في زاوية السبت الماضي قلنا إن التأثير على أسعار البترول يختلف حسب الدوافع التي تدفع الدولة المنتجة للبترول الى زيادة أو خفض إنتاج بترولها. لإثبات صحة هذا الافتراض (أو النظرية) سأستخدم معادلة قياس المرونة وهي من المبادىء الأولية في علم الاقتصاد يلجأ إليها الاقتصاديون لقياس نسبة زيادة أو انخفاض الكمية المطلوبة أو المعروضة من السلعة عند خفض أو زيادة سعر السلعة. أنا هنا سأستخدم نفس المعادلة (موجودة في جميع كتب مبادئ علم الاقتصاد) لقياس درجة العلاقة بين سعر برنت الفوري وإنتاج البترول حسب الدافع الذي يدفع الدولة إلى زيادة أو خفض انتاجها من البترول. من أجل التبسيط من غير الإخلال بالمضمون سأقسم الدول المنتجة للبترول حسب الدافع لزيادة أو خفض إنتاجها إلى قسمين كالتالي: - المملكة ودافعها تحقيق استقرار أسواق البترول فهي لديها سعر معين (سميته في رسالتي للدكتوراه critical price) تعتقد أنه يحقق مصالح المنتجين والمستهلكين معاً ولذا تحتفظ بطاقة إنتاجية فائضة (قدّرتها في رسالتي للدكتوراه عام 1988 بخمسة ملايين برميل) لتزيد إنتاجها عند ارتفاع السعر عن السعر المستهدف وتخفّض إنتاجها عند انخفاض السعر عن السعر المستهدف. - المنتجون الآخرون (تشمل جميع دول العالم المنتجة للبترول) وهي تأخذ السعر المستهدف ( critical price) كسعر معطى given price فتنتج غالباً بكامل طاقتها الإنتاجية مادام السعر يغطي تكاليفها ويحقق لها دخلا صافياً ولو صغيراً على المدى المتوسط (من سنة إلى خمس سنوات) ثم تعيد النظر في قراراتها وفقاً لتغير تكاليفها الثابتة وما يطرأ على كمية احتياطياتها من زيادة أو نقص وتوقعاتها لأسعار البترول في المستقبل المنظور. بأخذ عينة صغيرة على عجل ( خلال السنوات 2004-2011) لقياس نسبة تغير إنتاج بترول المملكة مع نسبة تغير سعر برنت الفوري نجد أن مرونة منحنى عرض بترول المملكة بالنسبة لسعر برنت تساوي خمسة في الألف 0.005 (تقارب الصفر) وهذا يعني أن إنتاج المملكة لا يتأثر بسعر السوق لأنه يوجد لدى المملكة سعر مستهدف critical price (كما سميته قبل 25 سنة ويسمى الآن السعر العادل) ويتم تحديد هذا السعر إدارياً administered يمكن بقاؤه ثابتاً طالما يوجد طاقة انتاجية فائضة تكفي لتغطية الفرق بين العرض والطلب عند مستوى السعر المستهدف. بتطبيق نفس المعادلة لقياس نسبة تغير إنتاج بترول العالم (باستثناء بترول المملكة) مع نسبة تغير سعر برنت الفوري نجد أن مرونة منحنى بترول العالم بالنسبة لسعر برنت تساوي أكثر من أربعة في المية 0.043 (عشرة أضعاف تأثر بترول المملكة) وهذا يعني أن إنتاج العالم يتجاوب طردياً ولكن ببطء شديد مع تغير سعر السوق دليل على صغر (أو انعدام) الطاقة الفائضة لدى الدول الأخرى مما يجعل للمملكة القول الفصل في تحديد سعر البترول في المدى القصير. هكذا نرى أن بترول المملكة يلعب الدور الأساس (له الفضل) في استقرار أسواق البترول في المدى القصير (سنة الى سنتين) ولكن لا يلبث طويلاً حتى ينمو الطلب العالمي على البترول (الذهب الأسود) لرخصه وميزته على مصادر الطاقة الأخرى فيؤدي إلى قفزة جديدة (لا مفر منها) في السعر المستهدف critical price للبترول النبيل. موضوع زاوية السبت القادم - إن شاء الله - عن الدور الذي يلعبه تسييل الغاز القطري في الأسواق العالمية للبترول.