تأخذ الاجتماعات الجانبية من وقت بعض المسؤولين أحياناً أكثر من وقت أداء العمل الوظيفي وخدمة المجتمع، حتى أصبح لدينا جهات لا يستطيع المواطن أن يتواصل مع بعض مسؤوليها نتيجة تلك الاجتماعات، والتي جعلت هذا المسؤول وغيره من موظفي إدارته في عزلة شبه تامة، وأصبحت سمة واضحة في محيط العمل، وبسؤالك عن مدير الإدارة أو القسم أو عن أحد الموظفين يجيبك السكرتير أنّه في اجتماع وعندما تتجه إلى مدير إدارة أخرى تجد الإجابة نفسها؛ مما يوّلد لديك تصوراً أنّ هناك تعلقاً كبيراً بالاجتماعات أكثر من الحرص على مواجهة مقتضيات ومتطلبات الوظيفة ومهامها، وهذه الصورة المتكررة في قطاعنا الحكومي على مختلف مستوياته بما فيه الأطباء والأكاديميون في الجامعات والمستشفيات تذكرنا بجلسات « قهوة الضحى» التي لا يطيب النهار إلاّ بالجلوس لها وتبادل الأحاديث خلالها. إخفاق في دورة العمل ورغم كثرة وتعدد هذه الاجتماعات، إلاّ أننا لا نزال نعاني قدراً من الإخفاق في دورة العمل ببعض الجهات، فلا هي الاجتماعات حققت تمنيات الجمهور، ولا هؤلاء المجتمعون الغائبون عن الجمهور وصلوا إلى نتيجة، بدليل أنّهم لا يزالون يلوكون اجتماعاتهم صباح مساء، إذاً نحن أمام واقع مزعج يعانيه الجمهور أثناء مراجعة بعض تلك الإدارات الحكومية؛ مما يتطلب بشكل مُلحّ إعادة النظر في حجم الاجتماعات وتقنينها والحد منها عبر إصدار قرار بأن لا يتم عقد أي اجتماع خلال دوام العمل الرسمي إلاّ بإذن مسبق من الإدارة العامة الإقليمية للمنشأة، وأن تكون هذه الاجتماعات محدودة العدد خلال الشهر ومحدودة المدة ومُقرة بشكل مسبق، وعلى من كان لديه عشقٌ لعقد وترأس الاجتماعات فلا مانع من ممارسة هذه الهواية خارج وقت العمل بعيداً عن تعطيل مصالح الناس وحاجاتهم. انتظار طويل مواطنون يأتون من أماكن بعيدة على أمل مقابلة المسؤول ليفاجئهم تواري هدفهم في غرفة الاجتماعات، ثم ينتظرون الأيام والشهور لتتاح لهم فرصة مقابلته، وهذه حقيقة خالية من صيغ المبالغة، فمن اجتماع في مقر العمل إلى اجتماع في الوزارة إلى اجتماع في منطقة أخرى، ويمتد القفز إلى اجتماع سياحي داخل الوطن ومثله خارج الوطن في عواصم الترفيه، وإن لم يكن اجتماعاً فهو لحضور مؤتمر أو مشاركة بورقة عمل استهلكت الأسابيع والأيام والاجتماعات لإعدادها، وإن كان لابد فلحضور أحد المعارض الدولية استمتاع بالإطلاع على كل جديد، ليطل السؤال كلما فاجأتنا ردود السكرتارية و»اللمبة الحمراء» بتواري المسؤول خلف الطاولة «كيف السبيل للقضاء على الاجتماعات المستفزة؟. ضرورة ولكن وذكر «د.عبدالله الوهيبي» -أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد والإدارة بجامعة القصيم- أنّ العمل الإداري يحتاج في الأساس إلى اجتماعات دورية وطارئة لأجل أن تتم مناقشة تطورات ومسيرة العمل في المنظومة، مضيفاً أنّ من الملاحظ عند كثير من المسؤولين كثرة الاجتماعات الداخلية والخارجية؛ مما قد يؤثر سلباً على تقديم الخدمة، حيث يأتي المراجع من خارج المنظّمة أو من داخلها إلى مكتب صاحب الشأن فيجيبه السكرتير أن المسؤول في اجتماع، ثم يأتي للمراجعة بعد فترة ويجد أنّه في لجنة، ويوم آخر في اجتماع خارجي، حيث لا يملك المراجع المسكين إلاّ الانتظار، وربما إلتمس العذر للمسؤول في كثرة اجتماعاته معتقداً أنّه مشغول كل الشغل، وغاب عن ذهن هذا المراجع المسكين أنّ بعض المسؤولين وأصحاب المكاتب «يخلقون» اجتماعات ومهام لا داعي لها وإنّما فقط من أجل المادة !، كيف لا وكل ساعة اجتماع تضيف إلى راتبه مبلغاً وقدره، وكل ساعة عمل خارج المنظمة تزيد في أرباح مرتبه نسبة مئوية لا يستهان بها، وربما استفادت الجهة من هذه الاجتماعات واللقاءات ويبقى الضحية هو المراجع الذي ينتظر توقيعاً أو شرحاً على معاملته. د.عبدالله الوهيبي مضيعة للوقت وعلق أحد الموظفين بعد خروجه من اجتماع بأنّ الأوقات التي يتم فيها استدعاء الموظفين من داخل الإدارة أو من خارجها في المحافظات والمراكز الأخرى لا يتم من خلالها الخروج بنتيجة تخدم العمل غالباً، مؤكداً على أنّ الرؤى والمناقشات التي يتم طرحها في تلك الاجتماعات معروفة النتائج وأنّها سوف تنتهي إلى المسار الذي يراه رئيس الاجتماع أو المدير العام، فليس هناك -في معظم الأحوال- أشياء تستحق الاجتماع وتعطيل العمل وتجميع المشاركين من الإدارة العامة أو فروعها، موضحاً أنّ سياسة الرجل الواحد لا ينطبق عليها مفهوم الاجتماعات، مشيراً إلى أنّه يمكن تعميم ما يراه المدير وتنتهي إشكالية تعطيل العمل بدعوى الاجتماعات التي يراد منها - فيما يبدو - استدعاء هذا الحشد لتأييد ما يراه صاحب الصلاحية. نجتمع ولا نتفق! وقال أحد مدراء الإدارات: «تعودنا في مثل هذه الاجتماعات أن نتداول مع بعض الزملاء موضوعاً من المواضيع ثم يطول النقاش وتتعدد الآراء والمقترحات، وفي النهاية نجد أنفسنا قد استمعنا إلى بعضنا لكننا في الحقيقة لم نتفق، والسبب في ذلك أنّ كل واحد من المجتمعين يعتقد أن رؤيته هي الأفضل والأجدر أن يتم الأخذ بها، ولكثرة هذه الاجتماعات وعدم تركيزها دور كبير في أن تفقد هيبتها وأهميتها والجدوى من عقدها». الباب المفتوح فيما يرى المواطن أنّه ليس معنياً بأي حال من الأحوال للرضوخ لسياحة المسؤول الداخلية والخارجية وعقدته النفسية في تنظيم وترأس الاجتماعات، فهناك توجيهات سامية كريمة تُوجب فتح أبواب المسؤولين أمام المراجعين وتخصيص أوقات محددة لمقابلتهم والاستماع إلى شكاويهم، وحل ما يواجهون من مشاكل وتسهيل أمورهم.