من الصعب أن تفي هذه المساحة برصد تجارب وخبرات (نوخذة) السياسة الكويتية والخليجية عبدالله يعقوب بشارة؛ فالرجل لعب دورا تاريخيا خلال السنوات العشر التي أمضاها في الأممالمتحدة مندوبا للكويت في واحد من أهم عقود القضية العربية في المنظمة الدولية، كما تولى أمانة مجلس التعاون الخليجي لثلاث دورات استثنائية؛ شهدت فيها المنطقة حربين كارثيتين (العراقية الإيرانية) و(تحرير الكويت من الغزو العراقي)، رفض في بداية حديثه أن يتطرق لمراحل طفولته وشبابه من منطلق قناعته الشخصية بأهمية التركيز على القضايا الحساسة في منطقة الخليج التي تعتبر بسبب وجود النفط منطقة صراع دولي دائم.. اعترف أن مسيرة مجلس التعاون ما زالت بطيئة وأن الجدار الأمني الخليجي له المقام الأول على خطط التنمية وفتح الحدود بين الدول.. بشارة ألقى بعتبه على المؤسسات المدنية الغائبة عن التفاعل مع مسيرة المجلس في كل دول المنطقة، وقال بأن المجلس يسير بقوة القرار التنفيذي للقادة لا بالتفاعل الشعبي. وأوضح أن الكويت لن تهدأ داخليا إلا بتأسيس الأحزاب، ولن تأمن خارجيا بسبب التهديدات القائمة من داخل بعض الأنظمة العربية. حذر من الأصولية الإسلامية الدينية المتشددة، وقال بأن الكويت لا تستطيع أن تتنفس إلا من خلال الليبرالية المتسامحة مع الجميع، ولا يمكن أن تكون دولة سنية أوشيعية كما لن يكون فيها حسن نصر الله آخر.. تفاصيل ما أمكن نشره في ثنايا الحوار.. ولدت في منطقة شرق، القديمة في الكويت، لذلك أنا عرباوي وأسرتي من مؤسسي النادي العربي، أما والدي فكان نوخذة في البحر، ومن يملك السفن يعتبر أفضل من غيره فعشت حياة مقبولة ومستورة. ظللت منذ الصغر مولعا بالمعرفة، وظل الكتاب صديقا لي -طالبا وموظفا ومتقاعدا عن العمل الرسمي- ولا حدود عندي في ذلك إلى الآن. • يبدو أن عملك في الأممالمتحدة كان نقطة التحول في حياتك المهنية؟ من دون شك، ولم تكن معرفتي بالأممالمتحدة تتجاوز الدورات التي حضرتها مع سمو الشيخ صباح، عندما كان وزيرا للخارجية، وكنت مديرا لمكتبه منذ عام 1965م إلى أن عينت مندوبا دائما للكويت لدى المنظمة الدولية عام 1971م. • لم تشعر برهبة الموقف؟ لا والله شعرت بها، لذلك قمت عشية سفري إلى نيويورك بزيارة السيد عبد المنعم الرفاعي مندوب الأردن السابق في الأممالمتحدة في بيروت، فطمأنني وقال لي: سوف تخرج منها بتجارب كبيرة، لكن عليك التشاور مع المجموعة العربية دائما، وهي مشورة لم أنفذها في أغلب الأحيان. • يقال إنك استقبلت بشكل فاتر من قبل الأمين العام للأمم المتحدة الراحل يوثانت؟ هذا الدبلوماسي البورمي علمني أن الأممالمتحدة من الداخل تعيش بلا مراسم، فقد ذهبت إلى مكتبه في الدور الثامن، وأنا أعتقد أنني سأمضي معه وقتا طويلا، لكنه صافحني والتقط معي صورة تقليدية، حاولت أن أبدأ معه حديثا فوقف من وراء مكتبه وقال لي: آمل أن نلتقي في وقت قريب. • كان له موقف من العرب تحديدا؟ أبدا، الرجل كان في آخر أيام ولايته، ورفض البحث عن التجديد رغم إصرار دول كثيرة عليه، وقد أصبح صديقا لي في ما بعد، وكنت أزوره حتى بعد خروجه من المنصب، ولم تمض فترة حتى اشتد عليه المرض فتوفي في أحد مستشفيات نيويورك. • استلمت منصبك مندوبا دائماً للكويت في الأممالمتحدة في مرحلة عصيبة من العلاقات العربية الأمريكية؟ عندما وصلت إلى نيويورك كانت سورية هي الدولة العربية الوحيدة في مجلس الأمن، وكانت مرحلة صعبة؛ لأن دول المواجهة (سوريا، العراق، مصر) على قطيعة كاملة مع الولاياتالمتحدة، وكان الأمريكيون يتبعون سياسة الانحياز الكامل لإسرائيل التي بدأت عام 1967م وانتهت عام 1973م، وأتذكر أنني نصحت سفير مصر عصمت عبد المجيد، الذي عين في فبراير 1972م، أن يتصل بالسفير الأمريكي جورج بوش لصلته القوية بالرئيس نيكسون ولرغبته في سماع القضايا العربية، وقد قام ببعض الاتصالات لكنه عاد ليقول لي بلهجته المصرية «ما فيش فايدة». • كيف عايشت تجربة اللحظات الأولى في مجلس الأمن؟ كانت مثيرة، وشعرت بلذة العمل في مجلس الأمن مع جميع السفراء، ثمة رابط قوي شدنا كمجموعة دبلوماسيين، وكأننا عائلة واحدة تتشارك في الأمور الشخصية والعامة معا. طبعا نختلف في الأمور السياسية، لكننا عندما نخرج من الاجتماعات كنا نتبادل الأحاديث والنكت، وتقوت اتصالاتي الثنائية مع الجميع خلال المناسبات الاجتماعية. • كأنك تشجع السفراء العاملين في الأممالمتحدة على العمل في مجلس الأمن؟ بالتأكيد، بل أرى أنه من الظلم أن يظل سفيرا ما لمدة طويلة في الأممالمتحدة دون أن تتاح له الفرصة للعمل في مجلس الأمن، ولم أدرك هذه الحقيقة إلا بعد أن عشتها، فالمجلس يتصرف في الاجتماعات الخاصة والاتصالات الثنائية وكأنه مستقل تماما عن الأممالمتحدة، بل وكأنه نادٍ أرستقراطي ينعم أعضاؤه بالامتيازات فيتصرفون فوق مستوى اللجان وينعمون بأولوية الاتصال برؤساء الدول، الذين يزورون الأممالمتحدة لإلقاء الخطب، والاتصال بالسكرتير العام وأعضاء السكرتارية. • ومن وراء تعيينك أمينا عاما لمجلس التعاون الخليجي؟ لم أكن طرفا في الاتصالات حول تعييني في هذا المنصب، ولم تتم استشارتي مسبقا، وسمعت لأول مرة خبر ترشيحي كأمين عام عندما رافقت سمو الشيخ صباح الأحمد في زيارته إلى موسكو عام 1981م عندما كان وزيرا للخارجية، وكنت عائدا من نيويورك بعد أن أنهيت عملي كمندوب دائم للكويت في الأممالمتحدة لمدة عشر سنوات. في تلك الزيارة طرح سموه فكرة إنشاء المجلس على مضيفنا وزير الخارجية الروسي المخضرم أندريه جروميكو، وتلقى منه كلمات ترحيب على الفكرة، وبعد العودة إلى الكويت طلب مني سمو الشيخ صباح القيام بجولة على جميع دول الخليج لشرح نتائج الزيارة، فالتقيت في مسقط بوزير الخارجية العماني المرحوم قيس الزواوي، فقال لي وهو يضحك: بأنني المرشح الوحيد كأمين عام لمجلس التعاون. في أول اجتماع للقادة في مايو 1981م في أبوظبي، استدعاني القادة للحضور في جناح الشيخ زايد -رحمه الله- في اليوم الثاني بعد التوقيع على النظام الأساسي، فأخبروني بالاختيار وأتذكر كلمة لا أنساها للملك خالد -رحمه الله- عندما قال لي: اسمك بشارة وعملك بشارة وأنت بشارة إن شاء الله. وما زالت كلماته في ذاكرتي إلى اليوم. • لاشك بأن أصعب لحظات عملك كأمين عام كانت بعد الغزو العراقي للكويت؟ الله لا يعيد تلك الأيام. • أين كنت ساعة الغزو؟ كنا عائدين من مؤتمر جدة الذي فشلت فيه المفاوضات مع الجانب العراقي، ولم تمض ساعات على وصولنا إلى الكويت، إلا وسمو الشيخ صباح يتصل بي في الواحدة والنصف صباح الخميس قائلا: «إخوانك العراقيين سووها». فأخذت جواز سفري وثمانية آلاف دولار وقدت سيارتي بنفسي إلى وزارة الدفاع الكويتية، فرأيت الشيخ سعد -رحمه الله- والشيخ صباح والشيخ نواف وجميع الوزراء وضباطا كويتيين، توجهنا إلى وزارة الخارجية الكويتية بعد اقتراب القوات العراقية من وزارة الدفاع، والجميع في حالة غضب من سهولة دخولهم، ولم يطل بقاؤنا فتوجهنا جميعا في سيارة واحدة إلى مخفر النويصيب، تاركين الكويت وراءنا، وهي من اللحظات المميتة في حياة الإنسان، أن يترك بلاده للجيش العراقي ويترك أهله تحت الاحتلال. • ما الذي سيطر عليك عندما خرجت من الكويت؟ سيطر علينا جميعا شعور بالقهر لأننا خدعنا، والشعور بالذل لأننا أهنا، والشعور بالغضب لأننا تساهلنا، والشعور بالانتقام لأننا غزينا، والشعور بالسخط لأننا وثقنا. • لكن الغريب أن الكويتيين لم يتفاعلوا مع مجلس التعاون الخليجي إلا بعد الغزو؟ هذا صحيح، لأنهم شعروا بقيمة المجلس كجدار أمني لهم بعد الدور الكبير الذي قامت به الدول الأعضاء، خصوصا المملكة العربية السعودية في تحرير الكويت. • هذا الشعور باحتياج كل دولة عضو للأخرى، لماذا يتعرض لهزات تؤثر عليه مثل الخلاف حول اختيار أمين عام مجلس التعاون الخليجي؟ ما تم في الكويت شيء منطقي، والعطية أكمل تقريبا تسع سنوات، وأدى واجبه بانتظام وتقدير وتثمين، وتقدمت البحرين باعتبار أن الدور لها ولم يسبق أن اختير منها من قبل، فالتقليد الذي اتبعه المجلس أن الدولة التي ترشح فتختار من تثق به، والدول تقدر هذا الاختيار وتثق في اختيار الدولة، والدول الأعضاء تثق بأن البحرين تختار وفق المعايير المطلوبة لمسيرة مجلس التعاون. • لكنك كتبت مقالا ذكرت فيه «أن ما حدث سابقة في تعيين أو قبول واختيار المرشح من دولة البحرين، وليس المرشح الذي قدمته البحرين» ماذا تقصد؟ كنت أشرح ما دار في الكويت، أن المرشح الذي تم التوافق عليه هو أن يكون الأمين العام القادم من البحرين، أما من هو فهذا اختيار البحرين، وهذا شيء جديد في مسيرة مجلس التعاون. • تقصد فكرة التدوير؟ نعم. • لكنها غير موجودة في نظام المجلس؟ هناك تفاهم بين القادة على هذه المسألة، وأنا من الناس الذين يطالبون بالتدوير. • ما البطء الذي قلت إنك تتفهمه في مسيرة مجلس التعاون بعد مرور 30 سنة من تأسيسه، وهو ما تشعر به شعوب المنطقة فعلا؟ أقصد أن مسيرة القرار في مجلس التعاون، حتى في الدول الأعضاء، بطيئة دائما وتأتي بعد تأنٍ. وأنا أتفهم السبب؛ لأن دول المجلس مرت في الخمسينيات والستينيات بفصول غير مريحة، ولم يجعلها آمنة من تلك التحرشات سوى القرار الحكيم الهادئ الذي يأخذ وقته ويعطي الاعتبار لجميع الزوايا. • تقصد الجانب الأمني؟ له الاعتبار الأول قبل كل شيء، ولنتكلم بصراحة؛ فالدولة السعودية في عهد الملك فيصل والملك خالد -رحمهما الله- مرت بفصول صعبة مع النظام الناصري وضبطت أعصابها وتعاملت بمسؤولية ونضج مرتفع جدا مع تلك الأزمة، ولو أنها تركت لمشاعرها وعواطفها الزمام لتغيرت الأمور، وهذا واقع شاهدته وأعرفه جيدا وأؤيد الدول في ألا تتسرع في قراراتها. • البطء الذي تتفهمه في اتجاه معين، يتطلب بالمقابل تسريعا في اتجاهات أخرى مثل الجوانب الاقتصادية وفتح الحدود التي تهم المواطن الخليجي في حياته اليومية؟ لا أخفيك أنني في السنوات الأولى للمجلس كنت أدفع بقوة في هذا الاتجاه، فقيل لي: شوف أبطأ حصان من الأحصنة الستة وسير عليه، بدل أن تسير على الحصان الأول. • من قال لك ذلك؟ لن أقول لك، ولكن قيل لي أيضا إن الذي يجب أن تسير عليه هو مراعاة قدرة الدول على الاستيعاب وليس قدرة دولة ما، وأنا كنت قادما للمجلس من نيويورك، وأعرف ميكانيكية العمل في المنظمات الدولية، وعندما كنت أمثل الكويت، تحرشت بالأمانة العامة للأمم المتحدة وقلت لهم: أنتم بطيئون. • هذا يعني أن فكرة تأسيس المجلس سبقت قدرات بعض الدول الأعضاء التي لم تكن جاهزة في حينها؟ لا، لكن دول الخليج جديدة في الاستقلال والإدارة والبيروقراطية التنفيذية وأجهزة المتابعة، عدا المملكة العربية السعودية التي كان لديها جهاز إداري، أما في الكويت فقد كانت لدينا أزمات لا تنتهي. • إذن مسيرة المجلس تسير تبعا للقرار الحكيم وإن تأخر؟ من دون شك، فالقرار الحكيم يأخذ وقتا لتمريره. وأنا أشبه القرار الخليجي بثمر النخيل يأخذ وقتا، لكنه في النهاية مغذٍ ومنعش. • والإحباط الذي يشعر به المواطن الخليجي نتيجة هذا البطء؟ نعم للبطء، ما دمت أوفر لك الحظ الأمني الذي لا يتم اختراقه. • إذن أمر عادي ألا نتفق حتى على الوحدة النقدية؟ طبعا أمر عادي، وسوف يتلاءم هذا الأمر بمرور الزمن، ولا تنس أنه ليس بالأمر السهل أن توحد سياسات سبع دول وقناعاتهم. • أنت مقتنع بهذا الكلام؟ لو سألت أي كويتي -وأنا واحد منهم- فإن منظورنا لمجلس التعاون أنه ظهر لنا يحتضننا ويحمينا أولا، هذا الأمر أثبتته التجربة ويمثل كذلك قناعتي كمسؤول من خلال تجاربي ومواقعي السابقة. • وما زلت على دعوتك بأن يكون المجلس كونفيدرالية خليجية؟ نعم، ويجب أن نصر على أن يكون كذلك. • عرضتها على القادة؟ هذا دور يتحمل مسؤوليته الرأي العام الخليجي والمنظمات المدنية. ومن المؤسف ألا دور لها في تفعيل هذا الجانب، لا في بلدانها ولا في مسيرة المجلس. • ألا تعتقد أن ضعف التفاعل شيء طبيعي أمام بطء القرار الخليجي؟ الشعوب الخليجية يجب أن تعطي المجلس حقه من الأولوية، ولا يكون همهم المسار اليومي فقط للقمة العيش. • الناس ماذا يهمها غير لقمة العيش؟ ما قلنا شيء. • ألا تعتقد أن السبب أكبر من قدرة المواطن الخليجي ومؤسسات المجتمع المدني؟ ما فهمت. • سيطرة فكرة السيادة على دول المنطقة؟ بكثير، بل هناك ولع بالسيادة، لكنني أقدر هذه المسألة؛ لأن تاريخ أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر في التوسع الوطني وأخذ الأراضي كان شبيها، وأوروبا لم تستقر إلا بعد الحرب العالمية الثانية. • بمعنى أن مجلس التعاون متفاعل سياسيا فقط؟ للأسف، لا يوجد تفاعل فكري مع مجلس التعاون يتزامن مع التفاعل السياسي، والذي يقود مسيرة المجلس هو السلطة التنفيذية للدول، أما مؤسسات الفكر والتعليم والجامعات والإعلام -التي أنت منها- فدورها غائب. • وأين دورك في كسر هذا الحاجز عندما توليت أمانة المجلس لثلاث دورات متتالية؟ صرخت بأعلى صوتي، وكانت مشكلتي في الكويت تحديدا، منذ أن كنت أمينا عاما، هي كيفية إقناع المؤسسات الفكرية في الكويت بمسيرة مجلس التعاون، ولم يقتنعوا إلا بعد الغزو العراقي للكويت في أغسطس عام 1990م. • عارضت فكرة توسيع دائرة دول المجلس، لماذا؟ وما زلت عند رأيي بأنه غير قابل للتوسع إطلاقا. مجلس التعاون يجب أن يسير بالدول الست المؤسسة له على أن تعطى دول مثل اليمن والعراق مستقبلا مزايا وعلاقات خاصة. • وإيران؟ تمت دعوتها بطريقة غير مسبوقة، لكن لو سألتني: هل تريدها أن تتكرر؟ سأقول لك: لا!. • لماذا ؟ لأنني أريد للمجلس أن يسير وفق الآليات التي مكنته ومتنت ضلوعه، وهي آليات التعاون بين الدول الست، ودراسة أموره بتأنٍ وبالقرار المتين الحكيم، أما دعوة إيران أو حتى الأممالمتحدة فهذه مبادرات خاصة وليست قاعدة. • هل تعتقد أن من حق دول الخليج أن تحدد بصورة توافقية رؤيتها لمن يحكم العراق بعد ما فعله نظام صدام؟ من حق دول الخليج أن تبدي رأيها فقط، خصوصا دولة الكويت؛ فتجربتها مع النظام السابق ليست مريرة إنما مأساة. • هل ما زال هناك شعور لديكم بعدم الآمان مما يحدث في العراق؟ أي نظام في العراق؛ بعثي، أيديولوجي، قومي عروبي، مجتزأ، يهدد أمننا في الكويت، وبالتالي يهدد أمن الخليج، لذلك لا بد أن يكون العراق ديمقراطيا فيدراليا لا تحتكره فئة أيديولوجية. • ما شعورك عندما أعدم صدام في أول أيام عيد الأضحى؟ لم أشعر بأي تعاطف معه؛ لأنه يستحق الإعدام في عيد الأضحى أو غيره، فأنا ضحية من ضحايا بلطجيته ولا يصلح أن يحكم العراق واحد مثله أو من مدرسته التي حول بها حزب البعث إلى قروي ثم عائلي، ولا أستغرب أنه ما زال هناك من يشيد ويغني له ممن قبض واسترزق. • في الحديث عن الجوانب الأمنية، هناك من يرى أن إيران أخطر من إسرائيل على منطقة الخليج؟ الخطر الإسرائيلي سيظل بالأفق، خاصة سلاحها النووي والسماء لن تكون صافية، وهذا أمر واضح. أما مشكلة إيران فنتعامل معها يوميا. • هل تلمس تباينا في المواقف الخليجية تجاه إيران؟ هناك اجتهادات، وإيران تعمل بجد للحصول على السلاح النووي، وهناك اجتهادات تقول: لا. إيران تساوم ولا تريد أن تكشف أوراقها، وأنا رأيي أن السلاح النووي الإيراني خطر على دول الخليج ويقلب ميزان القوى، ويأخذ حقوق الدولة المسلحة نوويا السياسية والاستراتيجية. • هذا يعني أنه ليس هناك موقف توافقي خليجي؟ اتفقنا على ثلاث نقاط؛ أن يكون الحل للسلاح النووي الإيراني حلا سلميا، ومعارضا لحلول القوة والعنف، وأن تلتزم إيران بقواعد السلوك الدولية وحسن الجوار مع الجميع بالانضمام إلى مبادئ الميثاق والالتزام بها. • والسر في مشاكساتها المستمرة؟ أي دولة تضع الأيديولوجية في دبلوماسيتها تزعج، فالبعث كان مزعجا وروسيا كذلك، والصين قبل ذلك وكل هذه الآليات تآكلت. • كيف قبلت رئاسة ثم عضوية الهيئة الاستشارية لمجلس التعاون، وهناك إجماع بأنها مقيدة وبلا صلاحيات؟ كلامك صحيح، لكنني تواجدت فيها لأنها تعبر عن النفس الشعبي وليس الرسمي، وكلنا كأعضاء ووزراء وكبار موظفين سابقين لنا تجربة في مسيرة المجلس ونعبر عن نظرة مستقلة شعبية وفكرية، فنحن لسنا موظفين وغير مرتبطين بالبيروقراطية. • غير معترف بكم من مؤسسات المجتمع المدني؟ لا يوجد حوار أصلا، نحن لا نستطيع مثلا أن نناقش ملف العلاقات الخليجية الإيرانية؛ لأنه يجب أن يحال لنا من القمة، وإلا فلا حق لنا في مناقشته، وهذه الصلاحيات منصوص عليها في النظام الأساسي للهيئة بأنها (تدرس ما يطلب منها فقط). • بمعنى أنه لا تحال لكم قضايا خلافية، مثل نزاعات الحدود مثلا بين دول المجلس؟ أي موضوع سيادي وسياسي لا يحول لنا. • إذن هناك حاجة لتعديل النظام؟ لا بد من تعديل اللائحة الداخلية؛ لأننا لا نستطيع أن ندرس ما نقول. • وهذا سبب لعدم دعوتكم لحضور اجتماعات اللجان التنسيقية لدول المجلس؟ هذا الأمر يحتاج إلى قرار من القمة. • ولماذا لم يفعل قرار إنشاء هيئة لتسوية النزاعات بين دول المجلس؟ هو موجود في النظام الأساسي، وعندما حاولنا تفعيله بين قطر والبحرين فضلت الدولتان محكمة العدل الدولية، وهذا مفيد على الأقل ولو من منطلق أنها هيئة غير قابلة للشكوك. • بعد مرور سنوات على الغزو، هل ما زلت تشعر بعدم الثقة في بعض أعضاء الجامعة العربية؟ طبعا، والخطر الذي يهدد الكويت من داخل النظام العربي، وطالما كان كذلك فلا أريد أن أتوقع، ولا أن أحرج الدول الأعضاء لموقف، فأنا أعرف بقدرتها على اتخاذ القرار، وأعرف أنها لن تتخذ قرارا إذا كان الخلاف عربيا عربيا، فأريد أن أريحها من هذا الشيء. لا أريد أن يدخل ملف الكويت إلى الجامعة العربية لكي لا أحرجها ولا أحرج الدول العربية. • إذن ما قيمة الجامعة العربية؟ أنا أرى أن تركيزها جيد جدا على الجوانب الاقتصادية، وأعتقد أنها أصبحت أكثر واقعية من خلال التجارب السابقة. طبعا لن أستطيع تشكيل موقف سياسي موحد مع السودان لاختلاف الجغرافيا بين البلدين، كما أنه ليس بيننا وبين ليبيا قواسم مشتركة في الدبلوماسية الخارجية، فأي قضايا نزاعات بين الدول العربية، مثل قضية الصحراء بين المغرب والجزائر، ندعها للأمم المتحدة وإلا ستنقسم الجامعة العربية ولندعها تنتشي بالقضايا التنموية والاقتصادية. لاحظ أن العلاقات العربية تمتنت خلال ال20 سنة الأخيرة عبر التعاون الاقتصادي والاستثمارات. • قلت عن عبد الناصر كلاما متناقضا لم نفهمه؟ عبد الناصر أدمى وأرهق وأتعب مصر سياسيا، وهي دولة لا تحتمل خصومات ولا عداوات، لكنه من أنظف من أنجبتهم مصر في نظري رغم كل ذلك وهذه قناعتي. • بالعودة إلى واقع الحياة السياسية في الكويت، ما رؤيتك لما يحدث؟ الديموقراطية والحياة البرلمانية لا تكتملان إلا بوجود أحزاب، الحكومة الكويتية لا تستطيع أن توقف تعطيل التنمية لأنها لا تملك أغلبية في البرلمان. لا أقصد الأغلبية الموسمية التي تقف معها اليوم وتنقلب عليها في اليوم التالي، بل الأغلبية الدائمة وهذه لا تتحقق إلا بوجود أحزاب. • هناك من يرى حلا أفضل بتطبيق الحكومة للنظام، وعدم إعطاء تنازلات لمطالب النواب؟ البنية السياسية في الكويت تتطلب مجاملة البرلمان لعدم وجود أغلبية لدى الحكومة؛ لأن وسائل تمرير القرار تقوم على الإقراء والمناقشة والحميمية والقبلية، وأعتقد أنه أمر لم يعد يتقبله مجتمعنا. • وهذا سبب عزوفك عن الدخول في العمل البرلماني في الكويت؟ لا، أنا أريد أن أكون مستقلا وأكتب باستقلالية، ولا أشتهي المنصب؛ لأنني أريد أن أتكلم بأمانة وأعبر بصدق. • هل حل مجلس الأمة الدائم طريقة مثلى لمعالجة الأمور؟ أنا أرى أن الحل الدستوري المتواصل هو الأفضل؛ لأن الحل غير الدستوري يجر الكويت إلى مشاكل. • ومدى تأثر البلاد بهذه المصادمات السياسية اليومية؟ تأثرت التنمية كثيرا، وأنت تعرف أن الكويت دائما لها نفس منفتح، والأصولية الدينية السياسية المتشددة؛ سواء أكانت سنية أم شيعية، صعبة ومزعجة. • هذا يعني أنك ضد الإسلاميين؟ أنا ضد التطرف. • ما الذي قصدته بأن تكون الكويت دولة ليبرالية متسامحة؟ ألا يكون هناك إقصاء للآخر كائنا من كان، الكويت ليست دولة سنية ولا شيعية، إنما تحتوي جميع الأطياف والألوان. • لديك تخوف من الإسلام السياسي أم من الأصولية؟ هناك فرق؛ فالأصولية مجرد تفسيرات لتطبيق هذه الممارسة السياسية. • هل تعتقد أن دور الكويت السياسي انحسر كثيرا بعد كارثة الغزو؟ التجربة الكويتية غير مشجعة للاقتباس في الخليج وسلبياتها بارزة، وأنا أتفهم الصعوبات الموجودة. لدينا نظام صلب لوجود إجماع عليه، لكن يبقى الدستور غير كامل ويجب أن يعطي الأغلبية للحكومة وإلا فلن تسير الأمور. • ألا تتخوف من تحول الكويت إلى لبنان ثانية؟ لا يمكن أن يكون في الكويت حسن نصر الله ولا غيره، إنما يوجد لدينا النفس الكويتي الجذاب. • لماذا قلت إن النفط نقمة على الخليج؟ النفط خير، لكنه دوّل الخليج وشعوبه في الشأنين السياسي والاقتصادي والاستراتيجي، فحكومة بنغلاديش مثلا تستطيع أن تفعل أي شيء في بلادها، لكنها لا تستطيع ذلك في الخليج لوجود قواعد يجب عليها أن تلاحظها، تساهم في الاستقرار الخليجي الاجتماعي والسياسي ولا تزعجه مثل التطرف الذي يولد الحدة التي تولد بدورها عدم الاستقرار. العالم لن يرضى بأن يحدث ذلك في الخليج؛ لأن أي تصرف سينعكس على الوضع الأمني. • قلت إن من يقرأ صحافة الكويت يشعر أن البلد ملتهب؟ تصور وجود 18 صحيفة في الكويت، هذا كثير جدا، والمشكلة أننا بلد صغير ومنفتح سياسيا ولا تتوفر لدينا الكوادر التي تقود هذا العدد الضخم في دولة جدل؛ فالبرلمان والصحافة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية كلها مواقع تخلق وتناقش الجدل. • بما أنك عرباوي، فهل تتابع مشاكل الكرة الكويتية الحالية؟ لا أتابعها لأنها مزعجة وصراع الأندية غير مريح. • والسبب؟ التسيب في اتخاذ القرار الحاسم من وزارة الشؤون.