لا بدّ من الإشارة في البدء إلى الذين أثار المقال السابق غضبهم، لأنهم رأوني فيه أناصر صاحب العمل على الموظف، وهذا ليس من الصواب بشيء؛ إذ يبدو أنهم لم يلحظوا العبارة التي ختمتُ بها مقالي:"الجانب الآخر من التفكير في الأسبوع المقبل"...على أي حال، سأكمل الصورة التي رسمت نصفها سابقاً، ليكون نصفها الثاني معبّراً عمّا يرى الموظف من عقبات تحول بينه وبين مديره، في تنظيم علاقتهما المهنية: 1- المعاملة بين الطرفين: يتعامل المدير بفوقية مع الموظف، وينظر إليه على أنه قاصر الفهم ومحدود القدرة، أو لا يحمل قراراته على محمل الجدّ، وأنه لا يستثمر وقته على النحو المطلوب، في حين يلتزم الموظف بالصمت احتراماً له لا خوفاً منه. وكثيراً ما يدفعه إلى ذلك الصمت حبّه وولاؤه لعمله وحرصه عليه، وهو- في هذه المسألة- لا يطلب من مديره إلا أن يبادله الاحترام ذاته، ليحفزه إلى المزيد من الإنتاج. 2 - تنمية العمل: تطوير العمل من أهم أولويات الموظف المخلص؛ فهو مهتم بالاطلاع على تجارب الشركات الأخرى، وفي البحث عن الوسائل الحديثة والحلول العملية لتسهيل سير العمل ورفع سويّة الإنتاج، ونقل هذه الأفكار الجديدة إلى مديره. غير أن أولويات صاحب العمل- أحياناً- تكون بالإبقاء على الموجود والاكتفاء به دون تنميته؛ فهمّه أن يظلّ مسيطراً في موقعه، ومتمكناً من منصبه أو كرسيّه على حساب مصلحة العمل. 3 - تحقيق الرضا: قد يسعى الموظف إلى نيل رضا مديره، بإتمامه العمل الذي يُطلب منه على أكمل وجه، لكن يبدو له أن إرضاء المدير غاية لا تُدرك، فما سبب ذلك؟ لأن للمدير تصوّرا مخالفا تماماً عمّا لدى الموظف، وذلك إما لقلة الخبرة، أو لعدم وضوح التكليف، أو في اختيار الشخص غير المناسب لتنفيذ المهمة، لينتج عن ذلك عدم رضا الطرفين. 4 - حرية التعبير: هناك هاجس في ذهن الموظف يجعله يخشى من التعبير عن رأيه تجاه أي قضية، لتجنب مخالفة الإدارة في توجهاتها. وهو أمر على الإدارة التعامل معه بكل جديّة؛ لأن إهماله قد يضرّ بالمؤسسة، فالرأي الذي قد يعبّر عنه الموظف من شأنه تخفيف التكلفة أو إحداث نقلة نوعية في مجرى العمل. لذلك، فإن على المدير تذكير الموظفين بضرورة تعبيرهم عن آرائهم، دون الخوف من عواقب الرأي الصريح. 5 - التقدير:عندما يقدم الموظف على أي عمل، فإنه يتوقع من الإدارة تقديره والأخذ به، وإذا لم يؤخذ برأيه يصاب بحالة من الإحباط، وهو ينتظر الثناء على أعماله دائماً. لكن المدير يرى أن ما ينجزه الموظف واجب عليه أساساً تجاه عمله، وهنا يبدأ الخلاف بين الطرفين. 6 - مركزية القرارات: يفضّل الموظف تنفيذ القرارات لا اتخاذها عموماً، غير أنه يسعى إلى توسيع صلاحياته وقدرته على اتخاذ القرار، وفي الوقت الذي يحتاج مساندة من الإدارة لتدريبه على كيفية صناعة القرار وتطبيقه، فإنها تتجاهله وتفضل عدم إشراكه في هذا الأمر، فينتج عن ذلك "مركزية في القرارات". 7 - الصراعات الداخلية: في أغلب الأحيان يشهد الموظف صراعات داخلية بين مديري الأقسام، وسلوكات خاطئة من شأنها أن تعرقل العمل، ونظراً لعدم قدرته على تجاوز مديره المباشر لتعديل الخلل، فإنه يلتزم الصمت. وهنا تظهر إحدى واجبات الإدارة، وهي تحرير الموظف من القيود السلبية، وإعطاؤه مساحة معينة تمكّنه من الإصلاح داخل المؤسسة، وقد يكون من خلال صندوق الاقتراحات والشكاوى. 8 - الحقوق والثقة:لا يمانع الموظف في تقديم الأفكار الجديدة والخلّاقة، لكنه لا يثق بمديره المباشر الذي كثيراً ما ينسب الأفكار لنفسه. وحتى يتم تجاوز ذلك، فإن على الإدارة التأكد من صاحب الفكرة دائماً، وترسيخ القيم بين الموظفين والتمسك بأخلاقيات المهنة. 9 - معالجة القضايا والخلافات: يعيش الموظف حالة من عدم الأمان والاستقرار، عندما يحس أن مديره يرى الأمور أحياناً بمنظور شخصي، ممّا يضفي قيوداً على تصرفاته وعلاقاته في العمل. وكثيراً ما يحدث أن يستمع المديرون غير المهنيّين إلى القصص والحكايات التي تُروى لهم عن الموظفين، دون التأكد من مدى صدقها. 10 - القدوة: الموظف يتبع المدير بأخلاقه وتصرفاته، وفي انتمائه وولائه وإخلاصه، فإذا صلح المدير صلحت المؤسسة كلها. هذا بعض ما وصلني منكم من ملاحظات، لعلّها تنفع في تجسير الفجوة بين الموظف والمدير. *رئيس تحرير مجلة فوربس الشرق الأوسط