عاد الهدوء إلى العاصمة التونسية امس بعد أن خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع الجمعة للمشاركة في جنازة السياسي المعارض شكري بلعيد الذي اغتيل يوم الاربعاء الماضي. وأعادت المتاجر والمطاعم فتح أبوابها في شارع الحبيب بورقيبة وسط تونس الذي شهد احتجاجات مناوئة للحكومة منذ مقتل بلعيد أمام منزله. وتسبب إضراب عام الجمعة بمناسبة جنازة بلعيد في توقف النشاط الاقتصادي وأدى إلى إلغاء الرحلات داخل وخارج المدينة. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن مقتل بلعيد وهو محام /48 عاما/ كان من أشد منتقدي الحكومة. وتتهم أسرته والمعارضة حزب "النهضة" الحاكم بالوقوف وراء مقتل بلعيد قائلين إن الحزب يغض الطرف عن تصاعد الهجمات التي تشنها ميليشيات موالية للحكومة على منتقديها العلمانيين. وجنازة الجمعة التي مر الجزء الأكبر منها بهدوء كانت أكبر استعراض سياسي منذ الثورة التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي في يناير 2011 واستخدم أنصار حزب "النهضة" موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" للدعوة إلى تظاهرة مناوئة لإدانة العنف أيضا السبت في تونس. وردد الكثير من المشيعين الجمعة شعارات تندد بحزب "النهضة" والحكومة. واعتقل عشرات الشبان في أعقاب مناوشات مع قوات الأمن قرب المقبرة التي دفن فيها بلعيد. وأدى مقتل بلعيد إلى إلقاء الضوء على الانقسامات بين المعتدلين والمحافظين داخل حزب "النهضة" نفسه. وأكد رئيس الوزراء حمادي الجبالي زعيم الفصيل المعتدل مساء الجمعة مجددا خططه لحل الحكومة وتشكيل فريق من التكنوقراط لإدارة البلاد حتى الانتخابات. ورفض الفصيل المحافظ بقيادة زعيم الحزب راشد الغنوشي هذا التوجه قائلا إن الحكومة تحتاج إلى سياسيين. من جانبه دعا وزير الدفاع التونسي التونسي عبد الكريم الزبيدي (غير منتم لاحزاب الائتلاف الحاكم) في تصريحات نادرة مساء الجمعة الى ابعاد الجيش عن "التجاذبات" السياسية في تونس التي تمر بازمة سياسية حادة. وقال الزبيدي لقناة نسمة الخاصة ان "المؤسسة العسكرية تعهدت بحماية اهداف الثورة، وهي تواصل حماية اهداف الثورة". واضاف ان مؤسسة الجيش "لا تخدم احزابا ولا اشخاصا خاصة ان البلاد مازالت في حاجة اليها" ولذلك "فلنتركها في منأى عن كل التجاذبات" السياسية في تونس التي شهدت الجمعة اضرابا عاما بالتزامن مع تشييع جنازة معارض يساري اغتيل الاربعاء بالرصاص امام منزله. وبين الوزير ان الجيش التونسي لا "يعمل بالتعليمات والتوصيات" في اشارة الى تقاليد جيش تونس الجمهوري الذي لا يتدخل في الحياة السياسية. واكد ان "الجيش يعرف ماذا يفعل وقد عمل بنفس الطريقة مع كل الحكومات وحتى في غياب السلطة (بعد الاطاحة بابن علي) والفراغ السياسي والشرعي، عرف كيف يشتغل وكيف ينقذ البلاد". وأضاف "هذا الكلام قلته في عديد المناسبات، وفي جلسة ضمت الرؤساء الثلاثة (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس المجلس التاسيسي) حتى تكون المؤسسة بعيدة كل البعد عن التجاذبات السياسية". يشار الى ان رئيس الجمهورية هو في تونس القائد الاعلى للقوات المسلحة. وجاءت تصريحات وزير الدفاع في معرض تعليقه على تصريحات ادلى بها الهادي بلعباس وزير الدولة للخارجية والناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر (شريك حركة النهضة الاسلامية الحاكمة في الائتلاف الحاكم). وكان بلعباس صرح خلال مشاركته في برنامج حواري تلفزيوني مباشر ان رئيس الجمهورية منصف المرزوقي سخر الجيش الوطني لتامين جنازة المعارض اليساري شكري بلعيد الجمعة. وعلق الزبيدي "منذ الخميس وانا اسمع ان الجيش له تعليمات وسخروه لتأمين موكب دفن" جثمان بلعيد و"أريد ان اقول ان الجيش لا يعمل بالتعليمات والتوصيات". وكان بلعيد الذي يعتبر من اشرس معارض حزب النهضة اهم احزاب الائتلاف الثلاثي الحاكم. وقد اعتبرته رئاسة الجمهورية التونسية "شهيدا من شهداء الثورة" التي اطاحت بزين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني/يناير 2011. واضاف وزير الدفاع مخاطبا بلعباس "قلت ان