أهم شيء تعلمته أثناء عملي في بحث الدكتوراه هو "الصبر"، فحين تقضي أيام وشهور بين جدران معمل مغلق للقيام بتجربة واحدة بانتظار النتائج فإنك تتعلم الصبر، حتى وإن كنت في جميع جوانب حياتك عجولا، فإنك في هذا الأمر بالذات وفي هذه المواقف تتعلم الصبر والتأني. فالتعلم في حد ذاته حالة تراكمية لا يحدث بين يوم وليلة، فأنت كي تتعلم تقنية معملية مثلاً تحتاج لدراسة نظرية وتدريب عملي حتى تتمكن من إتقانها وهذا يحتاج وقتاً وصبراً. احتجت أنا والفريق الذي أعمل معه إلى ثلاث سنوات من البحث حتى نظفر ببحث منشور في إحدى المجلات العلمية المرموقة ونسجل نتائجنا، ونحن نعتبر من المحظوظين فثلاث سنوات تعتبر عمراً قصيراً في عالم الأبحاث! وما أريد أن أقوله وما أحاول أن أعلمه للطالبات اللواتي أشرف على أبحاثهن هو أنه لا يوجد شيء اسمه: كيف تنهي أبحاثك في عشرة أيام؟ أو كيف تنشر بحثاً محكماً في خمسة أيام؟ وهذا ما تعيه دائماً الجهات التمويلية حيث تجدون الأبحاث المقدمة لها تتضمن وصفاً تفصيلياً لمسار البحث لمدة ثلاث سنوات أو خمس يتضمن ذلك تفاصيل الحصول على العينات والتجارب الاولية ودور كل باحث في كل فترة من فترات العمل. ونحن هنا نتحدث عن التجارب المعملية التي تحتاج لوقت، وأعتقد أن هذا أيضاً ينبطق إلى حد كبير على الأبحاث النظرية حيث يحتاج الباحث إلى أن يقرأ في المراجع ويضع الفرضية ويضع عناوين البحث الداخلية ليبدأ بعدها في الكتابة والتوثيق والاستنتاج. ما يجهله البعض حين يدخلون مجال البحث، هي كمية الجهد التي تبذل وكمية الوقت التي تستمثر في هذه الأبحاث. نتائج خمس سنوات من التجارب المعملية والتحليلات الإحصائية قد تلخص في النهاية في ورقات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة في مجلة محكمة مرموقة، حيث كل سطر مكتوب فيها يمثل تاريخ صاحبها وجهده لإنجاز هذا البحث. قد تطالع هذه الوريقات كمتابع خارجي وتتصور أن الحصول على هذه النتائج سهل وأن إمكانية نشرها في مجلة علمية مرموقة أكثر سهولة، بينما الواقع يقول غير ذلك، خاصة وأن سقف النشر في هذه المجلات عال ومتطلبات النشر صعبة ودقيقة. وكي تستمر وتنتج في هذا المجال يجب أولاً أن تتعلم الصبر.