قلتُ: إنَّ مع الهجر شعرا وإنَّ مع الشعر ذكرى.. لم تعد العناوين قادرةً على تحقيق ذاك المثل التراثي الذي سمعته مرة من جدتي (الخطاب يفهم من عنوانه) لقد دخلنا في اللحظة الآنية مرحلة الإنابة في البوح والولوج من نفق الصمت حتى في العناوين.. .. والحزن أكبر من ذبول الأنامل بينما تكتب وصية الشعر لقصيدته..! التاريخُ لا يكتبه إلا المنتصرون.. هذه سنة عربية جعلت من التاريخ في بعض الحقب محض احتمال..! لذلك لا أعتدُّ إلا بما عرفت ولا أؤمن إلا بما اقترفت يداي..! حين أطلب أن لا تقرئي ماكنت قد أرسلته لك.. لا أكون حينها قادرا على أن أكون لئيما لأستفزَّكِ بقراءته.. بل أتلبَّس حزنك وانكسارك حين تقرئين وأتمثل به.. هذا ما لم تفهميه يوما..! إيه ياولاَّدة.. الزمن الذي لا يعود أعذب رغم أنف غريزتنا البشرية، لذلك لم أعد أحرص إلا على أن تبقى الذاكرة منديلا أخضرَ معلقا على حبلٍ يمتد من أول العطر حتى دعوات قلب محب آخر الليل..! *** أول العطرِ رائحةٌ مسْكرَةْ أوسط العطرِ ذاكرةٌ مقمرةْ آخر العطرِ صوتُ العصافيرِ في سدرةٍ ظلَّلتْ مقبرة..! التماسيحُ في النهرِ لا تعبري الماءَ إلا بصوتيْ.. احمليني على فُلَّةٍ فوق رأسكِ ثم أفيئي إليّْ..! كلُّ شيءٍ لديّْ.. التماسيح في النهرِ إني أراها على بعدِ حبٍّ وكل الدروب تؤدي إلى دمعةٍ في العيونْ منْ لقاموسِ عينيكِ يقرأ فيه ابتهالَ الشجونْ منْ سوايَ يغضُّ المسافةَ بين الذي كانَ أو ما يكونْ..! التماسيح في النهرِ والماءُ يبحث عن شاعرٍ خائنٍ يمزج العطر بالماء.. ثم يطيِّبُ وجهَ السكونْ.. بشعري أنتِ وتاريخي ياولادة..!! *** ليس لي إلا أن أكتبَ ما يمليه عليَّ قلبي.. هذا ما أقوله.. كلما ذكرتني ريشة الكتابة بغراب تطوَّس.. المدهش في الأمر ياولادة.. أنني أكثر الرجال إدراكا لاستثنائيتك، واستحالتك، حتى وأنتِ تمنحين قبلتكِ من يشتهيها..! أعلم أن كرسي ابن عبدوس في مجلسك جزءا من أنوثتك..! وأنني شاعرك الأول والأخير، ولهذا كنتُ الرجل العاشق الوحيد الذي يهب معشوقته التاريخ فتكتبه كما تشاء.. ولهذا أيضا قلت إن التاريخ يكتبه المنتصرون..! هذا أقل ما يمنحه شاعر مثلي لامرأة بحجم ولادة..! مثلك يا ولادة حين يعشقها مثلي سيكتفي بالتوسل لظلالها كي لا ترافقها حين تغادره امرأة خصرها ناحل وأنفها في السماء، نعم يا ولادة بقي ظلك معي حتى آخر قصيدة.. إنه أكثر رحمة منك.. أو لعل بقاءه سر خلودك في ذاكرة الشعر.. ما أكثر المنتمين لعينيك، وما أقلَّهم فيها..! وحدي يعلم من أين ينبع العطر الذي يدعيه الساهرون في مجلسك، ولعلني كنتُ الوحيد الذي تحمَّمت فيه بين يديك حينما كنتُ طفلا يهذي..! لا أريد أن أنشغل الآن بالآخرين فهم لم يعرفوا مثلي بعد أنك الأنثى الوحيدة التي تستبدل خاتمًا من ذهب بحفنة من شعر.. وتسرد لشمعتها الليلية التي لم يطفئها يوما شاعر غيري سيرة الشعراء الذين تخلقوا في رحم عينيها وانكشفوا مع أول التفاتة لها.. وحدي يا ولادة من كتبكِ من هامة الحزن حتى أخمص الصدق..! لا أخاف على قصائدي من زحام الشعراء لأنك كل عناوينها، ما أخافه نحول جسدي وضعف أحلامي حينما تؤوب القصائد إلى أعشاشها.. وأنكفئ على فراشي أتمتم: ما بأيدينا خلقنا (شعراء)..!!