على الرغم من تحذيرات الأطباء المختصين بشأن إعلانات الأدوية التي تشتد في الأوقات المصاحبة لأمراض الشتاء، إلاّ أن واقع الحال يشير بوضوح إلى الإقبال المتزايد على اقتناء تلك الأدوية من دون اللجوء إلى الطبيب للحصول على وصفة طبية؛ تمكّن المريض من العلاج ضمن "خطة علاجية مدروسة". ويرى "فؤاد المشيخص" -باحث اجتماعي- أن بعض الشركات تفضّل الربح على الصحة، مخالفة بذلك أنظمة وزارة الصحة التي تصر على أهمية الاعتناء بصحة المريض أولاً، وذلك كأولوية لها، ولا يمكن التهاون فيها كما يأتي في تعليمات الوزارة. وقال:"ما يحصل تجارة وليس (ملائكة رحمة) تنزل على المريض، فكل ما هو مطلوب المال لدى بعض الشركات التي تعلن عن أدويتها من دون ضوابط وتقنين"، مضيفاً:"لا بد من التقنين والضوابط"، وهو ما يؤكد عليه"د.غالب الفرج" -طبيب الأسرة والمجتمع-، قائلاً: "ليس هناك أي دلائل علمية تقول إن الأدوية التي تخفف احتقان الحلق والكحة التي يُعلن عنها لها قدرة على تغيير قدرة المرض، وما نشاهده تسويق ليس إلاّ، وليس هناك أبحاث علمية تؤكد ذلك"، مضيفاً "إن القوانين التي تنظم العملية برمتها مطلوبة، وأي منتج دوائي يتم الإعلان عنه بأي واسطة إعلامية كانت يترك تأثيرا كاستقبال لمنتج، وهنا نجد أن السامع أو القارئ أو المشاهد عبارة عن مستهلك، والشركات تعرف أن الإعلان يؤثر على المستهلك ولهذا يتم دفع أموال طائلة للإعلانات". ويتابع: "يترك الإعلان تأثيرا نفسيا وانجذابا نحو المنتج الدوائي، وهو ما يحقق البيع المطلوب للشركات المعلنة، وذلك على حساب منتجات أخرى لم يسمع عنها، أو لم تترك أثرها عليه عبر الوسائل الإعلانية"، مشيراً إلى أن طالب الدواء يميل في طبقة اللاوعي لتصديق المنتج المعلن عنه أكثر بكثير من أي دواء لم يروج له. تحذير صحي ويرى "د.الفرج" أن الشركات والمنتجين للإعانات يهتمون بالمنتج ووضع التأثيرات الضوئية وغيرها عليه، ف"يجب أن تتوفر الضوابط على الإعلانات بحيث أنه لا يؤثر على الاستهلاك"، مقترحاً إرفاق تحذير مع الإعلان، مضيفاً "إن من الضروري سن قانون يقضي بوجود تحذير مع الإعلان الصحي، وذلك بالتشديد في التحذير على أن لا يتم تناول هذا الدواء، إلاّ بعد استشارة الطبيب، وللضرورة القصوى، كما يجب تحديد المنتجات التي يعمل لها إعلان صحي"، مشيراً إلى أنه في نهاية المطاف لا يوجد دواء ليس لديه أعراض جانبية. ويتابع "إن أخذ أي دواء من دون استشارة الطبيب غالباً يخلّف مشاكل صحية". وعن عزوف بعض المرضى عن مراجعة الأطباء لاكتفائهم بشراء دواء تم الإعلان عنه وظنوا أنه يناسب حالتهم،يقول: "إن الإعلان يسهم في حدوث هذه الظاهرة، والمطلوب للحد منها أن تكون لدينا قوانين صحية تتماشى مع القوانين الطبية الدولية في هذا المجال، بحيث أن لا ينتج أي مضرة للمريض، خاصة أننا نعرف أن هناك مدونات خاصة لهذا الموضوع، كما يجب الرجوع لتجربة الدول المتقدمة في هذا المجال والأخذ بإيجابياتها". ويتابع "إن أخذ الدواء من دون استشارة الطبيب يعتبر قضية شائكة وهي موجودة حتى في الدول الغربية الأكثر تقدماً، وفي بلدان كثيرة توجد قواعد للأدوية التي توصف، ففي أوروبا وأمريكا إن طلب طبيب وصفة من الصيدلية لا تمنح له مع أنه طبيب، وذلك مثل أدوية المضادات الحيوية". قوانين غير مفعلة ويشدد "د.