سادت مصطلحات أمريكية موجهة للعالم، لكنها تخص الواقع العربي بما سمي «بالفوضى الخلاقة»، و«الشرق الأوسط الجديد»، وبدأت هذه الحقبة مع احتلال العراق من قبل أمريكا لتحدث أول فوضى تحت رقابة ورؤية، وتخطيط تلك القوات، والآن يدفع العراق الثمن بوضعه تحت لائحة التقسيم، وهذه المرة باتفاق أمريكي - إيراني، ومباركة من بعض عناصر الداخل.. سورية تنزف، دُمر كل شيء تطاله قوات الأسد بدعم روسي - إيراني، وصمت وتجاهل من دول الأطلسي، وحياد آسيوي عدا الصين، وانقسام بين الحكومات العربية، وترقب حذر من تركيا، ودخول مباشر مع إسرائيل في الإعلان عن أولى غاراتها، والمستقبل ضبابي، فبينما معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري يطرح فكرة الحوار الوطني مع السلطة بشروط محددة، انقسمت المعارضة ما بين مرحب ورافض، لكن هناك رغبة دولية بتمرير هذا المشروع لأنه المخرج الوحيد لما تخشاه أمريكا وحلفاؤها، وروسيا والتابعون لها في قبول هذا الحل، لكن هل لا يصاحب ذلك عمل جديد تُرسم من خلاله الخارطة السورية، ومعها العراقية بفدراليات أو شبه دول تلتقي على اتحادات تستقل بصلاحياتها وبإداراتها الذاتية، وبعاصمة مركزية تبقى مجرد منسق سياسات ومقر للوزارة والبرلمان والمحكمة العليا؟ في البلدين، العراق، وسورية، هناك ريبة من النظامين في أي تغيير يحدث على الساحة السورية، لأن الخطوط ستتقاطع، وربما المتغير السياسي قد يتبعه اختلال في الجغرافيا، وأن إسرائيل وإيران ستدخلان اللعبة في ظل غياب تام من القوى المؤثرة في المنطقة، خاصة إذا ما تم الاتفاق بين تلك القوى على رسم حدود، وإنشاء أقاليم وحكام لأجزاء من الدولتين.. ليس الأمر مدخلاً للتفاؤل والتشاؤم، لكن الصورة ليست زاهية طالما الفوضى سائدة، وليس هناك تصوّر لدولة ناجحة تستطيع أن تعبر من دكتاتوريات ما قبل الربيع العربي إلى نظم تجمع أطياف المجتمع الواحد بتوافق وطني على كل الخلافات بين الأطراف المتنازعة، والتي حتى الآن تسببت في تعقيدات اجتماعية، وتدن اقتصادي يهددها بالمجاعات وثورة فقراء يريدون العيش والأمان.. مصر لحقت بانقسام الشارع، ويبدو أن الأصابع الخارجية أخذت دورها بتحويل البلد إلى مشكل أمني وسياسي، يلحقهما تدن في المداخيل وانهيار للعملة، ومصر هدف أساسي لإضعافها، سواء بالحروب أو التشابك الداخلي لأنها مصدر القوة العربية، لكن في خضم ما يجري الكل يخشى أن تستمر الاحتجاجات والمصادمات بين الفرقاء، وأمام عجز الدولة وأجهزة الأمن قد يتحرك الجيش لضمان الأمن، وهذا يعني العودة إلى العهد السابق، بينما هناك من يرى فرصة للباب المفتوح في التفاوض والالتقاء على جامع مشترك ينقذ البلد باتفاق لا يجعل هناك ضرورة لفرض حالات حظر أو تغيير في مسار الثورة، لكن هذا مرتبط بشعور عام لأن مصر تقع على خط التماس بين القوى الكبرى، وإسرائيل لا تغيب عن المشهد، فهي لا تريدها دولة ديمقراطية تنجح في امتلاك قرارها السياسي، ولا تقبلها دولة مزدهرة اقتصادياً لأن ذلك يخل بموازين القوى، ومع كل ذلك فالآمال تبقى معقودة على خروجها من النفق وبقائها دولة قائدة..