إلى أختي... التي غاب معها الفرح والأمان .... لا تسأليني ... هل أنا بخير ؟!.... في البدء ... لن أسألك أن كنتِ بخير أو لا .... فأنا أخاف من إجابتك !.... صرخت في صمتي باسمكِ يا أختاه... فأجاب في صمتي صمتاً !.... ..... أختاه ... ... بعدما كانت لها في قلبي ألقاب عدة، لها خوف واحترام لقب (الأخت) !.... وجدت في حياتي الصديق والأستاذ والزوجة والأولاد.. وكلهم لا يشبعون نظري كانتِ !.... ... أختاه ... .... سأرسم لك لوحة كانت في ذاكرتي حين كنت صغيراً يدفئني حلم أن أكون رساماً، وأرغب أن تكوني متذوقة لهذا الفن / الحلم، لأن جميع من رسمت لهم آنذاك صفقوا إعجاباً بما رسمت كما سيصفقون لطفل آخر أبدع أمامهم بشيء ما، وحين كبرت، تركت حلمي في درج طفولتي، وأقبلت كاتباً، أكتب لأرى هل سيبكي من يقرأ حرفي، وأن بكى كبكائي، فهل دموعه تشبه أدمعي .... ولكني لم أر أحداً بكى، رغم أنهم جميعاً صفقوا لي كما صفقوا لنخلة وبيت ريفي خربشها طفل سرق فكرتها من معلم مادة الرسم ذات صباح، ولم يقرأ أحدهم وجعي التي تخفيه الكلمات .... ..... ... هل أنا بخير ؟!.... هل من يخاف من الغد .... يصبح بخير ؟!... وهل من لا يمارس الفرح... يصبح بخير ؟!... صدقيني يا أختاه ... ... لا أعرف هل أنا بخير أم لا ؟!... ففي الحلق غصة ابت ماء داري أن يزيحها، وفي القلب طعنة دامية، لا أشعر بوجعها بقدر ما يملؤني الفضول أن أعرف الذي طعنني، وفي الظلام ظلام آخر لا يعرفه أحد سوى من سهر الليل وعاشر الظلام وحيداً ... [ ... لا تقلقي أختاه... إن بكيت وأنا أكتب لك هذه الأحرف !.... ]. أختاه ... .... بعد أكثر من أربعين سنة اكتشفت إنني كنت على خطأ، وأن الحياة التي عشتها لم تكن لي، وإنني كنت كل صباح أكذب على نفسي حين أصحو من نومي، وكل مساء أكذب على نفسي حين أخلد لفراشي ! .... لجأت للكتابة لعلي أنتصر على صمتي، فوجدت الكتابة تنبش أحداث تتسلسل ذكرياتها منذ زمن في ذاكرتي فكثيرة هي الأوراق التي مزقت، وكثيرة هي الأوراق التي مزقتني، أصبحت أخاف أن أبتسم فيصفعني الزمن كما صفعني ذات يوم معلم الحساب حين ضحك من كان خلفي وظن إنني أنا من اقترفت جريمة الضحكة !.... لقد أصبحت من جهلي بالفرح، أبحث عن الفرح في الفرح! ... لتعذريني يا أختاه ... .... فقد كان سؤالك مفاجئاً حين كتبتِ " كيف حالك ... أتمنى أن تكون بخير " . أتعلمين .... كل من سألني نفس سؤالك ... سألني كسؤال عابر ، يدرك تماماً إجابته، ولكن حين أتى السؤال منك، لم أجده بداخلي سؤال عابر !.... [ أسف أختاه ... .... أن غلبتني الدمعة وبكيت ....] ... أنا لا أريد قلباً يعشقني، أو لساناً يضحكني، أو جسداً يسافر معي... كل ما أريد أن أجد في ملايين البشر الذين يعيشوا من حولي من يفهمني !.... أشعر إنني أعيش وحيداً، أرتب أحزاني كرجل يرتب ملابسه في حقيبته ليهنأ بشهر العسل مع زوجته، وحين يغلبني الحزن وأبكي... لا أجد من يمسح دمعتي !... مللت من كل شيء، مللت من الفرح الضائع في مساحة حياتي، مللت من الدمعة التي تتحجر في عيني وتحيل كل شيء أمامي إلى ضباب، أشعر بالخوف من القادم، وأن هناك حزناً مختلفاً يختبئ خلف أيامي، حزناً لا تمسحه الدمعة ولا الندم !... وربما لا يكون حزناً بل فرحاً لم أعتد عليه !.... [ ... اعذريني ... فالدمع قد مسح جزءاً من أحرف بوحي !.... ] ... أيتها الأخت الغائبة .... لم أحلم يوماً أن أكون كاتباً أو قاصاً أو شاعراً أو روائياً، فحين مسكت القلم وكتبت... كتبت لأجل الموت حين يأتي ويأخذني من الحياة ، تظل أحرفي لتقول بأنني كنت هنا !.... أختاه ... ... لقد تقاسمنا سويا الدمع الحزن، والآن لا شيء في الحياة يجمعنا لنقتسمه، حين أدرك كل منا أن طريقه هو الصواب، أو ربما وجد كل منا من يقاسمه الدمع والحزن، وبقيت أنا يا أختاه ... لا أحد يقاسمني دمعي وحزني ، فدمعي غالي جداً ولن يقاسمني إياه إلا من كان في نفسي غالي جداً !.... أختاه ... ... ها هي الأيام تمضي لا نعرف لها مستقر، تركتها على حالها ، وانزويت في غرفتي لا يرني سوى الظلام لأعيد فتح أدراج الماضي وأبحث عن صور كانت هناك، وعاشت هواء حاضري، كنت أتأمل الصور حتى لا تأتي الأيام في وقت وتسألني بكل برود " صورة من هذه ؟!.... ". أختاه ... ... أخاف من الأسئلة كثيراً، فالأسئلة إن لم تحمل أجوبتها ستوجعني، وقد أوجعتني كثيراً، كل الأسئلة الصامتة التي رددتها على نفسي ذات وقت كنت فيه أحتاج للماضي أكثر من احتياجي للحاضر، فالحاضر بكل عطاءه لن يعطيني كلمة واحدة من أختي... !.... أختاه ... .... كنت خائفاً من سؤالك، والآن قد تجردت من الخوف حين رددت على نفسي نفس سؤالك، ولم يكن السؤال لي بل لكِ ..... فهل أنتِ بخير ؟!.... أختاه ... أخاف أن تمضي بنا الحياة نحو المجهول، وأخاف ألا تجديني حين تتذكرين أن لكِ أخاً عاش هواء الحياة ، وأخاف أن أموت يا أختي دون أن تعرفي إنني أحبك جداً... أخاف يا أختي أن أموت وفي نفسي شيئاً من الشوق لكِ .... [ ... لتسمحي لي يا أختي أن أقف، لأني وجدت أحرفي عاجزة أن تقول كل شيء، فالعذر منك يا أختاه...] .