هل يجوز أن يكون العنوان مصطلحاً سياسياً بين الحروب المختلفة العسكرية والنفسية والإعلامية والناعمة وغيرها، أم أنه اجتهاد خاطئ حيث، إن الدفء لا يحدث إلاّ بين من تتطابق أفكارهم وآراؤهم، وتجمعهم علاقات حميمية خاصة؟ في منطقتنا العربية تجري منافسات بين القوى الكبرى، هي الأقل من الحرب الباردة أو الحروب بالنيابة، فروسيا من خلال إيران وسورية تريد خلق معادلة تعوضها عن حلفاء الاتحاد السوفياتي في الماضي أثناء موجات اليسار التي اجتاحت العالم الثالث ووصلت آثارها إلى فرنسا وإيطاليا واليونان في القلاع الأوروبية الغربية، لكن ما يحدث هو محاولة روسيا أن تعادل القوة مع دول الأطلسي، ولو من باب محاولة تأكيد الذات بأنها لا تزال تملك دوراً مؤثراً، غير أن من يدعمون سورية ويضيّقون على إيران الغرب والعرب، وفي المعادلة الحسابية هم الأقوى والأكثر تأثيراً، وروسيا أيضاً تريد من هذا السلوك حماية حديقتها الخلفية في المنظومة السوفياتية القديمة أي أوروبا الشرقية التي دخل معظمها الاتحاد الأوروبي، وآسيا الوسطى التي تمردت على روسيا بعلاقات وصلت إلى حد قبول إنشاء قواعد عسكرية غربية في بعضها، وحتى أوكرانيا لم تخف أنها الأقرب إلى الغرب من علاقاتها مع الروس.. صحيح أن التنافس لم يصبح أيدلوجياً، ولكنه استراتيجي على المواقع الحساسة حيث الغرب لا يزال يستخدم مصطلحه بالقوة الناعمة، ولأن المنطقة العربية أحد مواقع الصدام العسكري والدبلوماسي والسياسي، فهي حيوية للطرفين، غير أن ذكريات أفغانستان التي أسقطت قوة السوفيات تعاد بسيناريو آخر، حيث إن إنهاء سلطة الأسد لا يحتاج إلاّ لعامل الوقت وبسقوطه ستكون روسيا الخاسر الأكبر، ومع الاعتبارات التي تطلقها بأن الشعب هو من يقرر فهي تخالف هذا الرأي بمد عسكري ومادي لاستمرار النظام، وربما اعتبار التحالف الطائفي بين إيران وسورية قاعدة قوة انطلاق الروس، وكذلك ما تحاول فيه إقناع باباوات كنائسها بأنها تعمل على حماية (الارثوذوكس) فعامل الدين، وإن حضر بشكل مكثف، فسورية بطائفتها السنية هي الأكبر داخل المكوّن الاجتماعي، وإيران لا تشكل إلاّ النسبة الضئيلة بمذهبها الشيعي مع الأكثرية السنية في العالم وخصوصاً ما يحيط بها، وحرب المذاهب لا تحتاج إلى من يفجرها فهي متصاعدة، وأزماتها متعددة، وحتى روسيا لديها مسلمون لا يمكن نزع عاطفتهم مع من يلتقي معهم روحياً ودينياً.. الغرب بدوره ليس بعيداً عن قبول حالة الاضطراب، فأمريكا سلّمت العراق لإيران، ولا تريد أو ترغب أن تقع سورية في حضن تركيا، لأن الحسابات في هذه الحالة ستجعل هناك صراعاً إقليمياً إيرانياً تدعمه روسيا، وتركياً يفرض تأييدها عضويتها في الأطلسي.. دول المنطقة هي الضحية في هذه المنافسات، لأن نهر الدم الذي يجري في سورية لا يعني أي طرف فهو محسوب على وضع داخلي نشأت أسبابه من خلال تراكم العديد من الخلافات السياسية والمذهبية، وبقية الدول وخاصة العراق ولبنان هي جزء من المشكلة.. وعملية أن تنغمس روسيا في المشكل المعقد فقد تكون المثال المكرر لخسائر السوفيات في المنطقة العربية وخارجها..