تعكس نبرة وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري وتحركاته الأولى قبل ايام من موافقة الكونغرس على تعيينه، توجهاً للتركيز على عملية السلام والملف الايراني، ثم تحسين العلاقات مع روسيا، وزيادة الحضور الاقتصادي للولايات المتحدة دولياً، والتركيز على تقوية المعارضة في سورية وابعاد موسكو عن الرئيس بشار الأسد. وقالت مصادر أميركية ل «الحياة» ان هناك اهتماماً جدياً من كيري بإنعاش عملية السلام، وأنه قال للرئيس باراك أوباما أنه «سيباشر هذه المهمة من دون اقحام الرئيس نفسه أو تعيين مبعوث في هذه المرحلة، وفي حال فشل المفاوضات، فسيتحمل كيري المسؤولية، أما في حال نجاحها، فيكون الانجاز لأوباما». وتأتي استعدادات كيري لزيارة المنطقة وتل أبيب ورام الله في جولته الخارجية الاولى ضمن محطات شرق أوسطية أخرى الشهر المقبل، لترسخ هذا التوجه من السيناتور الأميركي. فكيري الذي أمضى 27 سنة في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ عايش عملية السلام والدور الأميركي في صعوده وانتكاساته، وكان أبرز شخصية أميركية تزور غزة عام 2009. ويرى مراقبون أميركيون فرصة لواشنطن بعد الانتخابات الاسرائيلية بسبب تراجع موقع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، وأيضاً بسبب التحولات الاقليمية وابتعاد حركة «حماس» عن التأثير السوري - الايراني، واقترابها أكثر من مصر والرئيس محمد مرسي. ومن المتوقع أن يتوقف كيري في مصر خلال جولته، كما ينتظر من البيت الأبيض تحديد موعد للرئيس محمد مرسي لزيارة واشنطن الشهر المقبل بعدما تأجلت من 17 كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وتذكر المصادر أن توجه كيري الى الشرق الأوسط كمحطته الاولى، خلافاً لسلفه هيلاري كلينتون وكوندوليزا رايس اللتين زارتا آسيا وأوروبا تباعاً، يعكس «تطلع كيري لرهن شرعيته بالمنطقة بما تمثله من تحديات وفرص». وبرز التركيز على الملف الايراني في كلمة كيري وجدوى السعي الى حل ديبلوماسي مع رفض سياسة الاحتواء. وستهيئ تصريحات كيري والجدول الزمني الضيق لوقف ايران من حيازة سلاح نووي، الى تسريع وتيرة الديبلوماسية الأميركية باتجاه طهران وتقديم عرض سخي قد يكون الفرصة الديبلوماسية الأخيرة لحل هذا الملف. ويساعد كيري في ذلك استعداد تشاك هاغل لتولي وزارة الدفاع، وجون برينان وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. إيه) واحتمال انتقال وجوه مثل بونيت تالوار من البيت الأبيض الى وزارة الخارجية، وهو متخصص في الشؤون الايرانية. ودولياً، ركز كيري على تحسين العلاقة مع روسيا التي سيكون التعاون معها ضرورياً، سواء على صعيد الوصول الى حل للملف الايراني، أو الانسحاب من أفغانستان بسبب الحاجة العملية للقوات الأميركية للعبور عبر المنافذ الروسية. أما في الملف السوري الذي لم تتضمن كلمة كيري الأساسية في جلسة الاستماع أي اشارة اليه، فلمح كيري الى ضرورة تغيير حسابات الأسد للوصول الى مرحلة انتقالية، أو بمعنى آخر زيادة الضغط الديبلوماسي وشكل المعركة على الأرض لاجبار القيادة السورية على تغيير حساباتها. غير أن الملف السوري بحد ذاته لا يمثل أولوية للادارة بسبب مخاطر أي تدخل أميركي، وحصره في اطار التداعيات على ايران، ونفوذ تنظيم «القاعدة» وأمن اسرائيل ودول المنطقة. وطالما أن مضاعفات الأزمة السورية محصورة في الداخل، ترى واشنطن أن سقوط الرئيس السوري حتمي ولو أن العجلة بطيئة، وستصب جهودها على تنظيم المعارضة والائتلاف الوطني وابعاد موسكو عن الأسد الى حين الوصول الى تسوية بخروجه والدائرة المحيطة به من السلطة واضعاف المحور الايراني في المنطقة.