن يتصرف من خلف المدير في أمور قد لا يعلم بها، فيوهم المراجع أن المدير لديه علم وأنه هو من قرر في معاملته، وربما المدير لا علم له بتلك المعاملة، ذاكراً معاناته مع سكرتير المدير في الشركة التي يعمل بها، الذي لم يرتق أبداً لمستوى هذه الوظيفة المهمة، حيث كان السكرتير قليل النزاهة، ويستغل قربه من المدير لنقل المعلومات والأخبار غير الصحيحة عن الموظفين. أمانة وظيفية وأشار "السلطان" إلى أن في إحدى المرات كانوا يتناولون الغداء في فترة الاستراحة، وقد كان السكرتير موجوداً، فتحدث أحد الزملاء عن وضعه الوظيفي، وأنه يتطلع إلى تحسين وضعه، منتقداً سياسة الشركات الخاصة في تحسين الأوضاع، مبيناً أنه حاول ذلك السكرتير أن يبدي تعاطفه وأن يحصل على الكثير من الكلام من هذا الزميل، الذي لم يكن يتصور أن من يجلس معهم ويتناول الطعام سينقل جميع تفاصيل هذه الجلسة للمدير، مع شيء من الزيادة على فحوى الحديث، حتى انتهى وضع زميله إلى الفصل من العمل، مُشدداً على ضرورة أن يكون سكرتير المدير على قدر الأمانة الوظيفية والإنسانية التي تجعله يستشعر جميع ما يفعله في العمل، موضحاً أن هناك بعض السكرتارية من يعتقد أنه قادر على تسببه بالضرر، لكنه ينسى أن هناك حساباً في الآخرة. مهمة المدير وانتقد "بسام اليوسف" بعض المديرين الذين يجعلون من السكرتير مرآة تعكس لهم ما يدور في الخلف، أو في أروقة مؤسسة العمل، فقد يكون هناك سكرتير سلبي، لكن على المدير أن يكون محايداً دائماً، وأن يختار لهذه الوظيفة من هو جدير بها، مضيفاً أن قيمتها لا تأتي من مكانتها، بل من قيمتها الفعلية والإنسانية؛ لأن السكرتير هو الرباط بين المدير وبين جميع الخيوط المتشعبة التي حوله، التي تتطلب من الرئيس الوعي والإلمام بشكلها الحقيقي، موضحاً أن هناك الكثير من المديرين من يدفع السكرتير لأن يرتكب الأخطاء، بل ويتصور أنه الأهم حينما يمنحه كثيراً من الصلاحيات، التي هي في الأساس ليست من صلاحياته. وأضاف أنه حينما يثق المدير بالسكرتير كثيراً فإنه يصدقه في كل ما يقول، بل ربما طلب منه أن يؤدي أدواراً بعيدة عن طبيعة الأعمال الإدارية، ك"التلصص" على الموظفين، أو تسريب معلومة غير صحيحة لمعرفة ردة فعلهم، أو محاولة استفزاز البعض، وغيرها من الأمور التي لا تليق بالمدير أن يتصرف بها. اختيار صحيح ودعا "اليوسف" إلى ضرورة أن يكون هناك سياسة واضحة ومتبعة في جميع قطاعات العمل لاختيار سكرتير المدير، مضيفاً أنه على الرغم من بساطة الوظيفة لكنها تأتي في وجه المدفع حينما ترتبط بين الموظفين والمدير، مشدداً على أهمية اتصاف السكرتير بمجموعة من الصفات التي تجعل منه أميناً وصادقاً ونشطاً ومنظماً ومميزاً، مؤكداً على أن الأمانة هنا ليست مع المدير فقط، بل فيما ينقل عن الموظفين، أو في سياسة التعامل بين السكرتير والموظفين، ناصحاً المدير بعدم يشجع السكرتير على بعض المخالفات أو السلوكيات غير المقبولة، بل عليه دائماً أن يختار من يستطيع أن يمثل قراراته وتوجيهاته بشكل جيد. شفافية وإخلاص وقال "د.