الأحداث العربية الجديدة، بدأت ترسم ملامح سياسة دولية في تشكيل نمط مختلف من صراع الثنائية القطبية بين الاتحاد السوفيتي القديم وحلف الأطلسي، واللذين لعبا دوراً قسّم المنطقة بين الغرب والشرق، والآن ومع الربيع العربي بدأت تتبلور تحالفات بلا ايدلوجيا، لكنها عودة إلى حرب باردة بأدوات تناسب الظرف الراهن.. المشهد بدأ مع دخول القوات الغربية وأمريكا الجمهورية الليبية وإنهاء حكم القذافي، وسط ذهول وتراجع مع روسيا والصين، وهو ما عد انتصاراً غيّر المعادلة الاستراتيجية لروسيا والصين عندما أصبحتا بلا مواقع مؤثرة على البحر الأبيض وافريقيا.. سوريا غيرت الصورة، فعلى الرغم من حماس ودعم كل من الصين وروسيا للنظام السوري، ومعهما إيران، فإن دول الأطلسي لم تكن في قلب المواجهة، لكنها لا تريد للدولتين فتح منافذ تطلان فيها على مواقع حساسة، وسوريا استراتيجياً موقع مثالي لأن ترمي روسيا ثقلها بها مما يعطيها حق المزايدة على أي اتفاقات داخل الوطن العربي أو آسيا الوسطى الحزام المحيط بها، لكن الورقة السورية احترقت في اليد الروسية، لأنها إذا كانت تناصر النظام وتقويته من خلال الدعم العسكري والسياسي في مجلس الأمن، فالشعب السوري بدأ يحسم الثورة لصالحه، وسقوط النظام يعني نهاية الروس والصينيين والايرانيين من أي دور مع السلطة القادمة.. هناك تصورات أن حرباً أهلية قادمة، وأن النظام يعد لها عندما يترك قوته بيد العلويين، وقد ينشأ في ظل ذلك قيام دولتهم على الساحل، وأن الغرب وإسرائيل قد لا يمانعان تمزيق خارطة بلد ظل على عداء مع إسرائيل، وقد يكون نجاح تقسيم العراق غير المعلن يمكن إعادة انتاجه بصورة مختلفة في سوريا، وهنا قد تكبر اللعبة ويصبح أمن إسرائيل، إذا ما سادت الفوضى يشبه الحالة اللبناني أثناء الحرب الأهلية والتي خلقت مشاكل لأمن إسرائيل أدخلتها في حروب معه.. الوقت الراهن لصورة بلا وضوح إلا دعم الروس المباشر والمعلن، لكن ما قيل أن الغرب استخدم سلاحاً آخر باختراق جهاز الأمن السوري، وأنه من أعطى المعلومات لتحرك جيش النظام وخططه، وأن تفجير مبنى الأمن القومي السوري، جاء كرد على الروس بأنه من السهل الدخول في عمق الشأن السوري بدون أسلحة، وقطعاً هذه احدى علامات الحرب السرية بين دول الأطلسي والصين وروسيا، لتكون سوريا موقع المعركة ومنطقة التجارب.. بلورة سياسة عالمية جديدة، بدأت مع نهاية السوفيت عندما أصيب الأمريكان بهستيريا القطبية الواحدة، لتقفز حتى على حلفائها في أوروبا عندما نعتهم بوش بالدول المتخلفة عن أمريكا وأنها تستطيع شن ثلاث حروب في آن واحد، لكن بروز الصين كقوة اقتصادية وعسكرية، واحتفاظ روسيا بقوتها العسكرية شكل بعداً جديداً في تقاسم النفوذ مما يعني نشوء أحلاف تقوم على توازن القوى، وهذا تطور قد يدفع بطرفي الصراع إلى عودة الأحلاف مع القوى الصغيرة، وهي صيغة قد تنشأ مع ضرورة ألا ينفرد طرف بإدارة السياسة الكونية، وكل الأمور قابلة لهذه التصورات تبعاً لتطور الأحداث..