الفرج" على "أن لدينا قوانين أصدرتها وزارة الصحة وتقول هذه القوانين بأشياء كثيرة، بيد أن تطبيق القانون ليس موجوداً في بعض الصيدليات مع شديد الأسف، فلا يتم تطبيق القانون ولا يتم متابعة التطبيق للقانون". ويتابع "إن المتابعة تكون من الجهات التي تسن القوانين، ويوجد مشاكل في هذه الأمور، كما يجب رفع وعي الناس الصحي لئلا تقع مثل تلك المشاكل عليهم، ولو فكّر المستهلك بصحته أولاً لما وقع ضحية إعلان هنا أو هناك"، مشيراً إلى أن بعض الأمراض مثل الجهاز التنفسي يشفى لوحدة، مضيفاً:"ثلثا أمراض الجهاز التنفسي هي التهابات قابلة للشفاء الذاتي من دون أي تدخل طبي على الإطلاق، كما أن معظم الالتهابات فيروسية ولا تستجيب للمضاد الحيوي، وما يحصل أن المريض يشعر بتحسن تلقائي، فيعتقد أن السبب تناوله للمضاد الحيوي"، مشيراً إلى أن استخدام المضادات الحيوية من دون ترشيد واتباع الإعلانات يعمل مشكلة صحية، ف"تصبح البكتيريا لديها مناعة ضد المضادات الحيوية، وهذا ينعكس على الإنسان، خاصة أن كثيرا من المضادات الحيوية القديمة أصبحت البكتيرية محصنة ضدها. ونصح "د.الفرج" الأسر السعودية بقولة: "إن كان الأمر به أعراض بسيطة، وليس فيه ارتفاع شديد لدرجة الحرارة، وأن الأعراض لم تطل، وليس هناك ضيق في الصدر، وليس هناك عوامل تنبئ عن وضع خطر عندها لا يحتاج الشخص للمضاد الحيوي أو اتباع شركات الإعلانات التي تكسب الملايين، وهنا يمكن ترك المرض لما نسميه طبيا بالشفاء الذاتي". تأثير الإعلان أما الصيدلي "د.محمد كامل" فيؤكد على أن الزبائن يقدمون على شراء الأدوية التي يتم الإعلان عنها، ويفضلونها، وقال: "إن الإعلانات شيء أساسي في عملية البيع والشراء في الصيدليات، فحين يعجب الشخص بدواء رآه في الإعلان يأتي ليشتريه، وهذا من واقع السوق". ويتابع "لا يركز المريض على الآثار الجانبية للدواء الذي يشتريه، فهو يراه في الإعلان كأنه ملاك رحمة نزل عليه"، مشيراً إلى أن الإعلان يوحي للمريض بذلك، ولا يتم عرض الآثار الجانبية للدواء في الإعلان، مضيفاً:"الإعلان لدى المريض مصدّق بدرجة تفوق الطبيب أو الصيدلي، ونحن نحاول أن نشرح لأي مريض مخاطر الدواء وأعراضه الجانبية، ويعتبر الإعلان عنصرا أساسا في بيع الدواء، كما أن شركات الأدوية ذكية فهي تعلن عن الأدوية التي لها أعراض جانبية خفيفة، وذلك ليمرر الصنف الدوائي ويعمل كمبيعات ضخمة تدر الملايين، وهنا لا تستطيع أن تقنع المريض بأن لهذا الدواء أعراضا جانبية؛ لأنه لن يلحظه بجسده كونها مخففة"، مشيراً إلى أن الأدوية القوية التي لها أعراض جانبية شديدة لا يعمل لها إعلانات، إذ أن الشركات ستخاف من العواقب التي ستكون واضحة وأن الخسائر المادية لها أكبر في هذه الحالة. ويتابع "إن الأدوية المعلن عنها تشمل أدوية بسيطة الأعراض الجانبية مثل الحموضة والصداع وخافض الحرارة والمسكن وغيرها، وليس هناك إعلانات عن أدوية القلب أو الضغط". وعن نصحه للمرضى كصيدلي يقول:"الأمر يعتمد على نوعية الدواء، فالصيدلي قد يتصرف مع الدواء البسيط، ويتحدث مع المريض فإن كان الدواء له يبين له الأعراض الجانبية، وإن كان لزوجته مثلا يتم سؤاله عن وجود حمل أو عدمه، وفي النهاية استشارة الطبيب أفضل السبل لتحقيق صحة مبنية على أسس علمية". موافقة الوزارة من جهته شدد "سعود المدعج" -عضو اللجنة الصحية في الغرفة التجارية- على أن أهمية أخذ أي إعلان موافقة من وزارة الصحة، مضيفاً "إذا لم يأخذ الإعلان الدوائي موافقة من الجهات الطبية، فسيكون عليه ملاحظة، ومن هنا لا نجد في التلفزيون السعودي أو الصحف إعلانات أدوية لم تحصل على الموافقة"، مستدركاً "هناك وكلاء أدوية خارج المملكة يعلنون في قنوات فضائية تبث من خارج البلاد، وليس للقانون السعودي سلطة عليها، ولا تستطيع وزارة الصحة عمل أي شيء لها طالما أنها غير خاضعة لأنظمة الدولة"، مشيراً إلى أن الأمور محكومة بتراخيص في حدود الوطن. ويتابع "علينا بث الثقافة للمواطن الذي يعد المستهلك للدواء، وهناك إعلانات كثيرة كأدوية تدعي أنها تجعل الشعر ينمو، أو تفتيح البشرة، أو احتقان الحلق، وغيرها الكثير، وإن حصّنا المواطن بالثقافة الصحية، فإن قدرة الإعلان على التحشيد تنخفض". د. غالب الفرج فؤاد المشيخص سعود المدعج