سالم سعيد القحطاني" -أستاذ الإدارة العامة وتنمية الموارد البشرية بكلية إدارة الأعمال جامعة الملك سعود-: إن المدير قد لا يملك القدرة على اختيار من يؤدي أعمال السكرتارية لديه، لكنه يستطيع أن يدرب هذا السكرتير على عديد من الأعمال، مع وضع سياسة التعامل فيما بينهما، مضيفاً أن سكرتير المدير أحد الأبواب التي تمر من خلالها الأعمال، ويمر منها المراجعين، بل ويمر من خلالها توجيهات الإدارة العليا، فهو حلقة وصل واتصال بين المدير والآخرين، مشيراً إلى أن في كثير من الأحيان يحتاج المدير إلى وجود سكرتير يدرك العمل ويفهم الأعمال، بل ويستطيع أن يتعامل بشفافية وإخلاص، وأن لا يكون عقبة أمام أصحاب الحاجة والمراجعين، وكذلك لا يعطي المعلومات المغلوطة للمدير أو لمن يراجع مكتبه. انضباط الأداء وشدّد "د.القحطاني" على ضرورة أن يتصف السكرتير بمهارات محددة أهمها؛ فهم طبيعة الأعمال، حتى يستطيع أن يساعد المدير في تنظيم الأمور الإدارية، وكذلك في تنظيم المعاملات وتذكيره بها ووضعها في الملفات، إلى جانب وضعها إلكترونياً إن تطلب ذلك، مضيفاً أنه لابد أن يكون السكرتير منضبطاً في تواجده وفي أعماله، فالانضباط يكون في الوقت وفي ساعات الدوام؛ لأنه في الكثير من الأحيان يكون المدير في اجتماعات أو منشغلاً، وبالتالي من المهم أن يكون موجوداً لتلقي الاتصالات وترتيب المواعيد وتذكير المدير ببعض التوجيهات من الإدارة العليا، مبيناً أن الانضباط يُعد من أهم الصفات والخصائص التي لابد أن تتوفر في السكرتير بعد تمكنه من فهم العمل المناط له، كذلك لابد أن تتوفر فيه القدرة على ترتيب المواعيد وترتيب الملفات، ذاكراً أن السكرتير هو الضابط لهذه الأعمال، ولابد أن يكون قادراً على ترتيب الملفات بشكل يتناسب مع ما يتم تخصيصه للعمل، بحيث يضع الورقة المناسبة في المكان المناسب بشكل يسهل الوصول إليها المدير. وأضاف أنه من المهام أيضاً المرتبطة بالسكرتير ترتيب المواعيد حتى لا تتداخل مع بعضها، مع تقديم الأعمال الأهم فالمهم، إضافةً إلى توفر المهارات الأخرى التي يحتاجها كل موظف كالحاسب الآلي واللغة الإنجليزية وغيرها. مصدر موثوق ودعا "د.القحطاني" إلى ضرورة أن يترفع المدير عن ما ينقله إليه السكرتير من انطباع سلبي تجاه الموظفين، حيث يجب أن لا يخرج دور السكرتير عن إطار عمله، الذي يكمن في أنه منفذ ومسهل لأعمال المدير، وليس مصدراً للمعلومات غير الصحيحة كما يعتقد البعض، مضيفاً أنه يجب على المدير أن يحصل على المعلومات من مصدرها الموثوق، مؤكداً على أن دور السكرتير يجب أن لا يتجاوز التنظيم والترتيب والتنسيق وتوفير متطلبات العمل، دون أن يتعدى إلى غيره من الأعمال التي لا تُعد من صميم عمله، لافتاً إلى أنه قد يمارس بعض السكرتارية هذه الأعمال لكنها مهام ليست من ضمن صلاحياتهم، كما يجب على المديرين أن لا يطلبوا منهم ذلك. السكرتير الناجح هو من يُقدّر ثقة المدير مع الابتعاد عن المشاكل مع الموظفين د. سالم القحطاني