أي زعمٍ أو وهم بأن دول الخليج العربي بعيدة عن نزعة الإرهاب، وتملك حصانة ذاتية فإنه يخطئ في التقدير للظروف واستراتيجية الإرهابيين، فقد كان أول من استُهدف من قبل القاعدة مدننا في المملكة لكن العمل السريع والمقابل من قبل الأجهزة الأمنية شلّ حركتها، ثم كانت الملاحقة للأوكار السرية والممولين، وتجفيف منابع تسريب الأموال والسلاح، والوصول إلى شفراتهم السرية وطبيعة تركيبتهم التنظيمية، وهو ما ساعد على إيقاف أي عمل إرهابي لهم.. في الكويت والبحرين وعمان حاولت قوى مماثلة أن تبحث عن مراكز الضعف في تلك البلدان لإجراء عمليات إرهابية، لكنها عُطلت أو كُشفت في مراحلها الأولى، ولعل الحدث الأخير في ملاحقة خلية جديدة استهدفت الإمارات العربية المتحدة وبتنسيقها مع المملكة أعطى نموذجاً للتعاون الحقيقي، وعملياً لايمكن فصل المواقف الخارجية عن الداخلية، طالما هناك من يدعم ويساعد الإرهابيين في خلق فوضى أمنية تخدم أغراضهم، والسؤال الذي قد يتبادر للذهن لماذا توجد خلايا متحركة ونائمة ومن مواطني هذه الدول، والذين يحصلون على امتيازات مادية وأمنية، ولا توجد ملاحقات على الظن والذمة، كما يجري في بعض دولنا العربية أو غيرها، ولا تشكو الإمارات البطالة، أو التضييق الاجتماعي، لكن العامل التربوي حينما تُستغل السنوات الأولى لشباب أي إنسان والعمل على غسل أدمغتهم بجعل الدين هدفاً للتغيير بالقوة، هو دافع أساسي، وليس عامل الفقر سبباً مباشراً، وإلا لوجدنا بنغلاديش ذات النسبة العالية من السكان الفقراء منطلقاً للإرهاب لتلك الأسباب.. والغريب أن من استهدفوا دخول تنظيمات إرهابية، هم من الميسورين الذين لا يشكون عوزاً مادياً، ولا ضغوطاً اجتماعية، ما يعني أن الوضع المادي لا يشكل المشكلة الأساسية، بل هو الفراغ الثقافي وضعف الوازع الديني، والاعتقاد بأن الخطيئة تعم أفراد المجتمع والذي لابد من إعادة تصحيحه بالبديل وهو العنف وذلك أمر لا يتطابق مع الإسلام ومنهجه القويم. ما جرى في الدول الخليجية بمحاولة اختراق أمنها، وزرع بذور للإرهاب من أبنائها، قضية لابد من تحليل أسبابها وفتح الحوار من خلال قنوات علماء الدين والاجتماع والسياسة، وجعلها هدفاً أساسياً، قد تكون الوسائل المنطقية وذات الفاعلية، لأنك لا تستطيع إقناع الطرف المقابل إلا بالوصول إلى قناعة تخالف ما أخذه كعقيدة وأسلوب عمل، وحتى المواجهة الأمنية الرادعة ، قد تفيد في بعض الأحيان، ولكنها لا تستطيع اقتلاع ما آمن به الإرهابي، وقد نجحت المملكة بأسلوب المناصحة، لكن هناك من أخذ بمبدأ (التقية) وتعامل مع رجال الأمن وكذلك علماء الدين بما أقنعهم بسلامة سلوكه، لكنه بعد الخروج من السجن أو التوقيف عاد لقناعاته الأولى.. وفي كل الأحوال، فإن التعاون الأمني الخليجي ضرورة أساسية للوقاية من أي طارئ قادم..