عندما كتبت مقالتي حول حوادث وفاة المعلمات في الطرق الوعرة والتي لا يمر أسبوع في المتوسط إلا ونقرأ عنها.. وآخرها الحادث المؤلم والمفجع الذي غيّب عدداً من المعلمات في عفيف آخرهن توفيت منذ أيام!! عندما كتبت مقالتي (إنهم مسؤوليتكم) والتي نشرت في 5/5/1426ه توقعت ردوداً من العلاقات العامة في كل وزارة مسؤولة تبرر ما حدث!! وبالفعل كانت الرسالة الأولى من مدير عام العلاقات العامة بوزارة النقل يوضح شكر الوزارة لاهتمامي بطرح القضايا الاجتماعية وأسف وحزن وزارة النقل في الجهاز المركزي في جميع ادارات الطرق والنقل لما يتعرض له الأفراد والمعلمات من حوادث على الطرق وتدعو لهم بالرحمة والغفران. ثم استعرض جهود الوزارة في تنفيذ آلاف الكيلومترات من الطرق السريعة والمزدوجة والمفردة ربطت شرق المملكة بغربها وشمالها بجنوبها وأن أعمال الصيانة تتم بصفة مستمرة طوال العام!! ثم أوضح أن الوزارة وضعت لوائح وشروط الترخيص للشركات والمؤسسات والأفراد لممارسة أنشطة النقل المتنوعة ومنها النقل المدرسي المتضمن ضوابط وشروطاً لضمان توفر وسائل السلامة والأمان للمركبة ولا يسمح بممارسة هذا النقل إلا بالحصول على الترخيص من فروع الوزارة.. ويؤكد على أن الحوادث المؤسفة لا يقتصر وقوعها على الطرق المفردة بل حتى على الطرق السريعة والمزدوجة مما يؤكد أن الطريق قد لا يكون السبب في هذه الحوادث وإنما يعود إلى أسباب أخرى هي عدم انضباط قائد المركبة الذي لا يلتزم بالسرعة المحددة مثلاً أو يتجاوز في الأماكن غير المسموح بها وغيرها. يضاف إلى ذلك إهمال صيانة المركبة وتفقد إطاراتها وغيرهما من عوامل السلامة المتعلقة بالمركبة .. كل هذه العوامل من أهم أسباب الحوادث وربما هذه ليست من مسؤولية وزارة النقل.. وختم رسالته أو توضيحه بأن يكون هذا إجابة عما ختمت به مقالتي (فلا تمهدوا طريق البغال.. فقط مهدوا طريق البشر فهم مسؤوليتكم وأمانة في أعناقكم).. ٭٭ وجاء رد وزارة التربية والتعليم من مدير عام الخدمات العامة بها منشوراً في صحيفة «الرياض» في عددها الصادر يوم الخميس 23/5/1426ه بينما رد وزارة النقل وصلني في اليوم التالي لنشر المقالة وعبر فاكس الصحيفة.. لم يختلف رد وزارة التربية والتعليم عن رد وزارة النقل من ذكر إنجازات الوزارة في مجال التعليم وأنه خلال نصف قرن حقق تعليم الفتاة السعودية إنجازات زادت من مظلة التعليم وانتشار المدارس في القرى والهجر وكان من الطبيعي ان تتجه المعلمة السعودية إلى تلك المناطق بدلاً من المتعاقدات اللاتي تم إحلال السعوديات محلهن لتقوم بواجبها في تعليم أختها التي لها نفس الحق في التعليم!! وهكذا نجد اتفاق الوزارتين في أهمية استعراض جهودهما في نشر مظلة التعليم في أنحاء المملكة وامتداد آلاف الكيلومترات من الطرق في جميع أنحاء المملكة!! وبعد هذا الاستعراض يأتي التعليق على المأساة الإنسانية وهي (موت المعلمات المستمر)!! والذي يتلخص في ان دور وزارة التربية والتعليم (يقتصر) على إرسال الاحتياج عدداً وتخصصاً ومكاناً إلى وزارة الخدمة المدنية التي تقوم بدورها بالإعلان عن هذه الوظائف واستقبال طلبات الترشيح بعد موافقة طالبة العمل على مقر العمل!! ثم جاء في هذا الرد أن هناك لجاناً تشكلت من وزارات: الداخلية والمالية والخدمة المدنية والتربية والتعليم والإعلام، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوصلت هذه اللجان إلى توصيات مهمة منها. 1- توزيع المهام والأدوار على الجهات المشاركة بموجب برقية صاحب السمو الملكي وزير الداخلية وتحديد دور تعليم البنات بإصدار تعميم توعوي على جميع المدارس يوضح أهمية الانتقال بواسطة الحافلات المصرح لها وطلب صورة من العقد المبرم بين المعلمة والناقل وتصميم استمارة خاصة لمتابعة ذلك!! 2- (توصلت لجنة دراسة حوادث نقل المعلمات إلى عدة توصيات هامة تؤكد ما سبق ووافق عليها صاحب السمو الملكي وزير الداخلية) ولم يتم ذكر ما هي هذه التوصيات الهامة!! 3- تؤكد وزارة التربية والتعليم (تعليم البنات) على المعلمات الإقامة بجوار مقر عملهن!! وتقع مسؤولية ايصالها إلى مقر عملها على ولي أمرها لتوصيلها بنفسه أو يستأجر لها وسيلة آمنة مرخصة من وزارة النقل مع سائق سعودي ومحرم وذلك في حالات الضرورة القصوى وتسلم صورة من العقد لإدارة المدرسة للمتابعة!! وأخيراً - كما يقول مدير عام الخدمات العامة بوزارة التربية والتعليم - يبقى الطرف الذي له الدور الفاعل في المشكلة وهو المعلمة نفسها وولي أمرها!! ويظل عدم الالتزام بالتعليمات من أهم أسباب هذه الحوادث واقعاً فعلياً وليس رأياً إدارياً بعيداً عن الإنسانية كما ذكرت!! وبالطبع مثلما وزارة النقل سألت الله الرحمة والغفران لمن مات من هؤلاء المعلمات فإن وزارة التربية والتعليم تسأل الله السلامة والتوفيق للجميع!! ٭٭ وهكذا تم حل مشكلة حوادث الطرق وموت المعلمات وبررت كل وزارة مسؤوليتها!! واصبحت المعلمة وولي أمرها ونوع مركبتها هم السبب في هذا الموت المستمر!! كنت أتمنى من وزارة النقل ان تعيد قراءة الدراسات والأبحاث التي أوضحت ان جزءاً مهماً من حوادث الطرق يعود إلى عدم صيانة الطرق وعدم وجود علامات تحذيرية وهي منشورة في مؤتمرات السلامة المرورية وقد علقت عليها سابقاً في عدد من مقالاتي.. أما وزارة التربية والتعليم (تعليم البنات) فأوجه لها سؤالاً بسيطاً: هل رفضت كل معلمة ان يتم تعيينها بجوار مقر إقامتها؟؟ ومرة أخرى هل بين هؤلاء المعلمات إحدى قريبات المسؤولين ليس في قطاع التربية والتعليم فقط بل في أي قطاع في الدولة؟؟ ٭٭ الموضوع خطير ولن تصححه هذه المبررات .. ودماء هؤلاء المعلمات ستبقى في رقاب الجميع!! رغم شكري لتجاوب الوزارتين وحرصهما على الرد.. والاهتمام وإن اختلفت معهما في هذه الرؤية.