أبقت دول مجلس التعاون الخليجي خلال اجتماعاتها المتوالية مستويات قلقها من البرنامج النووي الإيراني في حالة تصاعد منتظم. ولعل ما تحدث عنه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح خلال القمة الخليجية مؤخراً بعد أن تنامى لوسائل الإعلام تقارير تحدثت عن كارثة أوشكت على الوقوع في مفاعل بوشهر النووي. الأمر الذي من شأنه إحداث كارثة بيئية تهدد مياه الخليج، لكن انعكاس الملف النووي الإيراني لا يحده الإقليم محل الأزمة ولكن انعكاساته تلقي أيضاً بظلالها في المحافل الدولية . ففي الوقت الذي وصف وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي نبأ استئناف المفاوضات مع مجموعة الخمسة زائد واحد خلال مؤتمر ميونخ للأمن بالخبر السار، سبقها دعوة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن للقاء ثنائي يجمع البلدين من اجل تسوية الملف النووي، ومع التصريح الأول الذي أطلقه جون كيري وزير الخارجية الأميركي بأن واشنطن ستبقي على الخيار الدبلوماسي لتبديد المخاوف الدولية بخصوص برنامج إيران النووي، وأن الكرة الآن في ملعب إيران . تبدو دول مجلس في موقع يخولها الضلوع في مباحثات كانت قد سعت في ما مضى من أجل أن تكون جزءاً منها إلا أنها في الوقت الحالي كما يقول دبلوماسي خليجي اكتفت بالتقارير وما يحيطه بها الاتحاد الأوروبي الذي يقود هذه المفاوضات، التي تعرضت لعراقيل وصعوبات بسبب تفاصيل فنية تتعلق بالتخصيب او سياسية مرتبطة بتخوف الدول الغربية والمجتمع الدولي من أن يؤدي تطوير طهران لتقنيات ذرية إلى تعقيدات تلقي بظلالها على الأمن الإقليمي ، الذي من شأن انعكاس إيجابي أو سلبي عليه أن يحمّل المنطقة تبعات ترهقه سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ولأن الملف النووي الإيراني شأن إقليمي كان سعي دول التعاون أن يكون لها مقعد في مفاوضات أميركا وأوروبا مبرراً كون هذا الملف بشقيه الفني والسياسي شأن إقليمي بحت، بالرغم أن وزير خارجية البحرين الشيخ خالد آل خليفة كان قد أشار إلى ذلك الأمر بشكل واضح بقوله إذا كانوا يتحدثون عن الأمن الإقليمي فهذا شأن خليجي وعاد ليستدرك بأن التفاوض إن كان فنياً بحت فدول التعاون لا حماسة لديها. مبررات المخاوف الخليجية لا تخفي دول مجلس التعاون قلقها من الوصل لتسوية على حساب أمنها الإقليمي او مصالحها الإستراتيجية، فقد أشار الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية بأن « التسويات « في هذا الملف ستكون مرفوضة ، ويمكن عزو التخوف الخليجي مؤخراً إلى عدة اعتبارات : 1-رغبة الرئيس أوباما في انجاز هذا الملف الذي يتموضع على رأس أولويات الأجندة الرئاسية لفترته الثانية بل إن الديلي ميل البريطانية قالت إن باراك أوباما سيقدم لنتنياهو عرض « إيران - رام الله» عندما يقابل الزعيم الليكودي الشهر المقبل. 2-دعوة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن القادة الإيرانيين لمباحثات نووية ثنائية يجعل طهران في موقف أكثر قوة بشكل يمكنها من لعب دور إقليمي على حساب دول أخرى. 3-الخلفية السياسية لوزيري الخارجية والدفاع الأميركيين جون كيري وتشاك هاغل، فالأول كان قد أبدى موقفاً ليناً عام 2004 عندما كان في خضم الترشح للبيت الأبيض وقال إنه سيعرض على إيران الاحتفاظ بمنشآتها النووية مقابل التخلي عن الاحتفاظ بالوقود النووي الذي يدخل في صناعة القنابل النووية، إضافة إلى تصريحاته الأخيرة بعد أن أدى قسم منصبه بأن « نافذة الدبلوماسية لا تزال مفتوحة أمام إيران» ، كما أن هاغل كوزير للدفاع تم انتقاده بلطف من قبل روبرت ساتلوف مدير معهد واشنطن عندما قال إن أوباما اختار مرشحاً لم يؤمن يوماً بفكرة ضرورة منع إيران بأي ثمن من امتلاك سلاح نووي، وسيتطلب تغيير هذا الانطباع السلبي أفعالاً لا أقوالاً فحسب. 4-خلط الأوراق والأزمات الإقليمية بالملف النووي الإيراني يفاقم القلق الخليجي من احتمالية طرح هذه الملفات داخل الأبواب الموصدة . ماذا يلزم لتبديد المخاوف؟ من شأن اضطلاع دول التعاون في مفاوضات الملف النووي الإيراني بشكل أكثر قرباً ، أن يبعث رسالة إلى الدول الخليجية تجعلها أكثر إدراكاً بواقعها الإقليمي وإلى أين يمضي. مع تبديد قلقها المتصاعد، في ظل أزمة تتقاذفها قوى بعيدة جغرافياً عن المنطقة ويمكن النظر إلى ملف مماثل وهي أزمة الملف النووي الكوري الشمالي والذي تديره « اللجنة السداسية « المكونة من الدول ذات العلاقة المباشرة بالملف وهي كوريا الشمالية و الجنوبية والولاياتالمتحدة والصين وروسيا واليابان . وكلها دول تقع في محيط الأزمة ويمكن أن تتضرر من تداعيات الملف النووي الكوري الشمالي . جعل دول التعاون في عين الحدث في حال قيام مفاوضات ثنائية بين الولاياتالمتحدةوإيران ، ووضع الامن الاقليمي أولوية لواشنطن خلال مفاوضات مع طهران، التي يمكن أن لا تؤدي لشيء إلا لكسب بعض الوقت لإيران التي تجيد فن المراوغة.