بعد أن وضحنا الدوافع الحقيقية وراء تجاوز دول اوبك لحصصها أصبح من الضروري لاكتمال الموضوع أن نوضح بعض اساسيات السوق التي يجب أن تلم بها حكومات (والمستشارون الاقتصاديون في) دول اوبك التي تساعدهم على فهم سوق البترول ومن ثم اتخاذ القرارات السليمة. كي ندخل في الموضوع مباشرة سنطرح سؤالاً مباشراً هو: ماذا تستطيع (وماذا لا تستطيع) اوبك أن تفعله لتحافظ على سعر أدنى لا يقل (مثلاً) عن ثمانين دولاراً للبرميل؟ سأجاوب عن السؤال فورا حتى لا يمل القارئ وهو ينتظر الجواب في نهاية العامود ثم - بعد ذلك - أوضح أساسيات سوق البترول. الجواب: تستطيع اوبك أن تحقق هذا الهدف (أي ثمانين دولاراً وأكثر للبرميل) لو استوعبت الأساسيات التي سنذكرها ادناه وتجاهلت تصريحات الخبراء والمحللين في بيوت المال العالمية التي تتننبأ بأن أسعار البترول يمكن أن تنخفض (وتستقر خلال عام 2009) الى مابين ثلاثين وأربعين دولارا للبرميل. ولكن لا تستطيع اوبك أن تحقق هذا الهدف (أي ثمانين دولاراً وأكثر للبرميل) اذا بقيت دول اوبك فرادى (كل دولة على حدة) تتصرف وهي تعتقد أن حدوث عجز في ميزانية دولة أخرى لن ينتقل تدريجيا الى عجز في ميزانية دولة بعد دولة حتى يصل العجز في النهاية الى عجز في ميزانيتها مهما كانت متحفظة في تقدير سعر الخام الذي أعدّت ايرادات ميزانيتها على اساسه. بعض أساسيات سوق البترول: نظرياً وكذلك تتفق مختلف القياسات التطبيقية (التي لايمكن حصر عددها) لمرونة الطلب على البترول تثبت التالي: أولاً: أن مرونة الطلب على البترول (لجميع القطاعات) غير مرنة سواء في المدى القصير أو المدى الطويل لكن مقدار المرونة قد يختلف بين طلب القطاع الصناعي وطلب قطاع المواصلات وطلب قطاع استهلاك المنازل (وفقا للقياس الذي قمت به شخصيا عام 1986 المنازل اعلاها مرونة كما أنها في المدى الطويل اعلى من المدى القصير ولكن جميعها أقل من واحد صحيح). ثانياً: بالنسبة لمرونة الطلب على بترول دولة واحدة او مجموعة صغيرة من الدول قد تكون مرنة (لمدة قصيرة) ولكن لا تلبث طويلا حتى تندمج في الاتجاه العام للمرونة. السؤال هو: ماتأثير هذه الخواص لمرونة الطلب على البترول في قدرة الدول المنتجة للبترول على التحكم في تحديد سعر البترول؟ الجواب هو كالتالي: اولاً: اذا خفّضت الدول المنتجة للبترول الكمية الكلية للبترول المعروضة للبيع فأن سعر البترول سيزيد بنسبة أكبر من نسبة خفض الكمية المباعة وهذا يؤدي الى زيادة ايرادات الدول المنتجة للبترول. - والعكس صحيح - أي: اذا زادت الدول المنتجة للبترول الكمية الكلية المعروضة للبيع فأن نسبة انخفاض السعر ستكون أكبر من نسبة زيادة الكمية المباعة وبالتالي ستنخفض ايرادات البترول. هذه الخاصية للمرونة حقيقة اقتصادية (وليست وجهة نظر) تنطبق على جميع انواع السلع (التي تكون مرونة الطلب عليها أقل من واحد صحيح) و موجودة في جميع كتب مبادئ علم الاقتصاد ويعرفها جميع الطلاب في كليات الاقتصاد لأنها تدرس لهم في اول كورس يدرسونه عن نظرية العرض والطلب. وللتأكيد سأكرر وأكرر: زيادة عرض (أي: زيادة انتاج) الكمية الكلية للبترول تؤدي الى خفض الإيرادات الكلية (أي رغم اننا نبيع براميل اكثر الا اننا نحصل على ايرادات أقل) لأن مرونة الطلب على البترول أقل من واحد صحيح. ثانياً: بالنسبة للطلب على بترول دولة واحدة (أو مجموعة صغيرة من المنتجين) لو زادت انتاجها - بكمية صغيرة - قد تستطيع في البداية أن تزيد ايراداتها لأن مرونة الطلب للشحنات الأولى من بترولها ستكون مرنة (أي: أكبر من واحد صحيح) ولكن لن يلبث الأمر طويلا حتى تنخفض الى مستوى مرونة الطلب الكلي على البترول وبالتالي ستنخفض ايراداتها بأكبر مما حققته من الشحنات الأولى وبدلا من أن تتلافى العجز ستقع في (وتجر غيرها الى) عجز أكبر . هكذا إذن تستطيع اوبك أن تمنع ان ينخفض سعر البترول الى الحد الذي يقضي على فوائضها ويؤدي الى حدوث عجز في ميزانياتها لو وضعت نصب عينيها التالي: اولاً: يجب على اوبك (المنظمة) أن تعرف أن خفض انتاجها الكلي يؤدي الى زيادة ايراداتها والقضاء على العجز في ميزانياتها. ثانياً يجب على اوبك (الدول التي لديها عجز) أن تعرف أن تجاوز حصتها سيؤدي الى أن يزيد (ويجر غيرها الى) العجز في ميزانياتها. ثالثاً: يجب على اوبك (الدول التي لديها فائض) أن تعرف أن العجز الذي يصيب ميزانية دولة لن يلبث أن يضطر هذه الدولة الى تجاوز حصتها وبالتالي سينخفض السعر و ينتقل العجز من ميزانية دولة لميزانية دولة حتى يصل الى ميزانيتها. ماذا عن الدول التي أصبح الآن يطلق عليهم: الراكبون بالمجان (فري رايدرز) أي: الدول البترولية من خارج اوبك ؟ هؤلاء أيضا (لا سيما روسيا) يجب أن يعرفوا أنهم لن يستطيعوا أن يزيدوا ايراداتهم اذا زادوا انتاجهم لأن زيادة انتاجهم ستؤدي الى خفض السعر بنسبة اعلى من نسبة زيادة عدد البراميل المباعة وتصبح خسارتهم مزدوجة أولا: نقص ايراداتهم وثانيا: زيادة معدل نضوب بترولهم على فكرة ليس من باب (الفشخرة) والنفخة الكذابة ولكن من باب اثبات الحق هو انني أول من سمى الدول البترولية من خارج اوبك باسم: الراكبين بالمجان (فري رايدرز) عندما قمت بتحليل تصرفاتهم والدور الذي يلعبونه في سوق البترول في ست صفحات من بداية الصفحة 136 الى نهاية الصفحة 141 في رسالتي للدكتوراة. * رئيس مركز اقتصاديات البترول( مركز غير هادف للربح)