رئيس الجمهورية سخر المؤسسة العسكرية لتامين موكب الدفن، هذا ليس صحيحا وحتى وان كان صحيحا فان مثل هذا الكلام لا يجب ان يصدر إلا من رئيس الجمهورية وليس من ناطق رسمي باسم حزب من الاحزاب". واشار الوزير الى ان هذه المرة الاولى التي يتدخل فيها في وسيلة اعلام تونسية منذ تسلمه حقيبة الدفاع قبل اكثر من عامين. من جانبها استنكرت وزارة الداخلية التونسية التصريحات التي أدلى بها الوزير السابق في الحكومة الانتقالية السابقة والقيادي الحالي في حركة "نداء تونس" لزهر العكرمي والتي تجنّى فيها - حسب ما ورد في بيانها - على عدد من الإطارات الأمنية. وأعربت الوزارة عن استغرابها من صدور هذه التصريحات غير المسؤولة وتعتبرها من قبيل الافتراء على المؤسسة الأمنية وإطاراتها العليا. واعتبرت الوزارة أنّ استهداف المؤسسات الدستورية والتشكيك فيها ثم استهداف المؤسسة الأمنية ومحاولة التدخل فيها ليس له من نتيجة غير الدفع نحو الفوضى والمجهول. مؤكدة أنّ التحلي بالمسؤولية يفرض دعم الوحدة الوطنية ووضع حدّ للتصريحات غير المسؤولة. وكان لزهرالعكرمي قد ذكر قبل أيام من اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد وعلى إثر الاعتداء على مقر حزب حركة "نداء تونس" أن مجموعة من الميليشيات تقودها شخصيات أمنية تقف وراء هذا الاعتداء وأضاف أن شخصيات أمنية رفيعة المستوى تدير هذه الميليشيات وتقوم بتنسيق عملها، مضيفا "حركة النهضة تسعى الى البقاء في السلطة عن طريق تجنيد هذه الميليشيات وتوظيفها سياسيا". ويبدو أن تطورات خطيرة بحجم خطورة مقتل القيادي المعارض شكري بالعيد ستشهدها تونس خاصة بعد التصريحات المتتالية لسياسيين وإعلاميين تتهم جهات أمنية في الضلوع في قضايا العنف السياسي الحالي، حيث ذكر عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين زياد الهاني في تصريح صحفي خطير اثار ضجة كبيرة اتهم بالاسم مسؤولين بوزارة الداخلية وبحركة النهضة بالوقوف وراء اغتيال شكري بلعيد. وقال ان مصدر أمني اخبره بأن يتم التركيز على أطراف في وزارة الداخلية وقال ان المسؤول المباشر على اغتيال شكري بلعيد هو المدير العام للمصالح المختصة وهو معين من قبل النهضة من طرف قيادي بالحركة، وأضاف الهاني "أنه تم انتداب 20 شاباً لم يدرجوا في سجلات الداخلية ليقوموا بتدريبات في فنون القتال". من جهة أخرى فجّر المناضل السياسي الناطق الرسمي باسم حزب الجبهة الشعبية حمّة الهمامي "قنبلة " أخرى إذ أكد في تصريح تلفزيوني ان زوجته الحقوقية راضية النصراوي تلقت مكالمة من شخص مجهول قبل مقتل بلعيد قال لها "بأن شكري بلعيد قد حسم أمره"، وتابع حمّة الهمامي "هذا الشخص أكد لراضية النصراوي أنه سيشهد على الواقعة وبكل التفاصيل". ويتردد في مختلف الأوساط أن هناك قائمة للمطلوب تصفيتهم يتم تداولها حاليا تضم أسماء قيادات سياسية منها شكري بلعيد الذي تمت تصفيته منذ يومين وكذلك العديد من الاعلاميين. وقال زياد الهاني انه وعلى إثر مغادرته لأستوديو القناة التلفزيونية تلقى استدعاء قضائيا للمثول أمام قاضي التحقيق بالمكتب 13 بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة وذلك على خلفية تصريحاته على قناة نسمة التلفزية وما ذكره بخصوص تورط مدير في وزارة الداخلية في عملية اغتيال شكري بلعيد. الى ذلك قالت وزارة الداخلية التونسية إنه تم إلقاء القبض على أكثر من 200 شخص تورطوا في أعمال السطو والنهب التي رافقت تشييع جنازة القيادي المعارض شكري بلعيد الجمعة. وقالت الوزارة في بيان أصدره المكتب الإعلامي انه جرى القبض على 230 شخصا تورطوا في أعمال النهب بوسط العاصمة وفي محيط مقبرة الجلاز حيث جرى دفن الفقيد شكري بلعيد. وأضافت أن أغلب الموقوفين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و25 سنة كما تم حجز آلات حادة وعصي وحقائب مملوءة بالحجارة. وأوضحت الوزارة أن الرقم مرشح للارتفاع بعد الانتهاء من معاينة الأشرطة المصورة واستكمال الأبحاث. وبينت صور على قنوات تونسية بثت الجنازة على الهواء عمليات سطو لشبان على سيارات رابضة أمام المقبرة وعمليات حرق لها.