هناك مصطلحات معينة أعجز عن فهمها، هي سهلة لكن يصعب علي فهمها حين تستخدم في سياق معين، ومن هذه المصطلحات؛ «خصوصية» و«المصلحة العامة»، والآن بعد أن نجحت في ادراج عنوان المقال في فقرة من فقراته لأثبت لكم بطريقة ما أن العنوان له علاقة بالموضوع سأكمل حديثاً بدأته الأسبوع الماضي عن السيدات عضوات هيئة التدريس في جامعتنا الحبيبة التي مر على إنشائها حوالي الخمسين عاما! والموضوع عن الإشراف على طالبات الدراسات العليا، وكل ما أطلبه من أي شخص محايد أن يقارن بين عدد السيدات المشرفات على الطالبات وعدد السادة المشرفين على الطالبات والطلبة من المنتظمين والمنتظمات في الدراسات العليا، وستلاحظون أن المشرفين على بعض الرسائل العلمية للطالبات هم من الذكور، وقد تجدون في بعض الحالات أن المشرف المساعد هو سيدة! وإذا كنتم مثلي من الذين يحبون طرح الأسئلة فإن السؤال الذي يخطر على بالكم هو؛ هل امتنعت عضوات هيئة التدريس من النساء عن الإشراف العلمي على طالبات الدراسات العليا؟ هل لا يوجد عضوات هيئة تدريس من النساء مقتدرات علميا على الإشراف على الطالبة؟ الإجابة على السؤال الثاني تجدونه في أسماء وتخصصات ومؤهلات عضوات هيئة التدريس التي تجدون بعضها منشوراً في موقع الجامعة نفسه، وقد تجدونه في التقرير السنوي للأقسام والكليات المختلفة، لكنني أفترض هنا أن الطالبة هي اختارت المشرف ولم يفرض عليها وفي هذه الحالة ينتفي الإشكال. لكن لنحاول أن نقرأ مابين السطور في بعض الحالات، حين تجد أستاذات قديرات علمياً ولديهن سمعة عملية مميزة وفي تخصصات نادرة لكن لا يقمن بالإشراف على الطالبات اللواتي يتسربن إلى القسم الرجالي، في هذه الحالة ستتساءلون مثلي عن الأسباب، ولو كنتم في موقع مسؤولية وموقع اتخاذ قرار قد تقررون البحث والتنقيب في هذا الأمر ومحاولة معرفة أسبابه، فمن غير المعقول وفي حالة تواجد عضوة هيئة التدريس المناسبة علميا أن تختار الطالبة أن يكون مشرفها من الذكور خاصة وأننا نعرف «خصوصية» مجتمعنا وحرص الكثيرين منا بوازع ديني أولا واحتراما للعرف الاجتماعي ثانيا للابتعاد عن الاختلاط قدر المستطاع، وإذا كان الذكور يقومون بتدريس الطالبات في المراحل الجامعية المختلفة عبر الشبكة التلفزيونية المغلقة فكيف يمكنهم أن يشرفوا على طالبة ستقوم على سبيل المثال ببحث عملي علمي وتحتاج إلى أن تتعلم تقنيات معملية دقيقة تستدعي تواجدها مع من يعلمها في معمل واحد وهذا غير ممكن وغير مسموح به على أرض الواقع لأن الأقسام النسائية مستقلة ومنفصلة انفصالا كاملا عن أقسام الرجال ولا يتم فيها أي اختلاط ولا حتى يسمح به. ونتيجة لذلك ولأنها لايمكنها أن تتواجد مع المشرف الرجل في مكان واحد، فإنها إما أن تقوم بالجزء العملي بمفردها أو يتم تعيين مشرفة مساعدة من القسم النسائي وهذه المشرفة هي التي تقوم بالإشراف على التجارب المعملية بشكل كامل بينما المشرف الرجل هو مجرد جواز مرور أو مجرد مظهر والطالبة قد تكون بالنسبة له مجرد رقم أو اسم يضاف إلى سيرته الذاتية، وهذا في نظري على الأقل خطأ، فالمصلحةالتي نسعى لتحقيقها هي مصلحة الطالبة وليست مصلحة الأستاذ المشرف. لاحظوا أنني أتحدث عن التخصصات العلمية المعملية الدقيقة والتي تحتاج فيها الطالبة إلى متابعة يومية للتأكد من صحة التجارب المعملية التي تقوم بها، ونسيت أن أخبركم أن المشرفة المساعدة هذه قد تكون بدرجة أستاذ أي أنها استوفت الشروط المتطلبة لتكون مشرفا رئيسيا وفي هذه الحالة ستتساءل إذا كنت تنظر للصورة من بعيد؛ لماذا لا يعكس الوضع؟ لماذا لاتكون السيدة هي المشرف الرئيسي خاصة وأنها مستوفية للشروط وستقوم بجل الأعباء ويكون السيد «أقصد سي السيد» هو المشرف المساعد خاصة وأنه في بعض الأحيان هو مشرف صوري مهمته تخويف مافيا الذكور في اجتماعات بعض مجالس الأقسام التي يكون فيها تكتلات حزبية؟ وهي مهمة صعبة فمافيا الذكور بإمكانها تعطيل مستقبل طالبة وإيقافه ووجود المشرف الرجل خطوة ذكية تتخذها بعض الطالبات حتى تتسهل أمورهن الإدارية بينما يتركن الأمور العلمية بيد المشرفة المساعدة الأنثى، وهذا نتيجة تعطيل عمل النساء الإداري وعدم منحهن الاستقلالية وحصرهن في مجال السكرتارية فتجد سكرتيرة بدرجة «أستاذ» وصانع قرار بدرجة أستاذ مساعد! وقبل أن نكمل لنتفق أولاً على مفهوم «المصلحة العامة» والتي يجب أن تقدم على المصالح الخاصة أو الفردية وفي هذه الحالة لابد أن نذكر أن الطالب/ الطالبة يأتي أولاً، فهو/هي ليس مجرد سلم يستخدمه الأستاذ أو الأستاذة للحصول على الترقية، وإذا اتفقنا على ذلك فإن من مصلحة الطالب/الطالبة أن يختار المشرف/المشرفة الذي سيتعامل ويعمل معه وعلى إدارة القسم فقط التوجيه، ومن مصلحة الطالب/الطالبة أن يحصل على العناية والرعاية العلمية التي يحتاجها. ونعود للسؤال؛ لماذا الأفضلية في الإشراف على رسائل الدراسات العليا في بعض الأقسام للذكور دون الإناث؟ قد يكون السبب هو عدم توفر عضوات هيئة التدريس المؤهلات، لكن ونحن على أعتاب 2006م فإن عدد الأستاذات المساعدات فما فوق في الأقسام المختلفة في ازدياد وهذا الكلام عن قلة عضوات هيئة التدريس من السيدات قد يكون صحيحا قبل عشرين عاما لكن لايمكن قبوله الآن، وقد يقول قائل إن هناك قلة أو شحاً في عضوات هيئة التدريس من السعوديات في بعض التخصصات، ولو صح هذا الكلام فإنني أتساءل لماذا يتم التعاقد مع الأستاذات المشاركات والأستاذات «البروفسورات» ويتم منعهن من الإشراف على الطالبات بدعوى القانون غير المكتوب والذي لا يبدو منطقيا بأن الأولوية للأستاذ الرجل السعودي؟ هل تقوم الجامعة أو الكلية باستقدام عضوة هيئة تدريس بدرجة «أستاذ» كي تدرس المراحل المبدئية أليس من باب أولى الاستفادة من خبرتها البحثية؟ هناك مستجدات فيما يتعلق بالطالبات تتجاوز «أين يضعن عباءاتهن؟» «وماهو الزي الذي يرتدينه؟» وهذه المستجدات بحاجة إلى أن ندرسها ولا نتركها عرضة للتفسير الشخصي لرئيس القسم أو لشلة معينة داخل القسم تسعى لتحقيق مصلحتها الذاتية فقط. والدراسات العليا والإشراف على الرسائل العلمية وطريقة اختيار المشرف ومناقشة خطة البحث بحاجة إلى متابعة دقيقة من قبل جهة معينة مستقلة تضمن عدم التلاعب بمصالح الطالبات. وسأصمت الآن! ولو كان الأمر بيدي لقصصت لكم وقائع عاصرتها شخصياً.